
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ زَلَلَ الصَّديقِ ماتَ وَحيداً".
ويتفق معي القارئ الكريم على أن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، لا يمكنه العيش بمعزل عن الآخرين، فهو ابنٌ لأبوين، وحفيد لِجدَّين وجدَّتين، وأخ إن كان له أخوة، وأقارب وأرحام، هذا أمر جبري لا يختاره، يُلزِمه بعلاقة يصعُب عليه أن ينفكَّ منها، وطبيعة الحياة تضطرُّه إلى إقامة أو قبول علاقات ضرورية كعلاقته بجاره، ومُعلِّمه، والتاجر الذي يشتري منه، وكل شخصٍ تضطرُّه الحاجة إليه، وهناك علاقات يحتاجها ولكنه يختارها بإرادته كعلاقته بزوجه، أو شريكه في العمل، أو صديقه.
إقرأ أيضاً
وتمثِّل الصداقة واحدة من أبرز العلاقات الإنسانية التي تعكس حاجة الإنسان إلى التفاعل والتواصل مع الآخرين، في هذا الإطار، تبرز المعادلة التي يذكرها الإمام أمير المؤمنين (ع) "مَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ زَلَلَ الصَّديقِ ماتَ وَحيداً" التي تُضيء على جانب مهمٍ جداً من جوانب الصداقة وهو الإغضاء عن الزَّلل الذي يفرُط من الصديق، والتغافل عن الأخطاء غير المقصودة والعابرة.
الصداقة ليست علاقة إنسانية عابرة، بل هي حاجة أساسية تفرضها طبيعة الحياة، فالإنسان بحاجة إلى من يشاركه أفراحه وأحزانه، ومن يدعمه في المواقف الصعبة، والصديق الحقيقي يُعين صديقه نوائب الدهر، ويُسانده إذا وقع في المِحن، وملاذاً يلوذ به في الشدائد، ويداً تدفع عنه العدوان، ومرشداً يرشده إلى الخير والصواب، ومرآة تعكس له عيوبه وأخطاءه، وناصحاً يمحضه النصيحة، وأنيساً يؤنسه في وحدته ويُبعد عنه مرارة الوحشة، وقد رُوِي عن الإمام عَلِيّ(ع) أنه قال: "الأَصدِقاءُ نَفسٌ واحِدَةٌ في جُسُومٍ مُتَفَرِّقَ" وقال أيضاً: "مَن لا صَدِيقَ لَهُ لا ذُخرَ لَهُ" وكشف عن عمق العلاقة بين الأصدقاء فقال (ع): "الصَّديقُ أقرَبُ الأقارِبِ".
ولأهمية الصداقة في حياة الإنسان، حثَّت الروايات الشريفة على الاستزادة من الأصدقاء والإخوان، كما حثَّت على ضرورة اختيار الصديق بعناية، قال رسول الله (ص): "المَرْءُ على دِينِ خَلِيلِهِ، فَليَنظُرْ أحَدُكُم مَن يُخالِلُ".
وشددت على ضرورة اختبار الشخص قبل اتخاذه صديقاً، قال الإمام الصادق (ع): "لا تُسَمِّ الرَّجُلَ صَدِيقاً سِمَةَ مَعرِفَةٍ حتّى تَختَبِرَهُ بثلاثٍ: تُغضِبُهُ فَتَنظُرُ غَضَبَهُ يُخرِجُهُ مِن الحَقِّ إلى الباطِلِ، وعندَ الدِّينارِ والدِّرهَمِ، وحتّى تُسافِرَ مَعهُ".
وجاء عن الإمام الحَسَن المُجتبى (ع) في وَصِيَّتِهِ لجُنادَةَ في مَرَضِهِ الذي تُوُفِّيَ فيهِ: اِصْحَبْ مَن إذا صَحِبتَهُ "زانَكَ، وإذا خَدَمْتَهُ صانَكَ، وإذا أرَدْتَ مِنهُ مَعُونَةً أَعانَكَ، وإنْ قُلتَ صَدَّقَ قَولَكَ، وإنْ صُلْتَ شَدَّ صَولَكَ، وإنْ مَدَدْتَ يَدَكَ بِفَضلٍ مَدَّها، وإن بَدَتْ عَنْكَ ثُلمَةٌ سَدَّها، وإنْ رَأى مِنْكَ حَسَنةً عَدَّها، وإنْ سَألتَهُ أَعْطاكَ، وإنْ سَكَتَّ عَنهُ ابتَدَأكَ، وإنْ نَزَلَتْ إحدَى المُلِمّاتِ بِهِ ساءَكَ"
وجعلت للأصدقاء حقوقاً كثيرة، منها: ما جاء في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) حيث يقول: أمّا حَقُّ الصاحِبِ: فَأن تَصحَبَهُ بِالتَفَضُّلِ والإنصافِ، وتُكرِمَهُ كما يُكرِمُكَ، ولا تَدَعَهُ يَسبِقُ إلى مَكرُمةٍ، فإنْ سَبَقَ كافَأتَهُ، وتَوَدُّهُ كما يَوَدُّكَ، وتَزجُرُهُ عمّا يَهُمُّ بهِ مِن مَعصيَةٍ، وكُن علَيهِ رَحمَةً، ولا تَكُن علَيهِ عَذاباً".
ثم إنَّ الصديق إنسان، والإنسان معرَّض للزَّلَل والبشر بطبيعتهم ليسوا معصومين عن الخطأ، من هنا تأتي أهمية التسامح مع الصديق عندما يزِلُّ أو يُخطئ، والتغافل عن هفواته غير المقصودة، مع تنبيهه إليها من باب النَّصح له، واعطائه الفرصة للإصلاح، وليس من الحكمة القطيعة معه بسبب الزَّلَّة والهَفوَة، فإن ذلك يدع الإنسان وحيداً يعيش في عُزلَّة تامَّة لا أصدقاء له.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: