ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة....

مَن عَمِلَ اشتاقَ

23:26 - December 15, 2025
رمز الخبر: 3502834
بيروت ـ إکنا: إنّ الاشتياق الذي يتحدث عنه الإمام علي (ع) هو الدافع الذي يقود إلى مزيد من العمل، والعمل يخلق الشوق، فإذا كان العمل مرتبطاً بنتائج إيجابية مثل الطمأنينة يخلقها ذكر الله في النفس، فإن الدماغ يربط العمل نفسه بتلك المشاعر الإيجابية، ومع التكرار، يصبح العمل هو المحفِّز للمشاعر الإيجابية، فيصبح الإنسان مشتاقًا له.

وروِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَن عَمِلَ اشتاقَ".
 
يكشف الإمام أمير المؤمنين (ع) في جوهرته الكريمة هذه عن العلاقة بين العمل والشوق إلى المزيد منه، فالإنسان كما يقول علماء النفس: إذا استمر في أداء عمل ما، مثل الصلاة، أو القراءة، أو فعل الخير، فإن اعتياده على ذلك يخلق في نفسه الشوق إلى مزيد من العمل. ويضيفون: عندما يلتزم الإنسان بعمل ما، ويستثمر وقته وجهده فيه، يميل إلى تقييمه بشكل إيجابي أكثر، وهذا يخلق رابطًا عاطفيًا بينه وبينه الفعل.

ويفيد علم الأعصاب: أن تكرار العمل يقوّي الوصلات العصبية في الدماغ، فعندما يعتاد الشخص على عمل يصبح مسارًا عصبيًا مألوفًا وسهلًا، بل وممتعًا، لأن الدماغ يطلق النواقل العصبية المرتبطة بالمكافأة (مثل الدوبامين) عند القيام بالعادة، فيتحوَّل العمل من مهمة شاقَّة إلى مصدر للراحة والمتعة.
 
فالاشتياق الذي يتحدث عنه الإمام (ع) هو الدافع الذي يقود إلى مزيد من العمل، والعمل يخلق الشوق، فإذا كان العمل مرتبطاً بنتائج إيجابية مثل الطمأنينة يخلقها ذكر الله في النفس، فإن الدماغ يربط العمل نفسه بتلك المشاعر الإيجابية، ومع التكرار، يصبح العمل هو المحفِّز للمشاعر الإيجابية، فيصبح الإنسان مشتاقًا له.
 
مِمّا سبق يتبيَّن لنا أن قول الإمام (ع): "مَن عَمِلَ اشتاقَ" يشير إلى القانون النفسي المتقدم، ويقدم لنا منهجًا عمليًا للتغيير النفسي والسلوكي، حيث يتعاون العمل مع المشاعر، المشاعر تتحول إلى عمل، والعمل يعمِّق المشاعر، ويؤكد على قوة الإرادة والفعل كبداية لأي تحوّل. 
 
إنّ العمل الجاد والصادق يُوقظ في النفس الشوق، يُحفِّزها إلى المزيد منه، لأنّ من ذاق لذّة الإنجاز اشتاق إلى تكراره، ومن ذاق حلاوة القرب إلى الله بالعمل، رغب بالمزيد منه، فالإنسان كائن يطلب الكمال، وهو يمضي في هذا الطريق من بداية حياته إلى نهايتها، لا يطيق السكون والجمود. فإذا عَمِلَ في سبيل الخير، شبَّ في نفسه شوقٌ يدفعه إلى مزيدٍ منه، أمّا إذا ترك العمل وآثر الخمول، ثقلت عليه النفس، وانطفأت جذوة الإرادة فيه، ولعل قارئي الكريم يلاحظ في تجربته الشخصية أنه عندما ينخرط في عمل يحبه ينسى تعبه ومشقته، بل يجد لذة في ذلك، ويشعر براحة نفسية بعد إتمامه، فالذي يطلب العلم يتعب ولكنه يلتَذُّ بالتعب، والذي يطلب القرب من الله تعالى يقوم ليله ونهاره يتهجَّد ويتعبّد ويرى في تعبه البدني راحة نفسية لا ينالها إلا من هذا الطريق.
 
فراحة المؤمن في عمله، كلما عمل أكثر استجلب الراحة لنفسه، لأنه يعتقد أن الإنسان خلق في الدنيا ليعمل، بل ليعمل أفضل ما يمكنه أن يعمل كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴿المُلك: 2﴾.
 
فما من شَكٍ في أن من عمل لله اشتاق إلى مزيد منه، لما يرى من قرب معنوي من الله تعالى، ولهذا جاء في الروايات الشريفة التأكيد على إدامة العمل، وأن خير الأعمال ما دام واستمر وتواصل.
 
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha