ایکنا

IQNA

مقال للدكتور فرح موسى

نبوءة بني إسرائيل في القرآن الكريم

16:48 - May 18, 2024
رمز الخبر: 3495639
بيروت ـ إكنا: يجمع المسلمون على أن القرآن الكريم يتضمن مجموعةً من النبوءات التي تكشف عن إعجازية النص وصدق تحققاته في كل ما يُنبىء عنه في الماضي والحاضر والمستقبل.

ويكفي الباحث القرآني تدبّراً في ما عايشته الأمة من تجارب وأحداث كانت النبوءات قد عرضت لها،وصدّقتها الوقائع والتحولات في زمن النبي ص،كما جاء في نبوءة غلبة الروم على الفرس،ونبوءة البطشة الكبرى في سورة الدخان،ونبوءة القارعة التي تصيب الكفار،أو تحل قريبًا من دارهم في سورة الرعد،وغيرها من النبواءت التي لم يختلف حولها المسلمون.وتبقى نبوءة الإسراء والقضاء لبني إسرائيل في الكتاب مثارًا للتدبّر والدهشة لجهة ما تكشف عنه من انبعاث في مستقبل البشرية!فهذه النبوءة،كما بيّنا في بحوثنا القرآنية،لم يوفق أهل الفقه والتفسير في مناهجهم المختلفة إلى تظهير دلالتها الحقيقية في ما تنطوي عليه من أحداث،سواء من حيث دلالة الألفاظ،أو من حيث المضمون وعلاقة النبوءة ببني إسرائيل!؟

وهكذا،فإن ما ينبغي التوقف عنده،هو خصوصية القضاء؛فلم يقل القرآن،وقضينا إلى أهل الكتاب،أو إلى اليهود والنصارى،أو إلى الذين أوتوا الكتاب!ولا بد أن لهذا القضاء دلالته الخاصة في أجواء الخطابات القرآنية المتعددة،واختيار المفردات الخاصة التي ميّزت القرآن في منظومته اللفظية وتراكيبه الإعجازية عن ما عهده العرب في طريقة استخدام الألفاظ،وهذا ما عرّفه العلماء بالإعجاز البياني الذي يبقى فهمه واستيعابه شرطًا أساسيًا لتعقل المعنى القرآني.

فحينما يأتي القرآن بمفردة،فإن أحدًا من أهل اللسان العربي لا يمكنه أن يستبدلها بمفردة مرادفة لها حتى ولو كانت تشترك في الجذر معها،فلا يبقى لها المعنى ذاته المراد في الاستخدام القرآني،فإذا جاء اللفظ بمفردة "بعث"،فلا يمكن استبدالها بمفردة:"أرسل"،لأن المنظومة اللفظية للقرآن محكمة لدرجة يصح القول معها،أن منظومة البيان القرآني تماهي الكتاب التكويني وسبح أفلاكه في مساراتها،كما قال تعالى:"وكل في فلك يسبحون"!وهكذا،هي مفردات وتراكيب القرآن الكريم،فقولنا:إن القضاء جاء لبني إسرائيل له دلالته،فهو منبيء عن حقيقة تعلق الحدث ببني إسرائيل بما هم أحزاب وجماعات لم يُعهد منها الإصلاح،بدلالة قوله تعالى:"لتفسدُّن في الأرض مرتين…"
فيكون المؤدى انكشاف المصطلح عن معنى ولائي بمعاضدة آيات أخرى تخرج النص عن كونه ذا دلالة عرقية،ليعم كل من لحق ببني إسرائيل ولائيًا على نحو ما بين القرآن في ما نهى عنه من ولاء لليهود والنصارى،كما قال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء،بعضهم أولياء بعض،ومن يتولهم منكم فإنه منهم..".هذا أولًا.

ثانيًا: إن القضاء لبني إسرائيل جاء بمعنى الإعلام والإخبار،وهو إعلام صادق لا محالة،تمامًا كما قضى للنبي لوط ع،بقوله تعالى:"وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين..".فالآية ناظرة إلى أن القوم هالكون حتمًا عن آخرهم عند طلوع الصبح،وهذا ما أعلم به القرآن أن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض مرتين،وستكون لهم المساءة والمذلة بما كسبت أيديهم،فهم قطّعوا في الأرض أممًا،وكان منهم الصالح ومن هو دون ذلك ،حتى استوى أمرهم على الفساد والهلاك،كما بيّن تعالى في سورة الأعراف:"فخلف من بعدهم خلفُ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيُغفر لنا…ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق…".
فالقوم تمادوا وعتوا ،وكانت لهم امتدادات الولاء في كل زمان ومكان،حتى قيل لهم:"اسكنوا الأرض،فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا".

ثالثاً: إن مجيء النبوءة في سياق سورة الإسراء،يُظهر للمتدبّر أن الأمة الإسلامية معنية بهذا القضاء لبني إسرائيل،وذلك من منطلق أن القرآن يقُصُّ على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون،وجاء الإعلام القرآني ليفيد تحذيرًا للأمة الإسلامية من إفسادهم، وذلك إنما نستظهره من دلالة الألفاظ من حيث كونها ناظرة إلى المستقبل،فكيف يقال،كما هو مذهب أكثر المفسرين،أنه قضاء في الماضي السحيق لبني إسرائيل دون النظر إلى ما تعنيه الآيات في استخدامها لأداة الشرط مع الفعل جاء،كما قال تعالى:"فإذا جاء وعد أولاهما…"،وقوله تعالى:"فإذا جاء وعد الآخرة.."؟،فهذه ظرفية لما يستقبل من الزمان،وعلى هذه الظرفية،كما يعلم الفقهاء،بنيت كل الأحكام الشرعية،وبها تكون تحققات وعود الآخرة وتحولات عالم التكوين،ولهذا أجمع أهل البيان على أنها أداة تجزم في معناها ولا تجزم في مبناها.فإذا كان بعض العلماء قد تنبّه إلى هذا المؤدى،فلم يسعفه المنهج للخروج من قضاء الماضي إلى قضاء المستقبل،واستمر على موقفه أن إفساد بني إسرائيل استغرقته الأزمنة،وانقضي بموت نبوخذنصر البابلي،!؟فيا للعجب!

رابعًا: ليس في النبوءة ما يفيد أن الكفار وأهل الوثنية هم المبعوثون على بني إسرائيل لظهور اللفظ بأهل التقى والإيمان بقرينة متصلة ،وهي" عبادًا لنا"،ولا بد أن يكون المبعوث عليهم نبيًا أو وصي نبي،وقد حققنا في موضعه،في كتابنا:"وعد الآخرة"، أن القرآن الكريم لم يستخدم مفردة البعث الإلهي إلا بأن يكون الفعل إلهيًا،على قاعدة ما فعله الراغب الأصفهاني من تقسيم البعث إلى بعث إلهي وبعث بشري،وإن أدنى تدبر في سياقات البعث الإلهي لا بد أن يكشف عن حقيقة أن البعث على بني إسرائيل إنما كان للمؤمنين وليس للكافرين،فلا يقال:"فلا مانع من عد الكفار عبادًا لله تعالى،فيبعثون على بني إسرائيل!فهذا خلل منهجي في التفسير يشوبه قِصَر معرفي،لجهة عدم ضبط المفردات القرآنية في سياقاتها الشاملة!وهذا ما تم استيفاء البحث فيه لتأكيد حقيقة أنه لا بد من إمام من الله تعالى يقود قافلة البعث الإلهي:"عبادًا لنا:".وهنا نسأل:ألم يكن رسول الله ص هو قائد رواد قافلة الوجود للقضاء على إفساد بني إسرائيل في المدينة وخيبر!!؟!؟

خامسًا:"لا يمكن للباحث تجاهل ما جرى من صراع بين النبي ص وبني إسرائيل في تاريخ الإسلام،فأعظم الإفساد الإسرائيلي في الوعد الأول تم تتبيره على يد رسول الله وأصحابه،وهذا ما يؤكد لنا أن النبوءة ناظرة إلى المستقبل في وعد الآخرة،الذي سيشهد تحولًا في الصراع بين عباد الله وكل تشكلات بني إسرائيل العرقية والولائية،وليس خافيًا على أحد ما يشهده عالمنا اليوم من صراع،حيث بان لكل ذي عينين،أن التشكلات الولائية عادت لتتشكل من يهودية ومسيحية وإسلامية للإفساد في الأرض…وللبحث صلة.

captcha