ایکنا

IQNA

باحث ومؤرخ عراقي:

برنامج "الملف" على فضائية الكوثر يركّز على تتبع خيوط النفوذ الأجنبي

11:43 - December 24, 2025
رمز الخبر: 3502937
طهران ـ إکنا: أكد الباحث والمؤرّخ العراقي "عامر السوداني" أنّ ما يميّز برنامج "الملف" على فضائية الكوثر هو الجرأة في تسمية الأشياء بمسمياتها بحيث نحن لانكتفي بالسرد القصصي للأحداث، بل نعتمد مقاربة "التحقيق الجيوسياسي"، مصرحاً أن برنامجنا يركّز بشكل جوهري على تتبع خيوط النفوذ الأجنبي.

يُعرض برنامج «الملف» على شاشة قناة "الكوثر" الفضائية في إیران، متناولاً دراسة التاريخ العالمي وتحليله، بمرافقة الباحث والمؤرّخ العراقي "عامر السوداني"، وذلك في إطار إعلامي تحليلي معمّق.

ووفقًا لما أفادت به العلاقات العامة في هيئة الإذاعة والتلفزيون الايرانية، تنتج شبكة الكوثر العالمية برنامجها التلفزيوني (الملف) وتبثّه برؤية تحليلية وبحثية تُعنى بتاريخ العالم وتحولاته الكبرى.

ويتولى تقديم البرنامج وتحليله المؤرّخ العراقي عامر السوداني، حيث يستعرض أبرز الأحداث المفصلية في تاريخ البشرية، ويسعى من خلال قراءة موثّقة وعميقة إلى كشف الأبعاد الخفية للتحولات التاريخية وإيضاحها للمشاهدين.

ويعتمد برنامج «الملف» على تحليلات دقيقة، ووثائق تاريخية، وروايات قلّما أُضيء عليها، متجاوزًا الحدود الجغرافية ليتناول تاريخ الشعوب والحضارات المختلفة برؤية شمولية ناقدة.


إقرأ أيضاً:


وقد أسهمت المكانة العلمية الراسخة لعامر السوداني وأسلوبه السلس والواضح في الطرح، في جعل هذا البرنامج أحد أبرز الأعمال المتميزة على قناة الكوثر الفضائیة في مجال التاريخ والدراسات الحضارية.

يُبَثّ برنامج «الملف»، وهو من إنتاج المجموعة السياسية في شبكة الكوثر، مساء كل يوم ثلاثاء عند الساعة 21:30 بتوقيت طهران على شاشة قناة الكوثر الفضائیة.

فيما يلي نصّ الحوار مع الباحث والمؤرّخ العراقي "عامر السوداني":

بصفتكم أحد أبرز المؤرخين المعروفين في العالم العربي، ما الدوافع التي حدت بكم إلى تولّي تقديم وتحليل البرنامج التاريخي «الملف»؟

الدافع الرئيس هو إيماني العميق بأن التاريخ الذي ندرسه أو نراه في الإعلام غالبًا ما يكون "تاريخ المنتصرين"، وهو تاريخ كُتب لخدمة سردية مركزية غربية تبرّر الهيمنة. وجدت أن هناك حاجة ملحة لمشروع مثل «الملف» يقوم بمهمة "التفكيك"؛ تفكيك بنية الاستعمار القديم والحديث، وكشف جذور الهيمنة الغربية والأمريكية التي لم تنتهِ بخروج الجيوش، بل تحورت لأشكال سياسية واقتصادية وثقافية.

دافعي هو تقديم قراءة عربية مستقلة للتاريخ، نتحرر فيها من "عقدة النقص" ونعيد قراءة الأحداث من وجهة نظرنا نحن، لا كما أراد المستعمر لنا أن نراها. أردت من خلال هذا البرنامج أن أوضح للمشاهد كيف تشكّل عالمنا الحالي بناءً على مصالح تلك القوى الكبرى، ولماذا لا نزال ندفع ثمن تلك التدخلات حتى اليوم.

ما المقاربة المميّزة التي يعتمدها برنامج «الملف» في تناوله لتاريخ العالم، مقارنةً بغيره من الأعمال التلفزيونية التاريخية؟

ما يميز «الملف» هو الجرأة في تسمية الأشياء بمسمياتها. نحن لا نكتفي بالسرد القصصي للأحداث، بل نعتمد مقاربة "التحقيق الجيوسياسي". برنامجنا يركز بشكل جوهري على تتبع خيوط النفوذ الأجنبي؛ فنحن نفتح الملفات لنري المشاهد كيف تم هندسة الخرائط، وكيف صُنعت النزاعات لخدمة مصالح الاستعمار قديماً والهيمنة الأمريكية حديثاً.

