ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الموت متوقَّع في كل لحظة

10:00 - May 08, 2024
رمز الخبر: 3495569
بيروت ـ إکنا: إن الموت متوقَّع في كل لحظة أن يصيب أحدنا بسهامه، وأن يختطف منا عزيزاً وحبيباً، ولا شك في أن الإيمان بأن كل جمع إلى شتات يخفف عنا وطأة الفراق والفَقد. 

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "كُلُّ جَمْعٍ إِلى شَـتاتٌ"
 
هذه معادلة أخرى من معادلات الحياة الدنيا، كل جمع إلى افتراق وشتات، إما أن يكون اختيارياً أو جبرياً، وإما أن يكون عن محبة أو يكون عن كراهة، فإذا كانت الدنيا نفسها غير دائمة فلا علاقة فيها تدوم، المتفرِّق فيها يجتمع، والمُجتَمِع فيها يتفرق وهكذا دوالَيك.

إن هذه المعادلة لا تقتصر على البشر وحدهم ولا حتى على الحيوان، بل تعم كل الكائنات حتى الجماد منها، فالكون قد بدأ من انفجار كوني واحد ثم أخذ في التشظي والانشطار والتَّشَكُّل والتكوكب، ونشأت مجرَّات وفي المجرات نشأت منظومات شمسية، وفي كل منظومة شمسية ما لا يعلمه إلا الله تعالى من الكواكب والنجوم، وهي جميعا تسير في شكل جماعي، ولكن نهايتها إلى الانتثار، ونهاية النظام الكوني إلى الدمار، كما أثبت ذلك العلماء في العصر الحديث، وكما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في أكثر من آية، مثل ما جاء في سورة التكوير، وفي سورة الانفطار، وفي سورة القيامة، وفي سورة الأنبياء، وغيرهن.
 
كذلك الشأن في بقية المخلوقات، ففي عالم الحيوان يجتمع الذكر والأنثى بالتزاوج، فيُنجِبان الأبناء حتى إذا تمكنوا من العَيش منفردين انفردوا عن والديهم، أو جاء الموت فأخذهم واحداً واحداً واحداً ففرَّق بينهم.

في عالم النحل نرى هذا الأمر بوضوح، فإن خلية النحل تتكون من ملكة هي أساسها وعاملات يتبعنها ويقُمن على رعاية البيوض والقفير، لكن الخلية لا تبقى على تماسكها، إذ إن الملكات المولودات من الملكة الأم عندما يكبرن ينفردن عنها ويأخذن معهن عددا لا بأس به من العاملات الخادمات ويؤسسن خلاياهن الخاصة.
 
هذه المعادلة أوضح ما تكون في الإنسان، فالجنس البشري الحاضر تناسل من زوجين اثنين آدم (ع) وحوَّاء، ثم بدأ يتكاثر حتى صار شعوباً وأُمَماً، ولكل شعب ميزاته الخاصة، من عِرق، ولونٍ، وسمات بدنية، ولغة، ولهجة، وعادات وتقاليد. 
 
ثم العائلة البشرية الواحدة تبدأ من تزاوج الذكر بالأنثى، ينجبان ولداً أو أولاداً، ويقومان على احتضانه ورعايته وتربيته وتعليمه حتى يبلغ أشدَّه، فيغادر بدوره الأسرة ليؤسس أسرته الخاصة.

نعم هكذا هو حالنا جميعاً، ما تكاد الأسرة أن يكتمل عددها ويجتمع أفرادها حتى يبدؤون بالمغادرة واحداً بعد واحد، تارة يغادرون باختيارهم وإرادتهم، إما إلى سفر، أو هجرة، أو زواج، ونحو ذلك، وأخرى يغادر أفراد الأسرة رَغماً عنهم، يغادرون بالموت، واحد تلو آخر حتى لا يبقى من تلك الأسرة أحد، وهكذا الحال في الأخوة، والأرحام، والأصدقاء، وحتى الشركاء في العمل، يجتمعون ثم يتفرقون إما برغبة منهم وعن رِضاً منهم ومودة، أو يتفرقون عن خِلافٍ وكراهة.
 
إن علينا جميعا أن نفهم هذه المعادلة، ونفهم أنها جارية فينا جميعاً، ولئن كان في الإمكان ألا نفترق على خلاف مع من نحب، فإنه ليس في إمكاننا أن نحفظ من نُحب من الموت، والموت متوقَّع في كل لحظة أن يصيب أحدنا بسهامه، وأن يختطف منا عزيزاً وحبيباً، ولا شك في أن الإيمان بأن كل جمع إلى شتات يخفف عنا وطأة الفراق والفَقد.   

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
 
captcha