ایکنا

IQNA

ذكرى إنتصار الثورة الإيرانية...الوحدة الإسلامية ونصرة المظلومين نصب العين

11:33 - February 21, 2022
رمز الخبر: 3484884
شكلت الثورة الاسلامية الايرانية حركة حضارية ونهضة ثقافية بامتياز بالرغم من محاولات العزل والتحجيم والحصار التي استهدفتها منذ اندلاعها. فعلى الرغم من الحرب الاقتصادية المفروضة عليها من قبل القوى الكبرى والحرب العسكرية التي استنزفت قدراتها لأكثر من ثماني سنوات، سطع نجم هذه الأمة الأبية الرافضة للخنوع.

ونحن نحيي الذكرى الثالثة و الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية المباركة على الشاه الإيراني، عميل القوى الإستكبارية في المنطقة، نستذكر جهود هذه الثورة في تكريس مفهوم الوحدة الإسلامية للدفاع عن قضايا  الإسلام الجوهرية ومواجهة التحديات الخارجية بأشكالها المختلفة، فضلا عن الحضور الدائم للقضية الفلسطينية التي كانت و لا تزال نصب العين، باعتبار الجمهورية الإسلامية الحاضنة والرافعة الأساسية في دعم فلسطين والمقاومة ونصرتهما.
 
ساهم الشعب الإيراني بكافة قواه وفصائله في ميلاد ثورة مباركة، لم تتخلّف أيّة مدينة فيها عن تقديم قوافل من الشهداء، فقد جابهت الثورة الإسلامية أشرس طاغية في المنطقة، متحدية كل وسائله القمعية لمدة عام كامل تقريباً، قدَّم فيها الشعب الإيراني عشرات الآلاف من الشهداء. شكلت هذه الثورة حركة حضارية ونهضة ثقافية بامتياز بالرغم من محاولات العزل والتحجيم والحصار التي استهدفتها منذ اندلاعها. فعلى الرغم من الحرب الاقتصادية  المفروضة عليها من قبل القوى الكبرى والحرب العسكرية التي استنزفت قدراتها لأكثر من ثماني سنوات، سطع نجم هذه الأمة الأبية الرافضة للخنوع. كانت الثورة منذ انطلاقتها المباركة علی عداء مع المشروع الأميركي في الهیمنة على مقدرات الدول الإسلامیة و تقسيمها إلى فرق و جماعات يسهل افتراسها، فعملت على إحباط جميع المؤامرات والمخططات و دعت العالم الإسلامي لذلك، فصانت بذلك مبادئها التي قامت عليها، على عكس التجارب الحزبية آنذاك، و التي عانت من الانفصال بين القول والفعل، بين الشعارات التي تدعو إلى العدالة وحقوق الناس ومواجهة العدو الصهيوني، من جهة، وبين ممارسة عبثية غارقة في وحول الزواريب الضيقة والمصالح الشخصية وغيرها من جهة أخرى. فمنذ بزوغها في ستينيات القرن الماضي بعد خطاب ناري لمساحة الإمام الخمینی (1902-1989)، هاجم فیه نظام الشاه بسبب منحه حق الحصانة القضائیة للمستشارین الأمريكيين فی إيران، تمكنت هذه الثورة من تجسيد واقع متفرد عن الشرق والغرب، معلنة ولادة أمة أبية قادرة على مواجهة كل المؤامرات، لتبزغ بذلك دولة علمية راسية بفضل عقول علماء من الطراز الأول بشهادة القاصي والداني، خرقت تبعية السوق والسلاح، لتستحق عن جدارة موقعها وتقدمها.
 
تفردت الثورة الإسلامية بهويتها الإسلامية والإنسانية والعقائدية، فضلا عن إشراك كل أطياف المجتمع من الرجال و النساء في نجاحها، غير أن الفضل الأكبر يرجع لمفجّرها الإمام الخميني الذي أطلق شرارة الثورة من المدرسة الفيضية في مدينة قم المقدسة في العام 1963 بخطاب مجلجل ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان في ذلك الحين في أوج قوته وسطوته، بفضل الدعم الأميركي والبريطاني الكبير.
 
زاوجت الثورة الإيرانية في صلب سياستها بين التطور الاقتصادي و العلمي، فتمكنت من بناء دولة لها ثقلها وحضورها وعمقها وتأثيرها في محيطها الإقليمي وعموم الفضاء الدولي، كما أسست نظاما سياسيا متفردا يُشكل هويتها الأساسية، يجمع بين سياقات و آليات المفاهيم السياسية المعاصرة كالديمقراطية، و التعددية من جهة، وبين قيم الدين الإسلامي ومبادئه من جهة أخرى. لم تنسها شؤونها الداخلية و عزمها على بناء دولة متفردة الالتزام بمبادئها التي قامت عليها، فاستطاعت بذلك التوفيق بين الثوابت الوطنية والدينية ومصداقية الشعارات التي رفعتها، والمتمثلة في تأمين الرخاء و الدعم الكامل للأمة الإسلامية لتحقيق هدف الإسلام النبيل، المتمثل في الوحدة بين المسلمين. فقد كان الخطاب التاريخي للإمام الخميني، قدس الله سره، اللبنة الأساسية لتحقيق هذه الغاية النبيلة، حيث ألزمت الثورة نفسها برفع شعاري الوحدة الإسلامية و فلسطين قضية الإسلام الأولى. وعلی هذا النحو، كان أول إجراء قام به قياديو الثورة في یوم انتصارها (11 شباط/ فبرایر 1979) هو تحویل سفارة العدو الصهیوني في قلب طهران إلی سفارة دولة فلسطین.
 
وفي اليوم الموالي، أي 12 شباط، عقد الإمام الخميني العزم على تكريس مبادئ الدين الإسلامي الأصيل، آخذا على عاتقه ومستندا على فهمه للقرآن الكريم، ولسنّة النبي المصطفى صلى اللَّه عليه وآله وسلم، ولسيرة الأئمة الأطهار من أهل بيت النبي محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم، بناء دولة إسلامية ذات أسس راسية، ترتبط ارتباطا وثيقا بهوية الشريعة الإسلامية الأصيلة، و على رأسها: الوحدة الإسلامية، مصداقا لقوله تعالى: " إِنَّ هَٰهذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" سورة الأنبياء (92)، فهتف بالمسلمين بأن لهم جنسية إسلامية واحدة، قوامها الإيمان بالله ورسوله والتسليم لهما، ولهم وطن واحد، وثقافة ملموسة، وطقوس معلومة، مصدرها الكتاب والسنة المحمدية الأصيلة.

ولأن المبادئ التي قامت عليها الثورة الإسلامية مبادئ جوهرية في الدين، ترتبط ارتباطا وثيقا بالعقيدة الإسلامية، لم تكن عرضة للتقلب والتغيير، مما يجعل هذا اليوم، أي ذكرى انتصار الثورة الإسلامية المباركة، متجددا بالتحديات و تجديد العهد في مواجهة قوى الاستكبار العالمي و توحيد صفوف المسلمين على كلمة واحدة، وصدق من قال: "إن الثورات الحقيقية تتجدد في كل عام، لا تشيخ ولا تهرم، بل تكسب من الخبرات والقدرات ما يصلب عودها، ويثبت بنيانها"، ولأن نهج الوحدة الإسلامية هو بمثابة سياسة ثابتة مبدئية غير قابلة للتقلب والتبدل، فإننا نجد هذا المفهوم يتعمق سنة بعد أخرى.
 
 
جعل هذا الالتزام النبيل الجمهورية الإسلامية دائمة التأثير والحضور في المشهد العالمي، بأبعادها السياسية والفكرية والثقافية والإنسانية، وملهمة للكثيرين، حتى أتباع الديانات الأخرى وأصحاب الأفكار والنظريات والآراء البعيدة عن الفكر الإسلامي، لما تحمله من مبادئ إنسانية أرساها مفجرها و عقلها المدبر الإمام الخميني. وفي هذا الصدد، يصف القس المسيحي الماروني يوحنا عقيقي الإمام الخميني بأنه "كان عنصراً فاعلاً ومؤثراً للغاية، وشخصية بارزة صانعة للتاريخ. وقد استطاع أن يغيّر مخططات الجغرافيا السياسية المهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وهو - أي الإمام الخميني - لم يحيِ البعد الروحي فقط، بل والبعد الانساني أيضاً، وليس للشعب الإيراني وحده، إنما للإنسانية بأسرها أينما وجدت".

ويقول وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، وهو الذي يعدّ من أبرز الشخصيات المؤثرة في المنظومة السياسية والفكرية المعادية للثورة الإيرانية وزعيمها: "لقد جعل آية الله الخميني الغرب يواجه أزمة حقيقية في التخطيط. كانت قراراته مدوّيةً كالرعد، بحيث لا تدع مجالاً للساسة والمنظرين السياسيين لاتخاذ أيّ فكر أو تخطيط. لم يستطع أحد التكهّن بقراراته بشكل مسبق. كان يتحدَّث ويعمل وفقاً لمعايير أخرى تختلف عن المعايير المعروفة في العالم، كأنه يستوحي الإلهام من مكانٍ آخر. إنَّ معاداته للغرب نابعة من تعاليمه الإلهية. وقد كان خالص النية في معاداته أيضاً".
 
وصانت الجمهورية الإسلامية ثوابتها وشقت طريقها بخطوات ثابتة، متمسكة بحقوق المستضعفين و الدفاع المستميت عنهم بما يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، ويكرس المصالح المتبادلة، ويعالج الأزمات المتشابكة. ومما لا يختلف عليه اثنان هو نجاح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بناء علاقات متوازنة مع محيطها الإقليمي، رغم التشنجات وأجواء الحروب والصراعات الدموية، كما تمكنت من بناء علاقات متوازنة مع مختلف أطراف المجتمع الدولي، لاسيما المهمة منها، كالاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا والصين، واضطلعت بأدوار إيجابية في معالجة أزمات ومشكلات عويصة، وأفلحت في إحباط الكثير من المؤامرات والمخططات الهادفة إلى زعزعة استقرارها الداخلي وإقحامها في دوامة صراعات مع هذا الطرف أو ذاك، من أجل إضعاف قدراتها وإمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وبالتالي باتت تمثل لاعباً فاعلاً ومؤثراً، ليس على الصعيد الإقليمي فحسب، إنما على الصعيد الدولي أيضاً، وباتت تشكل رقماً صعباً في المعادلات السياسية، لا يمكن بأيِّ حال من الأحوال تجاوزه أو تجاهله.
 
وبالرجوع إلى بدايات الثورة الإسلامية المباركة، نجد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قامت على شعارين اثنين هما: "لا شرقية لا غربية، جمهورية إسلامية"،  و"لا سنية لا شيعية، جمهورية إسلامية". يشكل هذان الشعاران دليلا دامغا على هوية الجمهورية التي جاهرت بتمسكها بالمنهج الإسلامي الحنيف، بعيدة كل البعد عن الشرق بقيادة الاتحاد السوفيتي، ولا تميل إلى الغرب الذي تهيمن عليه الإرادة الأميركية، دولة المصالح المادية المحكومة بمصالح الشركات الصناعية والتجارية والمالية،  أما شعار لا سنية لا شيعية، فهو رفض التعاطي مع الأمور بمنظور مذهبي، فالجمهورية منفتحة على الإسلام العظيم بأبعاده الاجتهادية والفقهية التي تمثل ثروة فكرية وقانونية وتشريعية واسعة، فإيران تعتبر الإسلام إسلاماً واحداً موحداً.

وطمحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ بداياتها إلى إرساء مبادئ الإسلام العالمي و بناء حضارة إسلامية شاملة، تُمكّن المسلمين من تقرير مصيرهم دون تدخل من قوى الشر العالمية. ولعل أهم وثيقة تُثبت صدق هذا العزم هي دستور الجمهورية الإسلامية، ففي هذه الوثيقة التي تُعتبر، عالميا، القانون الأول للبلدان مقارنة مع كل الوثائق و القوانين و التنظيمات و التشريعات الوضعية التي تضبط عمل السلطات وتنظم الصلاحيات فيما بينها، نجد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تنادي بالوحدة الإسلامية، ومن أهم العبارات الوحدوية ما جاء في البندين الخامس عشر و السادس عشر من المادة الثالثة، وجاء فيهما:

 1 ـ تعزيز الأخوّة الإسلامية والتعاون الجماعي بين الناس كافة.
 2 ـ تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم.

فضلا عن المادة الثالثة عشر، التي تنقل حرفيا الآية الكريمة : "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" سورة الأنبياء (92)،  مع إضافة نصها الحرفي: "يُعتبر المسلمون أمة واحدة، وعلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية إقامة كل سياساتها على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم".
 
تُبين هذه المادة حرص الجمهورية الإسلامية على تكريس مفهوم الوحدة الإسلامية لإحداث قفزة فكرية و ثقافية و اقتصادية نوعية في العالم الإسلامي، ففي الوقت الذي تنتهج بعض الدول نهجا طائفيا ارتبط منذ العصور الأولي بالاستبداد السلطوی و السلطان الجائر، و الیوم يمثل الركیزة الأساسية للمشروع الصهیوأمیركي في المنطقة،
 
أما فيما يخص التفاصيل المذهبية، نجد المادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني، تضمن المساواة بين المذاهب الإسلامية جميعها دون استثناء، إذ تتمتع المذاهب الأخرى والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي باحترام تام، و بالحقوق الكاملة دون نقصان، كما أن أتباع هذه المذاهب أحرار في أداء طقوسهم المذهبية حسب فقههم الخاص ولهم حرية التعامل فيما بينهم، خاصة ما تعلق بالدعاوي و القضايا في المحاكم، وفقا للنصوص الفقهية الخاصة بكل مذهب. وتنتشر هذه المذاهب في مناطق سیستان و بلوتشستان و شمال جرجان و خراسان و هرمزكان و كردستان، و لعلمائهم حضوه و مكانة مرموقة في الدولة و لدی السلطة.

ومن جهته، و إيمانا منه بوحدة المسلمين و أن الإسلام في جوهره عابر للقوميات وفوق المذهبية والقبلية والانتماءات الجاهلية، أصدر السيد علي الخامنئي، دام ظله، فتوى بارزة تحرّم شتم رموز السنة، فهو القائل: "تنتهج الثورة الإسلامية طريق الدفاع عن القرآن والسنة، وإحياء الأمة الإسلامية، وتُعلن بصوت مرتفع إيمانها بنهضة الشعوب (لا بالإرهاب)، وبوحدة المسلمين (لا بالغلبة والتناحر المذهبي)، وبالأخوة الإسلامية (لا بالتعالي القومي والعنصري)، وبالجهاد الإسلامي (لا بالعنف تجاه الآخر، وهي ملتزمة بذلك إن شاء الله).  "من خطبة الإمام الخامنئي (صلاة الجمعة – طهران– 03/02/2012م)."

فلطالما دعا السيد الخامنئي إلى الوحدة والتكامل الإسلامي، مؤكدا رفض الخوض في أي صراع داخلي مع أي دولة إسلامية بصرف النظر عن طبيعتها بهدف تحقيق هذا المبدأ النبيل، مرددا حديث النبي الله محمد (ص): "المؤمنونَ كَيَدٍ واحدة".

وفي ذات السياق، دأبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على زرع بذور التقريب بين المسلمين من خلال عقد مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلاميَّة، في أسبوع ولادة النور حبيب الله، محمد بن عبد الله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، خير المرسلين وسيّد الوصيّين، وهي مبادرة سنوية، تُقام تحت إشراف المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وتجمع تحت سقف واحد رموز المذاهب والطوائف والأديان وكبار رجالات مجامع التقريب والحوار والوحدة والإتحاد، وفق منطق قرآني یقول: «تعالوا إلی كلمة سواء»، وحدیث نبوي شريف: «إنما المؤمنون إخوة»، وحكمة علویة شهیرة: " إما أخ لك في الدین أو نظیر لك في الخلق."

يستعرض المشاركون في هذا المؤتمر تاريخِ الوحدة بين المسلمين، مجددين الولاء لميثاقَ الوفاء والقرب والإتحاد، مصداقا لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا…. ) "آل عمران - الآية 103" ، وقوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) "الأنبياء / 92"، و في آية أخرى: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) " المؤمنون / "52"، فقد خاطب اللّه المسلمين بأنهم أمة واحدة في ظل ربوبيته التي تُلزمهم بعبادته وتقواه، فالإتحاد هو الشرطِ اللازم لإحقاقِ الحضارة الإسلامية، خاصة بعد تعمق الفجوات بسبب الفتاوى المغرضة و موجات التكفير.

ولتحقيق هذا المسعى النبيل، تبذل الجمهورية الإسلامية جهودا حثيثة للدفاع عن المسلمين و قضاياهم، أبرزها القضية الفلسطينية، فقد احتلت هذه الأخيرة مقدمة اهتمامات الإمام الخميني، منذ لحظة إطلاقه حملته الثورية في الستينات، فكانت مضلومية الشعب الفلسطيني الفكرة المحورية لكل خطاباته، ومن بعده خطابات المرشد الأعلى، آية الله سيد علي خامنئي، دام ظله، الذي اتبع نهجه الشريف، معتبرا القضية الفلسطينية معيار قياس التزام المرء بالحرية وبحقوق الإنسان. فقد أبدى السيد الخميني معارضة شرسة للشاه إثر تحويله الاقتصادَ الإيراني إلى سوق لاستيراد كميات كبيرة من السلع والبضائع القادمة من الكيان الصهيوني.

كرّست الدولة الإيرانية هذا المفهوم، فما إن استلم قياديو الثورة زمام الأمور، حتى تجسدت أولى خططهم، و المتمثلة في غلق السفارة الصهيونية و استبدالها بسفارة دولة فلسطين. وفي ذات السنة، أعلن السيد الخميني آخر جمعة من شهر رمضان "يوم القدس" كتضامن دولي مع الشعب الفلسطيني الأعزل، كما رفض السيد الخميني جميع أشكال مفاوضات السلام مع الكيان الصهيوني، معتبرا إياها غير مشروعة دينياً: "إن إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني أو مع وكلائها، سواء كانت تجارية أو سياسية، أمر ممنوع ومخالف للإسلام".

وتاريخيا، ارتبط اسم الإمام الخميني بالقضية الفلسطينية حتى قبيل اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية من خلال إصداره أول فتوى عام 1968، التي حثّ فيها على أهمية تقديم الدعم المالي والإسناد للثورة الفلسطينية، وضمان استمرار جذوة المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، انطلاقاً من قاعدة أساسية هي أن فلسطين قضية محور الصراع، وهي في قلب إيران الثورة، وستبقى ثابتة راسخة بعيداً عن أيّ حسابات سياسية أو طائفية مذهبية أو عقائدية أو أيديولوجية، وأن تحريرها واجب لا يجوز التخلي عنه.

ومنه، دأب الإمام الخميني، طاب ثراه، على تخليد قضية القدس الشريف بهدف غرس نوع من الوعي الإسلامي في وجدان كل مسلم وكيانه المعنوي والروحي والرسالي، و استنهاض الهمم للقيام بالدفاع الشرعي ضد العصابات الصهيونية المتحالفة مع قوى الكفر والاستكبار العالمي لإذلال الأمة وإركاعها. كما لم يقتصر نهجه على الشعارات كما يروج له بعض المغرضين، فبصمة إيران، تحت مرجعيتها و قيادتها الحكيمة، كانت ولا زالت واضحة.

قدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الغالي و النفيس للشعب الفلسطيني من مساعدات مالية و لوجيستية و معلوماتية و تقنية و لا تزال، مما جعلها حاضرة وبقوة في المشهد الفلسطيني بكل تفاصيله،  فمواقفها لم تنحصر في البهرجة الإعلامية كغيرها من الدول في المنطقة، بل كانت ترجمة حقيقية وعملية. و حتى بعد وفاة الإمام الخميني، سار على هذا النهج خلفه الصالح الإمام الخامنئي، الذي يقود مسيرة الأمة الإسلامية، متمسكا بموقف سلفه المتمثل في الرفض المطلق لوجود الكيان الغاصب وضرورة مقارعة هذا الظلم، والعمل على تعبئة الشعوب الإسلامية تربوياً وثقافياً وسياسياً وجهادياً في مواجهة الصهيونية، وإفهامهم أن الصراع لا يدور حول فلسطين فقط، بل حول أصل الإسلام ومستقبل الشعوب الإسلامية في المنطقة.

يجاهر الإمام الخامنئي أيضا بضرورة تعبئة الشعوب و إشراك النخب و العلماء في تعبئة الشعوب، كما يدعم المجاهدين والمقاومين، و كل الحركات التحررية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وعلى جميع المستويات، خاصة في الوقت الراهن، حيث استفحل التهويد والاستيطان و الظلم  بشكل غير مسبوق.
 
يصر اليوم الإمام الخامنئي على احتضان القضية الفلسطينية والمقاومة، عبر سياسة خارجية راسخة، فلا تزال فلسطين حاضرة وتحتل نصيباً ومساحة كبيرين في العقل والوجدان الإيراني، و آخر تجلي لذلك هي جهود الفريق الشهيد قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإيراني الذي اغتيل رفقة مرافقه أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد في  3 كانون الثاني/يناير 2020،  مما جعله رحمه الله "شهيد القدس" كما وصفه إسماعيل هنية، وحقا لهو وصف يناسب الموصوف. و الشهيد الحي ما هو إلا تجسيد لمنهج الثورة الإسلامية التي سعت إلى تأسيس ظاهرة المقاومة العالمية ونصرة المظلوم بغض النظر عن المعتقد و المشرب، حيث ضربت الجمهورية أبلغ الأمثلة في الوحدة والإخاء و التآزر، مزيلة بذلك خطوط التقسيم والتشرذم التي حولت عالمنا الإسلامي إلى أشلاء يسهل افتراسها، فلم تفرق بين الشيعة والسنة و نحو ذلك من الطوائف الإسلامية و لم تنظر لقضاياهم بمنظور مذهبي قط، معتبرة كرامة الإنسان وإقامة العدل مبدأ وُجب التشبث به.  ومن هذه الرؤية، انطلق الشهيد سليمانى في تعاطيه مع الأحداث، فحيث ما كانت مظلومية وجب الوقوف مع المظلوم ونصرة المستضعفين، وهل هناك مظلومية أبشع من مظلومية الشعب الفلسطيني. فقد أولى الشهيد سليماني أهمية بالغة للقضية الفلسطينية، معتبرا إياها قضية الإسلام الأولى، فنادى المسلمين بوجوب توحيد الصفوف والموقف في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب لهذه الأراضي المقدسة. وعُرف عنه تزويد المقاومة الإسلامية بمختلف توجهاتها في فلسطين بالخبرات العسكرية والسلاح والتدريب وتطوير التصنيع العسكري. ولم يكتفي الشهيد سليماني بالإشراف عن بعد، حيث يكشف محمد حميد، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، إشراف سليماني بشكل مباشر على عمليات نقل الأسلحة وتهريبها إلى قطاع غزة المحاصر حصاراً مطبقاً، من خلال عمليةٍ معقدةٍ ومتعدّدة الأقطار، مضحيا بالغالي و النفيس من أجل نصرة إخوته المستضعفين، مما مكن المقاومة الإسلامية من أن تزخر  بترسانة من الأسلحة المحلية والدولية. فقد عمل الشهيد على نقل تجربة الصواريخ الذكية، التي تكاد لا تخطئ أهدافها، إلى المجاهدين في فلسطين، وأدخل بنفسه تقنية الطائرات المسيّرة في خدمة العمل الجهادي للمقاومة في فلسطين.

مكنت هذه الصواريخ المقاومين في فلسطين من التصدي و الرد على أي عدوانٍ صهيوني ، وإلحاق ضرباتٍ قاسية بصفوفه . فلأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، تم إطلاق صواريخ الكاتيوشا وصواريخ فجر الإيرانية، وغيرها من الأسلحة النوعيّة مثل الكورنيت ومضادات الطيران.
 
كما لا تزال الجمهورية الإسلامية  بما يمليه عليها الواجب تقدم الدعم المالي والمساعدات الإغاثية والطبية والتعليمية والعلمية  ودفع الرواتب، حيث كشف القيادي في حركة حماس محمود الزهار في مقابلة مع قناة العالم، أنه إجتمع مع الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، مبلغا إياه بأن فلسطين محاصرة وأنهم عاجزون عن  دفع رواتب الموظفين والمساعدات التي يجب تقديمها للشعب، وقال الزهار أن الرئيس الإيراني أحاله مباشرة إلى الشهيد سليماني الذي سلمه مبلغ 22 مليون دولار. وفي سنة 2015، كشف رئيس "مؤسسة الشهيد- فرع فلسطين" نافذ الأعرج، تسلم الهيئة مبلغ مليوني دولار من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتوزيعها على الآلاف من أسر الشهداء الفلسطينيين في قطاع غزة.
 
لا يتسع المجال هنا لذكر مزيد من الأمثلة عن المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني. لم تغفل الجمهورية الإسلامية الشقين السياسي والدستوري، إذ تعد القضية الفلسطينية من أهمّ مرتكزات السياسة الخارجية الإيرانية، ويتأكد ذلك من اللقاءات والاجتماعات التي تعقد، حيث تكون القضية الفلسطينية في قلب النقاشات الثنائية أو المتعددة الأطراف باعتبارها قضية إيرانية بامتياز، منبثقة من موقف مبدئي رسخه  قائد الثورة الإمام الخميني، ناهيك عن ضرورة إيصال مضلومية الشعب الفلسطيني في الحافل الدولية.
 
كما تُوظف الجمهورية الإسلامية موقعها في المنطقة للدفاع عن فلسطين في كل المحافل الدولية، ولفضح وجه "الكيان الصهيوني" وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، ولمطالبة المجتمع الدولي بمحاكمة قادتها وتقديمهم إلى المحاكم الدولية كمجرمي حرب.

أما دستوريا، فقد تم إقرار قانون لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني عام 1990، يلزم المؤسسات والوزارات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بوجوب تقديم كل أشكال الدعم لثورة الشعب الفلسطيني.

ومن جانب آخر، سخرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترسانتها الإعلامية خدمة للقضية الفلسطينية باعتبار الإعلام الحلقة الأساس في تشكيل الرأي العام و التوعية وإدارة الأزمات السياسية، إذ أضحى مشاركا رئيسيا في صنع الأحداث السياسية، وسلاحا يفوق كل أصناف الأسلحة التقليدية المعروفة في ميادين القتال، حيث باتت الحملات الإعلامية تسبق الحملات السياسية و العسكرية و تمهد لها. و ردا عن الحملات الإعلامية الغربية التضليلية التي تصور الصهيوني بالضحية، في حين ترمي الفلسطيني المهجر من أرضه و المجرد من تاريخه بأبشع التهم، تبنّت وسائل الإعلام الإيرانية المرئية و المسموعة والمقروءة بكلّ اللغات من الفارسية والعربية ، مرورا بالإنجليزية و الفرنسية ووصولا إلى العبرية، إستراتيجية إعلامية واضحة، ترمي إلى الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة وكشف الوجه الصهيوني الزائف، ومن يشاهد قناة «العالم» الناطقة بالعربية أو قناة" Press T.V" الناطقة بالإنكليزية وغيرهما، يُخيل له أنهم قنوات فلسطينية لما تبثه من برامج داعمة للقضية، ساهمت في إيجاد مساحة صوت للفلسطينيين ومقاومتهم في الفضاء الإعلامي. كما موّلت الجمهورية عددا من مراكز الأبحاث والدراسات، والمؤسسات الإعلامية الفلسطينية.
 
رحل الإمام الخميني بعد أن غرس البذرة وأثمرت الفكرة، حيث ثبتت الجمهورية الإسلامية في التمسك بسيادة قرارها وأهدافها، وأثبتت في كل المفاصل والمحطات التاريخية أنها دولة لا تتقهقر أو تتراجع رغم الصراعات أو الحصار أو العدوان والمؤامرات، فلا تزال بالرغم من الهرولة إلى الارتماء في الحضن الصهيوني، و الطعنات الموجهة في صدر الأمة الإسلامية، تعمل بكد لنصرة كل المسلمين وتعزيز شوكتهم ضد الأعداء، و خير مثال على ذلك هو الهبة المباركة لمواجهة التنظيم الإرهابي داعش، إذ يقول مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان السابق: "لما صارت  داعش على الأبواب ووصلت إلى مشارف أربيل ودبّ الهلع في قلوبنا خوفا من أن تُحتل المدينة، اتصلت بـ23 دولة أستجير بها ولم تستجب لي أية واحدة منها، وعندما اتصلت بسليماني وصلني المدد خلال ساعات وتم درء الخطر عن أربيل"، فضلا عن المئات من الشهداء الإيرانيين الذين ضحوا بأنفسهم نصرة لإخوتهم في العراق و سورية و لبنان ضد التنظيمات الإرهابية و قوى محور الشر.

كما كانت مبادرة الشهيد في إنشاء الحشد السني والحشد المسيحي بهدف إشراك جميع الجماعات العرقية في الحرب ضد داعش والحد من الخلافات والضغائن القديمة بین دول المنطقة من بركات الثورة الإسلامية، فما قام به الحاج سليماني كان أكبر من المواجهة المباشرة مع العدو، فالانتصارات دائماً ما تكون مهدّدة بأن تسقط تحت مطرقة الصراعات والانقسامات. لذلك، يُعتبر نهج الجمهورية في صناعة الوحدة وتعطيل مفاعيل الفتنة والحرب الأهلية تثبيت لواقع فعلي جديد، يُرسّخ مفهوم محور المقاومة العالمية، الذي بفضله ستسقط حدود سايكس بيكو.

ومكنت هذه الانتصارات، وقبلها جهود الجمهورية الإسلامية في طرد قوات حلف الأطلسي من لبنان، ومن ثم تحرير الجزء الكبر من جنوب لبنان عام 2000 ودعم الانتفاضات في فلسطين حتى الوصول إلى تشكيل قوى عسكرية تشكّل ردعاً إستراتيجياً في مواجهة العدو، يمتدّ من غزة في جنوب فلسطين إلى لبنان في شمالها، ونصر حرب تموز، من تشكيل توازن ردع مع العدو، حتى أضحى قوس حصار دولة الكيان الصهيوني شبه مكتمل رغم كل الاتفاقيات التي وقّعها مع بعض الدول العربية.
 
وفي هذا الصدد، نشير إلى ما قاله رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل، عن تعزيز الجمهورية الإسلامية لمحور المقاومة: “الإمام الخميني رجل أحيا به الله الأمة”، واصفا إيّاه بأنّه “رجل أشرق كالشمس في رابعة النهار ليبدد به ظلمات الظالمين  والمستكبرين وينير به دروب المستضعفين والحائرين”، مضيفا بأنه قام بدعم الحركة الفلسطينية ورفع “شعارا خالدا”، هو: “اليوم إيران وغدا فلسطين”، كما وصف مشعل المرشد الإيراني الحالي علي خامنئي بأنّه امتداد لنهج الخميني.
 
لا تقتصر جهود الجمهورية الإسلامية الإيرانية على درء الخطر عن المسلمين بمختلف توجهاتهم فحسب، بل تشمل غير المسلمين أيضا، إذ تُسخر جنودها لنصرة كل من تُوجه ضده سهام الظلم و الاستكبار، بغض النظر عن معتقداته الدينية، مجسدة سماحة الدين الإسلامي في نصرة المظلوم أيا كان دينه. ونستذكر كلنا الدفاع المستميت للشهيد سليماني عن الإيزديين و تحريرهم من أغلال التنظيم الإرهابي داعش.
 
خولت هذه التجارب الجمهورية الإسلامية الإيرانية من تأسيس مدرسة وحدوية متنقلة، مزروعة في روح كل مسلم حر، مؤمن برسالته على هذه الأرض، التي لا ترمي إلى انتشال  الأمة الإسلامية وما بقي لها من إرث حضاري لم تطله أيادي الوحوش، أحفاد برابرة العصور، المناهضين للسلم، الذين دأبوا على تقويض أمتنا بمطارق الوحشية والهمجية فحسب، و إنما نهوض حضاري جديد، يُجسّد مبادئ الإسلام الحقيقية، و على رأسها الوحدة التي نُسفت، و التي لولاها لن تقوم لنا قائمة، فالحضارة لا تُؤسس دون وحدة وانصهار. و قد نجحت في مهمتها أيما نجاح. فقد ربطت الجمهورية الشعوب الحرة الأبية في محور واحد ، بعد أن كان الارتباط لا يتعدى الحدود العاطفية والتأييد الشكلي فيما بينها ، فوُلدت الحركات المقاومة المتآزرة.
 
وبجانب فكرة ترسيخ الروح المقاومة، حملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على عاتقها أيضا المسألة المعنوية و الأخلاقية و العلمية، إذ تحرص على نشر الفضائل و تربية الأجيال الصاعدة تربية أخلاقية و دينية و مجتمعية سليمة، زارعة فيهم أسلوب حياة متكامل، يُشكل تمهيدا للنهوض الحضاري الجديد.

كما ترمي الجمهورية الإسلامية إلى  إقامة حضارة إسلامية  قائمة على مبدأ "إقرأ"، مستندة على  القدرات الذاتية و السلاح الذي لا ينضب، و المتمثل في العلم و المعرفة و الأخذ بأسباب القوة الفكرية، فالتفوق الغربي لم يكن ليحصل لولا حماس الغرب للعلم، بينما الدول الإسلامية تغط في السبات العميق. ولقد أحرزت إيران تقدماً كبيراً في العلوم والتكنولوجيا من خلال التعليم والتدريب، على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، و بفضل الثورة، كانت نسبة  الإنتاج العلمي لإيران الأسرع في العالم، محدثة انفجارا علميا و تكنولوجيا و عسكريا بامتياز، غيّر ملامح المنطقة برمتها، فضلا عن دعمها للمرأة المسلمة و تمكينها و إشراكها في كل قطاعات الحياة،  إضافةً إلى الحجم الهائل للإنتاج في مجال النشر والطباعة والنجاحات الفنية والسينمائية التي شكلت علامةً فارقة .
 
يحمل شهر شباط/فبراير في طياته عبق النصر المبين، ففي مثل هذه الأيام المباركة انتصرت ثورة إسلامية خالدة، كان لها وقع هائل على انطلاق مرحلة جديدة في العالم، حيث انخرطت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في التسليح والتدريب وتقديم المشورة إلى المقاومة الإسلامية بالرغم من الثمن الباهظ لهذا الموقف المبدئي، ولولا جهودها وتضحياتها الجسام لما تحققت النتائج الباهرة من تحرير للأرض وتوازن للرعب، وإلى انقلاب معادلة الداخل الفلسطيني مع العدو. فقد حلم بن غوريون بمحاصرة الأمة الإسلامية، فإذا بكيانه يُقوض من محور مقاوم شديد البأس، ينتقل من نصر إلى نصر ويعزّز من قدراته العلمية و الثقافية و العسكرية بفضل هذه الثورة الأبية التي صانت مبادئها و تطلعاتها خلال الأربعين سنة الماضية و لا تزال، فالتحديات الجسام و المؤامرات الداخلية و الخارجية لم تزدها إلا ثباتاً في مواصلة نهجها المحمدي الأصيل الذي أثمر في الداخل تطوراً نوویاً و تقنیاً و طبیاً و إعماراً و تنمیة، و في الخارج أثبت صدق شعاراتها بأنها ثورة عالمية وُلدت من رحم الاستبداد و الظلم، رافعة شعار إحقاق الحق ولو كره الكارهون و رغم أنف أمريكا، و عملائها الخارجيين و في الداخل تحت قيادة كبيرهم الذي هرب دامع العینیین!! فهنيئا لنا بهذه الثورة المباركة.... صنيعة المجد.
 
و أختم بما قاله سماحة الإمام علي الخامنئي في مذكراته الصادرة باللغة العربية تحت عنوان "إنّ مع الصبر نصراً": "لقد جمع هذا الرجل الكبير - في إشارة إلى الإمام الخميني - كلّ ما يحقق النصر لمشروع الثورة.. أصالة ومعاصرة، ودعوة إلى العزة والعدالة، ونصرة المستضعفين، ومقارعة المستكبرين، والاعتماد على الجماهير والثقة بها، ورفض كلّ عمليات الإذلال والاستضعاف والهيمنة الأجنبية، وكلّ ما يؤدي إلى الهزيمة النفسية وتزلزل الثقة بالنفس... من هنا، كان لانتصار هذه الثورة، ولا يزال، صدى عميق في نفوس الشعوب التواقة إلى حياة أفضل، فقد أيقظت جماهير أُريد لها أن تغطّ في سبات عميق، وأحيت نفوساً كاد يغلب عليها اليأس من عودة الإسلام إلى الحياة".

بقلم الصحفية والخبيرة السياسية الجزائرية "هناء سعادة"

captcha