وأعلن عن ذلك، الباحث العراقي في الشأن السياسي ومدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن "الأستاذ نزار حيدر" في حوار خاص له مع وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا).
فيما يلي النصّ الکامل للحوار:
کیف یمکن شرح نتائج وآثار مسيرة أربعينية الامام الحسين(ع)؟
لعلها من الظواهر العالمية النادرة التي تتحدث عن نفسها بنفسها وتشرح أهدافها من تلقاء نفسها. نلحظ ذلك من خلال ما يقوله ويكتبه العالم بكل خلفياته وتوجهاته عنها.
فقيم مثل التعامل الانساني والايثار والتعاون والصبر والشراكة الاخوية على طول مدة المسير والمكوث في كربلاء، كلها قيم ومناقبيات تحدث العالم عن نفسها بنفسها.
كيف تقيمون دور مسيرة الأربعين المليونية في نشر الخطاب المهدوي وعولمة الثقافة المهدوية؟
لا اشك قيد أنملة في أن مسيرة الاربعين المليونية التي يشاهدها ويتابعها العالم في الاتجاهات الاربعة، هي الباب الواسع الذي تدخل منه البشرية للحقيقة المهدوية. فكل من ينظر الى هيبة المسيرة وعظمتها يقفز الى ذهنه وبلا استئذان السؤال التالي؛ لماذا؟! لماذا كل هذا؟! ولماذا الان؟! والى اين؟! ولماذا في العراق؟! وتحديداً في كربلاء؟!.
هذه الاسئلة واخواتها ستقود السائل بلا شك الى نتيجة واحدة من خلال طريق واحد يسلكه، الا وهو طريق الحسين الشهيد (ع) وصولاً الى حفيده المجسد لفكرة [الخلاص] التي يؤمن بها كل الناس بتنوع عقائدهم وخلفياتهم بالاعتماد على نص الاية الكريمة {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}.
هل يمكن لزيارة الأربعين الحسيني أن يكون لها تأثير اجتماعي إيجابي على مستوى المجتمع بالإضافة إلى تأثيره الروحي والديني؟
في فترة الزيارة يمارس ويتعلم الزائر الكثير من القيم والسلوكيات والممارسات والاخلاقيات الايجابية العظيمة، وفي نفس الوقت ينتبه الى سلوكيات وممارسات خاطئة وسلبية قد يكون يمارسها في حياته اليومية بوعي أو لا وعي. وهذان الشكلان من الايجابي والسلبي على المستويين الاجتماعي والفردي. من المهم جداً ان يتخذ كل واحد فرداً فرداً قراراً تدعمه عزيمة واصرار وارادة حسينية باستصحاب الايجابي الى العام القادم والسلبي للاقلاع عنه وتجنبه الى العام القادم.
وأقول الى العام القادم لانه سيتحول بمرور الوقت الى جزء من شخصية المرء اذا كان ايجابياً وسيغيب عن شخصيته وينمحي اذا كان سلبياً. وبذلك سيكون الانسان الذي شارك في المسيرة معلم نفسه بنفسه ومزكي روحه وسلوكه بنفسه متعلماً من المسيرة وقيمها وهيبتها. يقول امير المؤمنين (ع) { إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّه قَلَّ مَنْ تَشَبَّه بِقَوْمٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ}.
ما هي أهمية إحياء مراسم الأربعين الحسيني في الحفاظ على قيم ورسائل النهضة الحسينية؟
كلنا نعرف جيداً ان كل ظاهرة في هذا العالم لها بُعدان نظري وعملي، من جانب، وفكري وعاطفي، من جانب آخر ولا تشذ ظاهرة الاربعين الحسيني عن هذه القاعدة العقلية والمنطقية.
تاسيساً على هذا الثابت أقول؛ انك لا يمكنك ان تستوعب البُعد الفكري والعقدي والثقافي للظاهرة مجرداً عن العواطف والمشاعر.كما أنك لا يمكنك ان تستوعب النظريات التي استنطقها المفكرون والفلاسفة والادباء عن الظاهرة كل هذا الزمن من دون ان تحضرها او على الاقل تشاهدها وتتابعها عملياً وعلى ارض الواقع.
ولفهم ما أذهب اليه يمكنك ان تستحضر ظاهرة الحج الى بيت الله الحرام فهو ينسجم مع ظاهرة مسيرة الاربعين بشكل كبير جداً وان اختلفت الشعائر في شكلها الا ان الجوهر واحد والهدف واحد.
هل يمكن القول إن مسيرة الأربعين الحسيني هي ظاهرة لإنشاء الحضارة الاسلامية الحديثة، وبرأيكم ما هي أهم المكونات الحضارية لهذه الشعيرة الدينية؟
إذا اردنا ان تكون كذلك فيلزمنا ان نقدم النموذج للبشرية وعلى مختلف المستويات، فلا يكفي ان نحصر حضارية مسيرة الاربعين بايام معدودات ثم يعود كل شيء الى حاله السابق.
فالحضارة كما وصفها امير المؤمنين (ع) في عهده للاشتر لما ولاه مصر {جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وجِهَادَ عَدُوِّهَا واسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وعِمَارَةَ بِلَادِهَا} فهي اقتصاد ناجح يقضي على البطالة ويهيئ كل اسباب الحياة الكريمة، وامن مجتمعي يشعر فيه المواطن بالاستقرار وان حقوقه محفوظة لا يسطو او يتجاوز عليها احد، ودولة منتجة وغير ريعية يجد فيها المواطن حاجته وكفايته من الماكل والملبس والمركب لا يكون عالة على الاخرين يجد فرصه في العمل دائماً، واعمار مستمر وعلى مختلف المستويات؛ التعليم بوجود المؤسسات التعليمية لكل المراحل العمرية والبحثية للمراحل المتقدمة والصحة بوجود مؤسسات صحية رصينة يديرها ويعمل فيها اخصائيون في مختلف المجالات الطبية وطرق وجسور يطمئن بها المواطن على حياته اذا سار بها مع عائلته وخدمات حياتية كالماء الصالح للشرب والكهرباء وغير ذلك.
كل هذا هي الحضارة، فكيف نحققها من خلال مسيرة الاربعين الحسيني التي تحمل في طياتها الكثير من قيم الحضارة [نظرياً على الاقل]؟!.
برأيكم، ما هي رسالة نهضة سيد الشهداء الامام الحسين(ع) للعالم الجديد؟
الحسين السبط (ع) رسالة عالمية بمعنى ان قيمه ومبادئه خالدة لكل زمان ومكان. وهي تتمحور دائماً حول ثلاثة مبادئ أساسية؛
الحرية
الكرامة
حرية الاختيار
ولا اراني اختلف اليوم مع احد في ان البشرية متورطة في ثلاثة امراض خطيرة هي عكس هذه المبادئ الثلاثة، الا وهي؛ العبودية والذل وفرض الخيارات، ولذلك فانها [البشرية] باحوج ما تكون الان الى رسالة عاشوراء لتتحرر من عبودية السلطة والمال والشهوة لتعيش بكرامة تتمتع بخياراتها وبحرية الاختيار من دون اكراه او ضغط الغش والتضليل الذي تمارسه الدعاية والاعلام الذي يتحكم بمسارات الناس وخياراتهم العقدية والسياسية والاخلاقية نزولاً عند خياراتهم في الماكل والملبس وتنظيم الشكل والهندام.
هذا ويذكر أن الأستاذ نزار حيدر هو من مواليد محافظة كربلاء المقدسة، عام 1959 م. انتمى الى صفوف الحركة الإسلامية المجاهدة في العراق عام 1972 م. شارك بفاعلية في انتفاضة صفر عام 1977م، وفي العام 1978م، قاد نشاطاً سياسياً في محافظة النجف الأشرف اعتقلته على أثره سلطات الأمن والتي تمكن من الإفلات من قبضتها بمساعدة عدد من رفاقه المجاهدين.
وشارك في حملة توزيع المنشورات السياسية التي غطت محافظات العراق من أقصاه إلى أقصاه في عام 1979 م، خاصة في محافظات كربلاء والنجف وبابل والعاصمة بغداد ومدينة الكاظمية المقدسة، بالإضافة إلى جامعة السليمانية التي درس فيها الهندسة، قسم الإليكترونيات عام 1980.
ولنشاطه السياسي المتميز في الجامعة طورد من قبل سلطات الأمن وحكم عليه بالإعدام غيابيا في ثلاث قضايا سياسية منفصلة، مما اضطرته الظروف القاسية للهجرة إلى خارج العراق ليواصل نشاطه المعارض في بلدان المهجر التي استقر فيها لفترات زمنية متفاوتة منها سوريا وإيران وعدد من الدول الأوربية ثم إيران ولبنان وسوريا ليستقر به المقام حاليا في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وانتخب عضواً في أول مكتب سياسي لمنظمة العمل الإسلامي في العراق عام 1989 م، ليعاد انتخابه مرة ثانية في العام 1992، كما رأس تحرير جريدة (العمل الإسلامي) الناطقة باسم المنظمة في الفترة (1982- 1989)، كما أن له مساهمات إعلامية وثقافية وفكرية في العديد من وسائل الإعلام العربية وخاصة صحف المعارضة العراقية، بالاضافة الى مساهماته في وسائل الاعلام العراقية التي تصدر اليوم في مختلف مناطق العراق، خاصة في العاصمة بغداد، وفي مواقع الانترنيت، الى جانب مساهماته الحوارية وتعليقاته السياسية المتميزة في الاذاعات والقنوات الفضائية العراقية والعربية والاجنبية.
وشارك في العديد من مؤتمرات المعارضة العراقية أبرزها مؤتمر صلاح الدين في العام 1992 م، الذي أنبثق عنه (المؤتمر الوطني العراقي) الموسع والذي انتخب فيه عضوا في المجلس التنفيذي كما شارك في مؤتمر نيويورك عام 1999 م، انتخب فيه عضوا في المجلس المركزي.
وساهم في انتفاضة شعبان (آذار) عام 1990 م، ورأس أول وفد رسمي من الحركة الإسلامية يزور كردستان العراق أبان الانتفاضة والتقى بقادة الفصائل الكردية بغية التنسيق بين شقي الانتفاضة في الشمال والجنوب.
واصل نشاطه في كردستان العراق منذ العام 1991 م وحتى العام 1996 م عندما اجتاحت قوات النظام مدينة أربيل فاضطر للهجرة ثانية إلى خارج العراق. يتميز بعلاقات وطيدة مع مختلف قادة وفصائل وشخصيات حركة المعارضة العراقية، والذين هم الان في السلطة في بغداد، لما عرف عنه بالذهنية المتفتحة والوطنية.