ایکنا

IQNA

أستاذ في الحوزة العلمية بالنجف في حديث لـ"إکنا":

غاية بعثة النبي محمد (ص) هي تحقيق العدل الاجتماعي

9:15 - January 28, 2025
رمز الخبر: 3498664
النجف الأشرف ـ إکنا: قال الأستاذ في الحوزة العلمية في النجف الأشرف "الشيخ محمد الكرباسي" إن إحدى غايات بعثة النبي محمد (ص) هي تحقيق العدل الاجتماعي وإقامة ميزان العدل بين الناس، بعيداً عن الظلم والتمييز.

وفي السابع والعشرين من شهر رجب تـمرُّ علينا ذكرى المبعث النبوي الشريف، وهو يعدّ من الأيام العظيمة والشريفة جداً وهو عيد من الأعياد العظيمة؛ ففيه كان بعثة النّبي محمد(ص) وهبوط جبرئيل عليه بالرّسالة والنبوة.
 
ونزلت هذه الآيات "بِسْمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم ـ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ـ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ـ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأََكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ـ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" (العلق/1 ـ 5) في السابع والعشرين من شهر رجب حيث يحتفل المسلمون بعيد المبعث النبويّ بوصفه بدء حياة الخير والسعادة للإنسان على وجه الأرض.
 
وهكذا بُعث النبي(ص) بالرسالة وابتدأت مرحلة جديدة من حياته الكريمة حيث لم يعد الإنسان الطيب الذي يعمل المعروف فقط ، ويؤدي الأمانة ويصدق الحديث ، ويعيل الأقرباء، بل أصبح الآن البشير النذير الذي يحمل على كتفه مسؤولية قيادة الإنسان الى كل خير وصيانته من كل شر.
 
وبمناسبة ذكرى المبعث النبوي الشريف، قد أجرت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا) حواراً مع الأستاذ في الحوزة العلمية في النجف الأشرف "الشيخ محمد الكرباسي".
 
من وجهة نظر التعاليم الوحيانية، ما هي حكمة وفلسفة بعثة النبي محمد(ص)؟

بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تحمل حكمة وفلسفة عميقتين مستنبطتين من التعاليم الوحيانية في القرآن الكريم والسنة النبوية، ويمكن تلخيصهما في عدة أبعاد:

1. إخراج الناس من الظلمات إلى النور:

قال الله تعالى: «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» (الحديد: 9).

بعثة النبي(ص) جاءت لإنقاذ البشرية من ظلمات الجهل والشرك إلى نور التوحيد والإيمان بالله، ومن الانحراف الأخلاقي إلى القيم الإنسانية السامية.

2. إقامة العدل الإلهي:

قال الله تعالى: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» (الحديد: 25).

إحدى غايات بعثة النبي محمد (ص) هي تحقيق العدل الاجتماعي وإقامة ميزان العدل بين الناس، بعيداً عن الظلم والتمييز.

إقرأ أيضاً


3. تزكية النفوس وبناء الأخلاق

قال الله تعالى: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ» (الجمعة: 2).

جاء النبي(ص) ليزكي النفوس، ويطهرها من الرذائل، ويهذب الأخلاق، ويعلم الناس الحكمة والفضيلة، مما يضمن بناء مجتمع صالح قائم على الأخلاق.

4. تحقيق الوحدة الإنسانية

قال الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: 107).

بعثته جاءت رسالة رحمة شاملة للعالمين، تهدف إلى جمع الناس على كلمة التوحيد، ونبذ التفرقة، وتحقيق الوحدة الإنسانية تحت مظلة الإيمان بالله.

5. تحرير الإنسان من عبودية غير الله

قال النبي (ص): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

بعثته جاءت لتحرير الإنسان من العبودية للشهوات، والأوهام، والعبودية للبشر، ليكون عبداً خالصاً لله، ويتحقق فيه الكرامة الإنسانية.
 
6. الهداية إلى الصراط المستقيم

قال الله تعالى: «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (الشورى: 52).

بعثته جاءت لتوجيه البشرية إلى الطريق القويم الذي يحقق لها السعادة في الدنيا والآخرة.

7. نقل الرسالة الخاتمة

بعث النبي محمد (ص) كان إيذانًا بختم الرسالات السماوية، ونقل الرسالة الكاملة والشاملة التي تصلح لكل زمان ومكان، قال الله تعالى: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ» (الأحزاب: 40).

الخلاصة:

فلسفة بعثة النبي محمد (ص) تتمحور حول إصلاح الفرد والمجتمع، وتحقيق العبودية لله وحده، وبناء نظام حياتي شامل يربط بين الدنيا والآخرة، ويضمن للبشرية الهداية والرحمة والعدل.

 ـ لماذا تعتبر ذكرى المبعث النبوي الشريف، نقطة تحول في تاريخ البشرية و يوم الهداية الكبرى؟

يعتبر البعض المبعث النبوي الشريف نقطة تحول في تاريخ البشرية ويوم الهداية الكبرى لأن هذا الحدث يمثل بداية رسالة الإسلام التي جاء بها النبي محمد(ص)، والتي غيّرت مجرى التاريخ الإنساني في العديد من الجوانب الروحية، الاجتماعية، والثقافية.

الهداية الروحية: نزول الوحي على النبي(ص) حمل رسالة توحيد الله، والدعوة إلى الإيمان الصادق، والتخلي عن الشرك وعبادة الأصنام، مما أعاد توجيه البشرية نحو الغاية الحقيقية من الوجود.

الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي: جاء الإسلام بمبادئ العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، حيث دعا إلى إلغاء التفرقة الطبقية، ونبذ الظلم، وتعزيز قيم الأخلاق كالصدق، الأمانة، 

لذلك، يعتبر المبعث النبوي الشريف بداية حقبة جديدة للبشرية، حيث انطلقت منها رسالة عالمية تدعو إلى التوحيد، الإصلاح، والرقي الحضاري.
غاية بعثة النبي محمد (ص) هي تحقيق العدل الاجتماعي
ـ هل هناك تلازم بين البعثة النبوية الشريفة ونزول القرآن؟

نعم، هناك تلازم وثيق بين البعثة النبوية الشريفة ونزول القرآن الكريم. فقد ارتبطت البعثة بنزول الوحي، وكان القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى التي أيدت النبي محمد(ص) في دعوته إلى الإسلام.

عندما بُعث النبي محمد(ص) كان ذلك إيذانًا ببدء نزول القرآن الكريم على قلبه عن طريق الوحي جبريل عليه السلام. بدأ ذلك بأول آيات نزلت عليه في غار حراء، وهي قوله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" (العلق: 1-5).
 
ـ یعدّ التحلي بالأخلاق الفاضلة أهم أهداف البعثة النبوية الشریفة كما روي عن النبي(ص) "إنَّما بُعِثتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخلاقِ"، ما هي مسؤولية الأمة الاسلامية لنشر هذه الأخلاق؟
 
إن مسؤولية الأمة الإسلامية في نشر الأخلاق الفاضلة تستند إلى تعاليم الإسلام وسيرة النبي محمد (ص)، وتتمثل في ما يلي:

القدوة الحسنة: أن يكون المسلمون قدوة في أخلاقهم وأفعالهم، بحيث يعكسون القيم الإسلامية كالصدق، الأمانة، الرحمة، والتسامح.

التعليم والتوعية: تعليم الأجيال الناشئة أهمية التحلي بالأخلاق الفاضلة، من خلال المناهج الدراسية، والدروس الدينية، والخطب، والوسائل الإعلامية.

الدعوة إلى الخير: الدعوة إلى مكارم الأخلاق بالحكمة والموعظة الحسنة، كما أمر الله تعالى بذلك في القرآن الكريم: "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" (النحل: 125).

إحياء السيرة النبوية: نشر سيرة النبي (ص) وأخلاقه في التعامل مع الناس بمختلف أطيافهم، وتسليط الضوء على مواقفه التي تظهر عظمته الأخلاقية.

تعزيز الأخلاق في المجتمع: مكافحة الفساد الأخلاقي والالتزام بالقيم الإسلامية في التعاملات الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية.

التفاعل الإيجابي مع الآخرين: نشر الأخلاق الحميدة من خلال التعامل الإيجابي مع المسلمين وغير المسلمين، وإظهار الوجه المشرق للإسلام.

بهذه الجهود المتكاملة، تسهم الأمة الإسلامية في تحقيق هدف البعثة النبوية وتتميم مكارم الأخلاق.
 
ـ إن أهمية المبعث النبوي لا تقتصر على الجانب العقائدي أو الفكري وحسب، وإنما يرتبط بسيادة "العدل" الإلهي الذي أرسى دعائمه النبي(ص) على مدار 23  عاماً منذ يوم مبعثه، ما هو رأيكم؟

رأيي أن هذا الطرح يتناول جانباً جوهرياً من رسالة النبي محمد (ص) وأثر مبعثه في التاريخ الإنساني. فالمبعث النبوي لم يكن مجرد دعوة إلى تصحيح العقيدة أو تقديم رؤية فكرية جديدة، بل كان مشروعاً حضارياً شاملاً هدفه إقامة مجتمع قائم على العدالة الإلهية، التي تشمل مختلف جوانب الحياة: الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، والقضائية.

النبي (ص) خلال ثلاثة وعشرين عاماً لم يكتفِ بنقل الرسالة الإلهية، بل أسّس نظاماً إجتماعياً يسود فيه العدل والمساواة، حيث انتُزع الظلم من جذوره، وأُعيدت الحقوق إلى أهلها، ونُبذت العصبيات الجاهلية. وكانت العدالة الإلهية محور التشريعات التي نظم بها حياة الأفراد والجماعات، مما جعلها أساسًا لصياغة مجتمع متوازن يضمن الكرامة للجميع.

بالتالي، فإن أهمية المبعث النبوي تكمن في شمولية رسالته، التي جمعت بين العقيدة والواقع العملي لإقامة العدالة كقيمة أساسية في حياة الأمة.

ـ  هل يمكن اعتبار ذكرى البعثة النبوية الشريفة نقطة انطلاق الحضارة الإسلامية؟

نعم، يمكن اعتبار ذكرى البعثة النبوية الشريفة نقطة انطلاق الحضارة الإسلامية. فقد كانت البعثة النبوية بداية لتحول جذري في الفكر الإنساني والاجتماعي والثقافي والسياسي والديني في الجزيرة العربية وما بعدها.
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha