
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنِ اغْتاظَ عَلى مَنْ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ماتَ بِغَيْظِه".
والغَيْظُ لغة: شِدَّةُ الغَضَبِ، وقِيل: الغَيْظُ أَوَّلُ الغَضَبِ، وقِيل: هو غَضَبُ العاجِزِ عن الانْتِقامِ. وأَصْلُه: الكَرْبُ يَلْحَقُ الإنْسانَ مِن غَيْرِهِ.
إقرأ أيضاً
والغيظ اصطلاحاً: انْفِعالٌ وتَغيُّرٌ يَلْحَقُ الشَّخْصِ بِسَبَبِ إِساءَةٍ مِن الغَيْرِ، وحالةٌ نَفسيَّة مِنَ الحُنقِ والغضَبِ المَكبوتِ، نَتِيجةَ شُعورٍ بالظُّلمِ أو الإهانَةِ، وهو كامِنٌ لا يُستَطاعُ إِنْفاذُهُ وإخْراجُهُ، ولا تَظْهَرُ آثارُهُ كالانْتِقامِ والإضْرارِ بِالمُسِيءِ على الجَوارِحِ، لِلْعَجْزِ وعَدَمِ القُدْرَةِ عن ذلك.
والمَوت غَيظاً: قد يحدثُ فعلاً، وذلك بأن يموت الشخص بسبب غيظه، وقد يرمز إلى الحالة النفسية البئيسة التي تلازم معاناتُها الشخص، نتيجة الغَيظ المكبوت داخله، ولا يجِد له مُتنَفَّساً، فيسيطر عليه الشعور بالهزيمة النفسية، مِمّا يؤدِّي إلى ضَعف إرادته وعزيمته، وقد يصاحبها اعتلال للبدن، لأن التوتر النفسي المستمر الناتج عن الغيظ يؤثِّر سَلباً على وظائف الجسم، مِمّا يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض قاتلة.
وهذا ما ذكره علماء النفس من آثار نفسية خطيرة للغيظ المَكبوت، وأضافوا إلى ذلك:
أن الضغط النفسي، والشعور بالعجز والغضب، يؤدي إلى تراكم التَّوتُّر الداخلي، مِمّا يسبب اضطرابات في الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب، وأن الغَيظ المُزمن مرتبط بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب ومشاكل الجهاز الهضمي.
الإمام أمير المؤمنين (ع) يشير إلى أثر العَجز في مواجهة الظلم أو الإساءة، فمن لا يستطيع الرَّدَّ على مصدر غيظه، غالباً ما يقع ضحية لصراعات داخلية تؤدي إلى تفاقم آلامه النفسية، وقد تكون شديدة الوطأة عليه بحيث تؤثِّر على حياته بطرق سلبية، وكي يتجنَّب الشخص هذه المخاطر كلها يدعوه الإمام (ع) إلى الإمساك بغضبه، والتَّحكُّم في مشاعره السلبية بدلا من الانغماس فيها، أو ترك الغضب بالكليِّة، خاصة في الحالات التي لا يمكن فيها تغيير الأوضاع، لانعدام القدرة، وقِلَّة الإمكانيات، وعدم وجود الناصر، وصعوبة الظروف، وأن يتحلَّى عِوَضاً عن ذلك بالصبر والحكمة وانتظار الفُرصة المؤاتية.
إنَّ ضبط النفس فضيلة أخلاقية ذات أثر عملي مُهمٍ على حياة المَرء وحركته فيها وعلى مجمَل قراراته وخياراته، فالقوة الحقيقية تكمن في ضبط النفس، كما أنه فضيلة تربوية تعزِّز الاستقرار النفسي والاجتماعي.
وبدلًا من السماح للشعور بالعجز أن يسيطر على المَرء، يجب عليه أن يبادر إلى العمل على تطوير ذاته وقدراته، وإعداد ما يمكنه إعداده، والبحث عن حلول بديلة، والمباشرة بخطوات ولو كانت قليلة لتغيير الوضع الذي هو فيه، والاستعانة على ذلك بالدعاء، والعِبادة، وتعزيز الارتباط بالله تعالى، والتوكُّل عليه، والثِّقة بوعوده، واليقين بأن الله العزيز الجبار يأخذ الظالم أخذ عزيز منتقم في اللحظة المناسبة، فإن ذلك يخفِّف من وطأة الغيظ عليه، ويُسرج في نفسه سراج الأمل والرجاء.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: