ایکنا

IQNA

جواهر علوية...

على المَرء أن يتوازن في حُبِّه وبغضه

19:00 - February 23, 2024
رمز الخبر: 3494705
إکنا: على المَرء أن يتوازن في حُبِّه كما عليه أن يتوازن في بغضه، خصوصاً إذا كان بغضه ناشئاً من أسباب نفسية أو خلافات أُسَرية أو اجتماعية، أما إذا كان ناشئاً من كون الشخص المبغوض ظالماً، أو فاجراً، أو مرتكبا للفواحش والمُنكَرات فعليه أن يبغضه ويبغض أفعاله كي لا يستهين بها ويألفها.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "عَينُ الْمُحِبِّ عَمْياءُ عَنْ عَيْبِ الْمَحْبُوب، وَأُذُنُهُ صَمَّاءُ عَنْ قُبْحِ مَساوِيهِ".
 
يُقَرِّر الإمام (ع) حقيقة إنسانية، ويدعونا تالياً إلى التعامل معها بوعي واتّزان وإنصاف مع من نُحِبُّ ومن نكره، فالإنسان مفطور على الحب، والحُبُّ حاجة من حاجاته الأساسية، يحتاج أن يُحِبُّ، ويحتاج أن يُحَبَّ، ولو استطلعنا آراء البشر فرداً فرداً لما عثرنا على شخصٍ لا يهتمُّ لهذا الأمر، ولن نعثر على شخصٍ يُحِبُّ أن يكون مكروهاً.

والحُبُّ انجذاب فطري تلقائي نحو المَحبوب، وينشأ من رؤية المُحِبِّ كمالاً في مَحبوبه فيحبِّه لذلك، وهو كأيِّ حاجة في الإنسان يحتاج إلى تغذية، ويحتاج إلى ضبط كذلك لأنه إذا لم يحصل عليه لا يطمئن ولا تستقر حالته النفسية، وإذا بالغ في حُبِّه فقد يؤدي به إلى عواقب سيِّئة، خصوصاً إذا تجاوز به من حُبٍّ فطري نبيل وعفيف، إلى حُبٍّ غرائزي جارف، ففضلاً عن إمكان أن يوقعه في الحرام، فإنه يقوده إلى الاستسلام لمن يحبه والانقياد لإرادته على عَمىً من بصيرته، فيتأثَّر بمحبوبه إلى حدٍّ التقليد الأعمى، والحرص على إرضائه ولو كان رضاه في فعل الخطأ والحرام، ويطيعه في كل شيء ولو كان يأمره بارتكاب الفواحش والجرائم، وما أكثر ما سَمِعنا ونسمع عن عَشيقين انتهى بهما الحال إلى قتل زوج أو زوجة والسبب حُبُّهما الشديد لبعضهما، فلا العشيق يتدبَّر في عاقبة ما يُوَسوس به عشيقه ولا الآخر ينهاه عن ذلك. 

فعلى المَرء أن يتوازن في حُبِّه كما عليه أن يتوازن في بغضه، خصوصاً إذا كان بغضه ناشئاً من أسباب نفسية أو خلافات أُسَرية أو اجتماعية، أما إذا كان ناشئاً من كون الشخص المبغوض ظالماً، أو فاجراً، أو مرتكبا للفواحش والمُنكَرات فعليه أن يبغضه ويبغض أفعاله كي لا يستهين بها ويألفها.

ولا شك في أن التوازن في الحُبِّ إنما يكون مع الناس العاديين الذين هم عُرضة لصدور الخطأ والانحراف والظلم منهم، فليس للمُحِبِّ أن يغفل عن هذه الحقيقة، ويغفل تالياً عن أخطاء وعيوب محبوبه، أو يغضَّ طرفه عنها، أو يَصِل به الأمر إلى القول بعصمته عن كل خطأ، وحتى المعصومين (ع) الذين ثبتت عصمتهم بالبراهين القرآنية والعقلية، والذين بلغوا الدرجات العُليا في الكمال الإنساني، وعصموا أنفسهم بلطفٍ من الله تعالى عن الذنب والخطأ، والذين تَجبُ مودتهم بنصِّ القرآن الكريم، ومودتهم هي الطريق الأمثل للتكامل المعنوي والأخلاقي، حتى هؤلاء لا يجوز لأحد أن يذهب في حبَّه لهم مَذهَبَ الغُلُوِّ فيضعهم في مراتب ليست لهم، كأن يراهم أرباباً مع الله تعالى أو دونه، وينسب إليهم ما لا يَرضوه هم لأنفسهم. أما سوى ذلك فله بل ينبغي أن يَصِل في محبته لهم إلى أقصى ما يمكن، لأن أقصى ما يمكن من الكمال البشري فهو فيهم، فلهم الحب الخالص الصافي من أي شائبة.
 
أما الناس أمثالي وأمثالك قارئي الكريم فيجب أن نحبَّهم بحَذَر ووعي وبصيرة، وأن نَضَلَّ مع الأيام ملتفتين إلى ما يصدر منهم من مواقف، وما يتصفون به من صفات، لأن الحُبَّ يُعمي القلب فيخال محبوبه كاملاُ لا نقصَ فيه، ويخال مواقفه أكمل المواقف، وسلوكه أكمل السلوك، صاحب الهوى ينساق لعاطفته المستعرة، فيغضُّ الطَّرف عن عيوب محبوبه، بل لا يحب أن يعرف عنه أمراً سلبياً، وإذا قيلَ فيه قول سلبي، أو كُشِفَ له عن صفة سلبية فإنه يُعرض عن القائل لا يريد أن يسمع ولو كان ما يُقالُ له حق، إن الحُبَّ يكاد أن يسلب المُحِبَّ عقله وتفكيره وحتى اختياره، الحُبُّ إذا ما تمكن من القلب فهو أشبه ما يكون بعاصفة هوجاء تأخذ المُحِبَّ حيث تشاء، وهو عاجز عن الصمود حيالها، وما أكثر ما يُنصَحُ بالترَوِّي والتريُّث قبل أن يوافق على الارتباط بمحبوبه لكنه يُعرِض عن كل ما يقال له وينساق وراء عاطفته الجارفة، بل يعادي من ينصحه.

عندما نكون راضين عن شخص ما فغالباً ما نرى إيجابياته ونتغافل عن سلبياته، وإذا اطَّلعنا على أمر سلبي منه فغالباً ما نبحث له عن أعذار، لأننا لا نحِبُّ أن نرى إلا ما نُريد، وهذا يوقعنا في الكثير من المَتاعب بعد أن تهدأ سَورةُ الحُبِّ، وتنفتح عينا بصيرتنا، ونكتشف أن الذي كنا نراه كاملاً قد ظهرت منه نواقص وسلبيات كثيرة. وهذا يفسِّر الكثير من الترَدُّد في إكمال العلاقة الزوجية بعد الزواج لأن الزوجين يطلعان على ما كان خافياً أو ما كانا لا يريدان معرفته عن الطرف الآخر.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha