وشهرُ رجب من الأشهر المتناهية الشرف والبركة، وقد تواترت الأخبارُ الواردة عن الرسول واهل بيته صلوات الله عليه وعليهم اجمعين في جلالة قدره ولزوم احترامه، فإنّه شهرٌ عظيم البركة والأحاديث في فضله كثيرة، ورُوي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): رجب شهر الاستغفار لاُمَّتي، فأكثروا فيه الاستغفار فإنّه غفور رحيم. ويسمّى رجب الأصبّ لأنّ الرحمة على أُمّتي تصبُّ فيه صَبّاً، فاستكثروا من قول: "أَسْتَغْفِرُ الله وَأَسْأَلُهُ التَّوْبَة").
ورد ذكرُ الكثير من الأعمال التي يُستحبّ الإتيان بها فيه ودأب عليها المؤمنون، ومنها أنّ أوّل ليلةٍ من ليالي الجمعة من رجب تسمّى ليلة الرّغائب وهي أوّلُ ليلة جمعةٍ من شهر رجب في كلّ سنة، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلّى الله عليه وآله): (... لَا تَغْفُلُوا عَنْ لَيْلَةِ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْهُ -أي من شهر رجب- فَإِنَّهَا لَيْلَةٌ تُسَمِّيهَا الْمَلَائِكَةُ لَيْلَةَ الرَّغَائِبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ لَا يَبْقَى مَلَكٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا وَيَجْتَمِعُونَ فِي الْكَعْبَةِ وَحَوَالَيْهَا، وَيَطَّلِعُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ لَهُمْ: يَا مَلَائِكَتِي سَلُونِي مَا شِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا حَاجَتُنَا إِلَيْكَ أَنْ تَغْفِرَ لِصُوَّامِ رَجَبٍ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ).
وليلةُ الرغائب معناها ليلة العطاء الكثير، حيث أنّ لهذه الليلة المباركة منزلةً كبيرة عند الله وفيها يتضاعف الأجر والثواب لمن صام نهارها وقام ليلها وأحياها بالصلاة والدعاء والعبادة والعمل الصالح، وفي هذه الليلة يُبلَّغُ الصائمون والمستغفرون حاجاتهم وتتحقّق رغباتهم ولهذا فإنّ الملائكة تُسمّيها "ليلة الرّغائب".
ليلة الرغائب فيها أعمال، أهمّها:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلّى الله عليه وآله): (مَا مِنْ أَحَدٍ يَصُومُ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوَّلَ خَمِيسٍ مِنْ رَجَبٍ ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى عَلَيَّ سَبْعِينَ مَرَّةً، يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ سَبْعِينَ مَرَّةً: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيُّ الْأَعْظَمُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيَقُولُ فِيهَا مَا قَالَ فِي الْأُولَى، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَتَهُ فِي سُجُودِهِ فَإِنَّهَا تُقْضَى).
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلّى الله عليه وآله): (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُصَلِّي عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ هَذِهِ الصَّلَاةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ جَمِيعُ ذُنُوبِهِ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ، وَيُشَفَّعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي سَبْعِ مِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِمَّنِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ...).
وتسمى أوّل ليلة من ليالي الجمعة من رجب تسمّى (ليلة الرّغائب)، وفيها عمل مأثور عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ذو فضل كثير، ورواه السّيد في الإقبال والعلامة المجلسي -رحمه الله- في إجازة بني زهرة، ومن فضله أن يغفر لمن صلّاها ذنوب كثيرة، وأنّه إذا كان أوّل ليلة نزوله إلى قبره بعَث الله إليه ثواب هذه الصّلاة في أحسن صورة بوجه طلق ولسان ذلق، فيقول: يا حبيبي أبشر فقد نجوت من كلّ شدّة، فيقول : مَنْ أنت ؟ فما رأيت أحسن وجهاً منك، ولا سمعت كلاماً أحلى من كلامك، ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك؟
فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة التي صلّيتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهر كذا في سنة كذا جئت اللّيلة لأقضي حقّك، وآنس وحدتك، وأرفع عنك وحشتك، فإذا نفخ في الصّور ظلّلت في عرصة القيامة على رأسِك، فافرح فإنّك لن تعدم الخير أبداً.