
يرتسم في سوريا مشهد جديد مع انتهاء نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد وإعلان فصائل المعارضة المسلحة(الارهابية) السيطرة على البلاد، بعد هجوم بدأ على نحو سريع استمر على مدى 11 يوماً، أنهى حكماً دام 24 عاماً، وحقبة استمرت لنحو 6 عقود.
وتوالت ردود الفعل الدولية في تعقيب على المشهد السياسي الجديد، إذ تراوحت التعليقات بين ترحيب بسقوط بشار الأسد، والدعوة إلى توحيد الصف السوري وحماية السيادة وسلامة الأراضي السورية، وصولاً إلى الإعراب عن مخاوف مما قد ينتظر مستقبل البلاد.
ولتسليط الضوء على آخر التطورات في سوريا ومستقبل هذا البلد ودراسة العوامل الاستراتيجية التي أدّت الى إختیار هذا التوقیت من قبل الجماعات الارهابية للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، أجرت وكالة الأنباء القرآنية الدولية حواراً مع الحقوقية العراقية "أنوار داود الخفاجي".
فيما يلي نصّ الحوار:ـ يؤكد بعض الخبراء والمحللين السياسيين أن المشهد السياسي في سوريا يختلف بشكل كبير عن نظيره في العراق قبل عام 2003 م، ما هو رأيك؟المشهد السياسي في سوريا يختلف بشكل كبير عن نظيره في العراق قبل عام 2003، حيث إن طبيعة الهيكل السياسي والاجتماعي لكلتا الدولتين متباينة. في العراق، كان نظام الحكم تحت سيطرة صدام حسين يتميز بقبضة حديدية مع هيمنة حزب البعث، وسط استقطاب طائفي واضح بين السنة والشيعة، مما أدى إلى تفاقم التوترات الطائفية. أما في سوريا، فالنظام کان يعتمد على الأقلية العلوية التي تسيطر على مفاصل الدولة، مع وجود تنوع طائفي وإثني واسع، لكن دون استقطاب طائفي ظاهر قبل عام 2011.
كذلك، التدخلات الدولية في العراق كانت بارزة قبل سقوط النظام، حيث تعرض لعقوبات طويلة وحصار دولي، وصولاً إلى الغزو الأمريكي في 2003. في المقابل، سوريا لم تشهد تدخلاً دولياً مباشراً قبل الثورة في 2011، بل تأثرت بالتدخلات بعد اندلاع الصراع المسلح. هذه الاختلافات تعكس تعقيدات المشهدين السياسيين والاجتماعيين في البلدين.
إقرأ أيضاً
ـ ما هي العوامل الاستراتيجية التي أدّت الى إختیار هذا التوقیت من قبل الجماعات الارهابية للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد؟إنّ اختيار الجماعات الإرهابية للهجوم على سوريا في هذا التوقيت يعود إلى عدة عوامل استراتيجية. أولاً، استغلال حالة الفوضى السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد نتيجة الحرب المستمرة منذ سنوات، مما أضعف سيطرة الدولة على بعض المناطق. ثانياً، عودة نشاط هذه الجماعات ناتج عن الفراغ الأمني في بعض المناطق، بالإضافة إلى التوترات الإقليمية والدولية التي توفر بيئة مناسبة لتحركاتها.
كما أن تراجع التركيز الدولي على محاربة الإرهاب في المنطقة، وانشغال القوى الكبرى بقضايا أخرى، أعطى هذه الجماعات فرصة لإعادة تنظيم صفوفها. ضعف التنسيق الأمني بين الأطراف المتصارعة في سوريا ساهم أيضاً في عودة هذه الجماعات إلى الواجهة.
ـ كيف تقيمين أبعاد المعرکة في سوريا بعد سقوط حكومة بشار الأسد، وما هي الإستراتيجية التي تتبعها تركيا في سوريا؟
يمكن القول إن هذه المعركة تحمل أبعاداً تتجاوز القضاء على الجماعات الإرهابية، إذ تسعى الأطراف المعنية، بما فيها سوريا وتركيا، لتحقيق أهداف استراتيجية. من الجانب السوري، تمثّل المعركة فرصة لاستعادة السيطرة على الشمال وشمال شرق البلاد، لتعزيز وحدة الاراضي السورية بعد سقوط حكومة بشار الاسد.
أما تركيا، فتبدو مهتمة بتصفية الجماعات التي تهدد أمنها القومي، خاصة على حدودها، مع إظهار رغبة في تحسين العلاقات مع دمشق لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية. ومع ذلك، نجاح هذه المعركة يعتمد على التنسيق الدولي والإقليمي، فضلاً عن قدرة الأطراف على تجاوز الخلافات لتحقيق استقرار شامل في سوريا بعد سقوط النظام.
ـ ما هي التحديات التي تواجهها إدارة العمليات العسكرية في سوريا للحصول على الشرعية الاقليمية والدولية؟
الانفتاح العربي يُعدّ فرصة لادارة العمليات السورية الجديدة لتقوية موقفها الاقليمي العربي والتخفيف من الضغوط الدولية خصوصاً مع ارتباط أغلب رموز هذه الادارة بتاريخ إرهابي داعشي، فضلًا عن محاولة تحسين علاقاتها مع القوى العربية المؤثرة. ومع ذلك، هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك انقسام المواقف العربية تجاه تقبل تغير هذا الخطاب والتحول من الارهاب الى تبني الاصلاحات السياسية والاجتماعية لخلق تقارب مستقبلي مع الدول العربية.
تسعى الادارة السورية جاهدة للحصول على شرعية إقليمية لانها البوابة الى الشرعية الدولية وهذا يحتاج الى اعطاء ضمانات للمجتمع الدولي حتى تتعزز هذه الشرعية عربياً ودولياً.
ـ أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مؤخراً ضرورة إحترام إرادة السوريين والتطلع لعملية سياسية شاملة، ما هي الأمكانيات التي يمتلكها العراق لمساعدة سوريا في مواجهة الظروف التي تمرّ بها البلاد؟
يمثّل العراق حليفاً مهماً لاي حكومة السورية سواء الماضية والحالية والمستقبلية في مواجهة الظروف التي تمر بها البلاد. يمتلك العراق إمكانيات متعددة لدعم سوريا، أبرزها التعاون الأمني المشترك لمكافحة الإرهاب على الحدود، خاصة في ظل تهديد تنظيم "داعش". كما يمكن للعراق توفير دعم اقتصادي عبر التبادل التجاري وإعادة تفعيل الخطوط الاقتصادية المشتركة، مثل خط النفط بين البلدين.
سياسياً، يلعب العراق دوراً في تعزيز التقارب العربي مع سوريا من خلال الوساطة مع الدول الأخرى، مستفيداً من علاقاته الإقليمية والدولية. كما أن دعم العراق للعملية السياسية الشاملة في سوريا بعد سقوط نظام الاسد يعزز فرص الاستقرار، ما يساهم في تخفيف الأعباء عن الشعب السوري وحكومته الحالية والمستقبلية.
ـ إن محافظ دمشق الجديد، "ماهر مروان" أدلى بتصريحات مفاجئة إذ دعا الولايات المتحدة إلى السعي لإقامة السلام بين سوريا وإسرائيل، ما هو تحلیلك بالنسبة الى هذا الموقف؟
السؤال هنا هل هذه التصريحات تمثّل تغييراً حقيقياً أم مجرد مناورة سياسية؟ حيث تُعَدّ تصريحات محافظ دمشق الجديد، ماهر مروان، بدعوة الولايات المتحدة للسعي لتحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل خطوة غير مسبوقة ومثيرة للجدل. هذه التصريحات قد تكون انعكاساً لتحولات سياسية جديدة في المنطقة، خاصة مع تعيين أحمد الشرع (الجولاني) في الإدارة السياسية. يبدو أن هناك توجّهًا لإعادة ترتيب الأولويات الإقليمية، وربما محاولة للخروج من العزلة السياسية والاقتصادية التي تعاني منها سوريا. مع ذلك، سيواجه هذا الطرح معارضة داخلية وخارجيه شديدة، إذ يُعدّ السلام مع إسرائيل قضية حساسة بالنسبة للفكر السوري المتشبع بالافكار والايدلوجية لحزب البعث ولم يفق السوريين أصلاً من سقوط نظام الاسد اعتقد ان هذا الطرح يحتاج الى مرور وقت من الزمن على تقبل العرب والغرب هذا التغيير.
ـ بصفتك كحقوقیة بارزة، إلى أين تتجه أحداث سوريا في ظلّ تسارع التطورات التي تشهدها البلاد؟
في ظلّ تسارع الأحداث في سوريا، تتجه الأمور إلى مسارات معقدة تتأثر بالعوامل السياسية والدولية. من منظور حقوقي، استمرار الانتهاكات من تقارير مقلقة من حدوث عمليات انتقامية وقتل الموالين للنظام السابق وخاصة من العلويين أو عناصر الجيش السابق يشكل إنتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني، مع تصاعد الانتهاكات ضد المدنيين يؤدي الى استمرار أزمات النزوح ووردت تقارير عن طلب الالف اللجوء الى العراق. التحركات العربية و الدولية يجب أن تسعى لإيجاد بيئة آمنة للسوريين كافة، وان لا تعرقل تضارب المصالح بين الأطراف المحلية والدولية، الوصول لحل سريع بعد سقوط النظام السوري.
في المقابل، المساءلة عن الجرائم المرتكبة تمثل خطوة حاسمة لتحقيق العدالة وضمان حقوق الضحايا. يتطلب المستقبل التزاماً جماعياً بحل سياسي وحكومة شاملة تحترم سيادة سوريا وحقوق شعبها بعيداً عن التدخلات الخارجية والارهاب والتطرف.
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: