وأفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة(إکنا) أنه کانت محافظة المنوفیة، مسقط رأس الشیخ عبدالمنعم الطوخى، إذ ولد فى إحدى قراها عام 1945، وفى کتاتیبها کانت نشأته الحقیقیة، خاصة أن والده کان حافظاً للقرآن، ولم یکن تجاوز السابعة من عمره، حینما فطن والده إلى موهبته ونبوغه فى الحفظ والترتیل، وتمتعه بصوت خاشع عذب، ولم یحتج إلا لعامین حتى یتم حفظه للقرآن کاملا. ومع ذلک داوم والده على مراجعته، وإرساله إلى العدید من مشاهیر المحفظین، لیتعلم على أیدیهم أصول التلاوة وآدابها، دون الاعتماد فقط على جمال وقوة صوته، رزقه الله بطفلتین هما سمر وسحر، وهنا تحکى «سمر» مسیرة والدها القرآنیة التى جعلت منه عالما کبیرا یزاحم باقى المقرئین وهو فى عمر أبنائهم.
کانت بدایة الشیخ القرآنیة فى کتّاب بمرکز تلا فى محافظة المنوفیة، وبعدها التحق بالأزهر الشریف فى طنطا وبعد إتمام دراسته طاف أنحاء محافظة المنوفیة مسقط رأسه، حتى ذاع صیته وشهرته وأصبح له محبوه ثم انتقل إلى الإسکندریة، التى کانت بدایة حقیقیة له، ولکل ما حققه من إنجازات خلال مشوار حیاته.
تحکى ابنته «سمر» مسیرة والدها قائلة: «تعلم الشیخ عبدالمنعم الطوخى، على ید کبار الشیوخ المشاهیر فى مصر، وفى مقدمتهم الشیخ محمد رفعت، والشیخ أبوالعینین شعیشع، لکنه تأثر کثیرا بمدرسة الشیخ مصطفى إسماعیل، الذى تنبأ له بمستقبل کبیر فى رحاب القرآن الکریم، وأحاطه برعایته واهتمامه وکان متابعًا لخطواته».
ورغم صغر سنه استطاع «الطوخى» أن یخترق الصفوف إلى کبار المقرئین، وأن یقتفى أثرهم، راغبا بإخلاص فى أن یتزود من خبراتهم ویتجول فى مدارسهم المختلفة فى التلاوة والتجوید، ولم یکن غریبا مع إصراره وحرصه وإخلاصه للرسالة التى نذر نفسه من أجلها أن ینضم إلى صفوة قراء المصریین وهو فى عمر أبنائهم، کالشیخ عبدالباسط عبدالصمد، الشیخ محمود على البنا، الشیخ مصطفى إسماعیل، الشیخ محمد صدیق المنشاوى، وغیرهم.
ولم یرکن الشیخ لما حققه من شهرة فى وقت قیاسى بین مشاهیر القراء إلى الوثوق والاغترار بعلمه، بل کان حریصا على الدوام فى أن یراجع حفظه، وأن یتعلم آداب التلاوة والقراءات العشر، مؤکدا أنه لا کبیر أمام القرآن الکریم. وفى عام 1977، کان الشیخ مدعواً لتلاوة آیات الذکر الحکیم فى افتتاح أحد مساجد «سیناء» فى الجمعة الأخیرة من شهر رمضان، وکان الرئیس الراحل محمد أنور السادات من الحاضرین لهذا الافتتاح، واستمع بإنصات وخشوع لتلاوة «الطوخى»، وشد انتباهه بقوة أن یستمع لقارئ لم یبلغ الأربعین من عمره یمتلک براعة فى الأداء، ودقة فى مخارج الحروف، والوقفات.. ومنذ ذلک الیوم حرص «السادات» على سماعه باستمرار، کما حرص على اصطحابه فى العدید من رحلاته الداخلیة والخارجیة.. کما أعجب بصوته العدید من رؤساء وملوک وأمراء العالم العربى والإسلامى، وکثیرا ما کان یتلقى دعوات منهم لتلاوة القرآن الکریم، وإحیاء مختلف المناسبات الإسلامیة.
کان شهر رمضان فرصة مثالیة للشیخ لینطلق فى العدید من أرجاء العالم الإسلامى والعربى، بحسب ابنته «سمر»، حیث حرص على التواصل مع مختلف الشعوب الإسلامیة والجالیات فى مختلف الدول الأخرى، وکان فى کل مرة یجد صدى وتجاوباً کبیرا على المستویین الشعبى والرسمى، وکان من أوائل الدول التى حرص الشیخ على زیارتها المملکة العربیة السعودیة، باکستان، إیران، الصین، ومختلف الدول العربیة، کما شارک فى افتتاح العدید من المساجد والمراکز الإسلامیة کما فى افتتاح المرکز الإسلامى فى لندن، ولم یتردد یوما فى تلبیة أى دعوة لتلاوة الذکر الحکیم مهما بعدت المسافة أو واجه من مشاق، فکان أن وضع الله حبه فى قلوب کل مستمعیه.
اختار الشیخ عبدالمنعم الطوخى مدینة الإسکندریة مکانا للاستقرار، وحقق فیها حضورا واسعا، حتى بات یلقب بـ«شیخ قراء الإسکندریة»، لکن مع ذلک لم یکن نشاطه محدودا، بل کان ینطلق فى کل الأرجاء لیتلو کتاب ربه، لم یتسرب الوهن إلى صوته على الرغم من تسرب المرض إلى جسده، وإصابته بمرض الکلى، فکان یتحامل على نفسه حتى لا یخذل محبا لتلاوته.
کما کان عازفا عن الأضواء رغم سعیها الحثیث وراءه، وظل لسنوات طویلة، رافضا نصائح بعض شیوخه وزملائه وتلامیذه بالتقدم للإذاعة لیکون قارئا معتمدا بها، وحینما قبل على مضض أن یخوض التجربة تربص له البعض وحالوا دون ذلک، فانصرف عنها غیر نادم، مکتفیا بالرصید الکبیر الذى حققه بین مستمعیه فى کل أرجاء العالم العربى، وبعدد لا یحصى من التلامیذ، الذین تأثروا بمدرسته واقتدوا به، وظل على هذا الحال لا یعرف مهمة له فى الحیاة سوى کتاب رب العالمین، فى کل بقعة وطأتها قدماه داخل مصر وخارجها، لم یمنعه من أداء هذه الرسالة مرض أو طول سفر، أو مشقة، وظل رغم شدة المرض خاصة فى الشهور الأخیرة من حیاته وهو یکمل عامه الثانى والستین تالیاً للذکر الحکیم، وقدم تلاوات قبل یومین من رحیله لا یعتریها وهن أو ضعف، على الرغم من خضوعه لجلسات غسیل کلوى مکثفة، کان یستعد خلالها للسفر إلى الصین لإجراء عملیة زرع کلى، وظل لآخر یوم فى حیاته یقرأ القرآن حتى وهو على فراش الموت وکانت سورة الرحمن آخر ما قرأ، إلى أن حل الأجل قبل أن یسافر، وصعدت روحه إلى رحاب ربه 17 أبریل2007.
وقد شیع جثمانه من مدینة شبین الکوم بالمنوفیة إلى مدینة الإسکندریة جمع غفیر من محبیه من شتى البلاد، فضلا عن مئات من زملائه وتلامیذه ومنهم القارئ الشیخ أحمد البحیرى، الشیخ مرضى أبوهریرة، الشیخ أحمد عثمان، الشیخ حامد منصور، الشیخ محمد البهلوان، الشیخ محمد القبلاوى، والشیخ محمد مدین، وأعلنت بعض البلاد مثل باکستان، وغیرها من الجالیات الإسلامیة یوم وفاته یوم حداد رسمى، تقدیرا لرحلته النورانیة مع القرآن الکریم.
لم یحصل الشیخ «الطوخى» على حقه من تقدیر الناس له فى حیاته، ولا حتى بعد موته، ففى الوقت الذى تقوم إذاعة القرآن الکریم، بإذاعة تسجیلات المقرئین القدامى فى مصر، حیث یرى أبناؤه وأسرته أن الإذاعة المصریة کستها الشیخوخة فتمکنت منها، وأن الأضواء سلطت على کبار المقرئین فى إغفال واضح لآخرین، أفنوا حیاتهم فى قراءة القرآن ونشره لجمیع بقاع الأرض، بأصواتهم العذبة.
وأکدت أسرته «زوجته وابنتیه سمر وسحر»، أنهم لا یریدون إلا بعض التقدیر لوالدهم، مؤکدین دوره العظیم فى نشر القرآن وتحبیب الناس به، خاصة غیر المصریین، حیث کانت أوروبیة مثل ألمانیا وإنجلترا، والآسیویة مثل باکستان، تکرمه فکیف بأبناء بلده ألا یجد تقدیراً منهم.
أضافت ابنته «سمر»: «واجه الشیخ اضطهادا ممن استکثروا علیه دخول الإذاعة المصریة بعد أن حقق شهرة واسعة بدونها، فمنعوه من دخولها ووقفوا فى طریقه، ولأنه کانت له شهرة واسعة بین محبیه، قام بالاستعناء عن ذلک بإحیاء الحفلات الرسمیة، فکان یطلبه کبار المسؤولین».
ویحکى أحد أحفاده: «فوجئت بعد عام من وفاة الشیخ أن هناک 3 طلاب من باکستان، لا یستطیعون التحدث بالعربیة طلبوا منه أن یدلهم على مکان قبره، حتى یزوروه، إحقاقا له»، وقال إن کل ما یأملونه أن یتم تقدیر هذا العالم الجلیل، بنشر قراءاته وتسجیلاته، مؤکداً أن أسرته لا ترید أى عائد مادى من ذلک، فالهدف هو تقدیر هؤلاء العظماء المغمورین الذین أفنوا حیاتهم، ووهبوها لکتاب الله.
المصدر: المصری الیوم