نحن نميز أنفسنا بالابتعاد عن السطحية؛ فلا نعرض الحرب أو الأزمة كحدث معزول، بل نربطها بسياقها الدولي، ونكشف بالوثائق والأدلة كيف تلاعبت القوى الغربية بمصائر الشعوب، خاصة في عالمنا العربي. مقاربتنا هي تعرية "آليات السيطرة" المستمرة، لنقول للمشاهد: انظر، اليد التي رسمت الحدود قبل مئة عام، هي نفسها (أو وريثتها) التي تتدخل في قرارك اليوم.

من وجهة نظركم كباحث في التاريخ، ما أكبر الأضرار أو الإشكالات التي تشوب سرد تاريخ العالم في وسائل الإعلام المعاصرة؟

الإشكال الأخطر هو "التبعية السردية". للأسف، جزء كبير من إعلامنا يتبنى – بوعي أو دون وعي – المصطلحات والروايات التي صاغتها الماكينة الإعلامية الغربية. يتم تصوير الاستعمار أحياناً كحالة من "التفاعل الحضاري" أو يتم تبرير التدخلات الأمريكية الحديثة تحت مسميات براقة كـ "نشر الديمقراطية"، مع إغفال الوجه الحقيقي البشع لهذه التدخلات.

هذا التشويه يخلق وعياً زائفاً لدى الأجيال الجديدة، فينسلخون عن قضاياهم الحقيقية. الإعلام المعاصر يميل أيضاً إلى طمس جرائم الهيمنة أو تبريرها بمنطق "الأمر الواقع"، ونحن في «الملف» نعتبر أن دورنا هو مواجهة هذا التزييف، وإعادة الاعتبار للرواية التاريخية التي تنصف الضحية وتفضح الجلاد، مهما كان نفوذه اليوم.

في ضوء خبرتكم ودراساتكم الواسعة، إلى أيّ مدى يمكن اعتبار الأزمات والتحوّلات الراهنة في العالم نتاجًا لماضيه التاريخي؟

الأزمات الراهنة هي، بلا شك، الامتداد الطبيعي والنتيجة الحتمية للتدخلات الاستعمارية السابقة والسياسات الإمبريالية اللاحقة. لا يمكننا فهم الفوضى التي تضرب الشرق الأوسط اليوم، أو الحروب الاقتصادية والسياسية، بمعزل عن خطط التقسيم القديمة (كسايكس بيكو وغيرها) وعن استراتيجيات الهيمنة الأمريكية التي ورثت التركة الاستعمارية الأوروبية.

ما نعيشه الآن من صراعات طائفية، وحدود ملتهبة، وأنظمة اقتصادية هشة، هو نتاج مباشر لهندسة عالمية صُممت لتبقى منطقتنا "سوقاً ومصدراً" لا شريكاً ونداً. التاريخ يثبت أن القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، عملت دائمًا على إدارة الأزمات بدلاً من حلها لضمان استمرار نفوذها. لذا، فالواقع الحالي هو استمرار للماضي ولكن بأدوات أكثر حداثة وفتكاً.

لو أردتم أن تقدّموا لجمهور «الملف» وصيّة تاريخية خالدة، فما هي هذه الوصيّة؟

وصيتي هي: "تحرروا من الاستعمار المعرفي".

الاستعمار العسكري قد يرحل، لكن استعمار العقول هو الأخطر والأبقى. وصيتي لكل مشاهد أن يمتلك "السيادة على تفكيره"، وأن يقرأ التاريخ بعين ناقدة تكشف أين تكمن مصالح القوى المهيمنة. لا تقبلوا أن يكتب الآخرون تاريخكم نيابة عنكم، ولا تصدقوا أن الغرب هو مركز الكون ومرجعية الإنسانية الوحيدة. اعلموا أن الوعي بجذور الهيمنة وتاريخها الأسود هو الخطوة الأولى نحو بناء مستقبل مستقل وكرامة وطنية حقيقية. التاريخ هو ساحة المعركة الأولى، فانتصروا فيها بوعيكم.

captcha