ایکنا

IQNA

إعلان الجهاد في مقابر العرب والمسلمين

12:00 - April 11, 2025
رمز الخبر: 3499691
اکنا: سمعنا للتو أن هناك مَن أعلن فتوى الجهاد نصرةً لغزة فلسطين،وأن هناك مَن ردّ هذا الإعلان لانعدام ظروفه ومعطياته وشروطه! وليس لأحد أن يعجب من طنين الجهاد بعد موت الآلاف من أبناء غزة!

وسمعنا للتو أن هناك مَن أعلن فتوى الجهاد نصرةً لغزة فلسطين،وأن هناك مَن ردّ هذا الإعلان لانعدام ظروفه ومعطياته وشروطه! وليس لأحد أن يعجب من طنين الجهاد بعد موت الآلاف من أبناء غزة! فقديمًا هؤلاء لم يتأخروا،لا في أفغانستان،ولا في سوريا،ولا في ليبيا،ولا في العراق،فحيث كانت الفتن كان يعلن الجهاد!وينسخ القرآن الکریم بكل آيات رحمته وعفوه وصفحه! وكأنه مكتوب على أمة العرب والمسلمين أن تتوه في غيابة الجب على أمل البيع بدراهم معدودة!

ويبقى السؤال ملحًا،مَن هم الذين أعلنوا الجهاد،ومَن هم الذين رفضوه حرصًا على الدين والأمة، ورفضًا لاستثمار الدين في السياسة!؟ إننا اليوم نقف إزاء فهم معطى العلمائية في الدين، والأهلية في إعلان الفتوى، فالكل يدّعي وصلًا بليلى، وفلسطين تئِن من جراحات تاريخها! فهي لم تجد هؤلاء يوم دُّنست بأقدام الصهاينة، وها هم اليوم يستيقظون، قبولًا ورفضًا،لفتوى الجهاد أمام هول ما تعيشه غزة فلسطين من موت وجوع وجراح!

موتٌ أخرج أوروبا وأمريكا إلى شوارع الرفض والاعتراض، ونصرةً لغزة دون أن نسمع للعرب والمسلمين صوتًا ولا ركزًا! فالعجب لا ينقضي من إعلان فتوى الجهاد في أمة تستغشي ثيابها، وتفرح بموت أمجادها، وتلبس على نفسها حقيقة ما ينبغي أن يكون عليه جهادها! ومتى كانت فلسطين لا تحتاج إلى فتوى الجهاد والنصرة حتى تصبروا على ثخن جراحها؟ 
 
لقد علمنا من كتاب ربنا،أن الجهاد باب من أبواب الجنة،وكم توجد من الآيات التي تحثّ على الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله ونصرةً للمستضعفين، ودفاعًا عن المظلومين؛ ولكن ماذا عن ظروف الجهاد وشروطه طالما أن مَن يرفض الجهاد يرى أن فقه الإسلام يحدد له شروطًا، ويفرض له معطيات، تكاد تكون منعدمة في الأمة الإسلامية؟ فهل هذه الأسباب وغيرها،هي التي تحول دون فتوى الجهاد،أم أن السياسة الحاكمة هي التي ترفض ذلك؟

اقرأ أيضاً

لا شك في أن الأمة الإسلامية،كما كانت في كل تاريخها،ليست متوفرة على شروط ومواصفات خير أمة أخرجت للناس،لكي تنهض بمهمة الجهاد على النحو الذي يمكّنها من تحقيق نفسها،دينًا ودنيا! وقد جاءت نكبة فلسطين لتزيد من مأساة هذه الأمة، فبدل أن تدافع عن نفسها،وجدناها تتفرّق في دينها،وتُعلي من شأنية طوائفها ومذاهبها وأحزابها!

فلم تحظى فلسطين يومًا باهتمام الفتوى والجهاد، بل كان لها وعليها المزيد من التآمر والضياع،وهنا لا يسعنا إلا أن نذكّر العرب والمسلمين بما قاله الإمام علي(ع) يوم أغار جيش معاوية بن أبي سفيان بقيادة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار،فقتلوا عامل الإمام علي(ع)؛ فخرج الإمام مغضبًا ليعلن عن هذه المأساة، فقال:" لقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المسلمة،والآخرى المعاهدة،فينتزعُ حجلها،وقُلَبِها، وقلائدها،ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام،ثم انصرفوا وافرين ما نال رجل منهم كلم،ولا أريق لهم دم،فلو أن مسلمًا مات من دون هذا أسَفًا ما كان عندي فيه ملومًا،بل كان به عندي جديرًا…".

فهل ما يجري في غزة فلسطين اليوم من إبادة للمسلمين لا يحتاج إلى فتوى الجهاد؟وإذا كان ذلك يحتاج إلى هذه الفتوى،فممن تصدر هذه الفتوى؟فأين هو ولي الأمر الذي له سلطة الأمر والنهي؟ وأين هي الأمة التي تستوعب معنى الجهاد ،وترى فيه بابًا للجنة والخلاص من أسر المعتدين؟ إن الأمة التي لا تقرأ القرآن إلا على الأموات في مقابر المسلمين،وتعمل على تهجير ذاتها في لسانه العربي المبين،وتمتنع عن أن يكون لها وصال الحق مع رب العالمين.

فهذه الأمة تبقى غريبة عن حقها،ومسلوبة الإرادة في موقفها؛ فلا ينفعها أن تكون أمةً مجاهدةً في سبيل ربها،فكل شيء غائب عنها،ولهذا هي تُغزى من كل اتجاه،وتقتل في كل مكان،وتنهب ثرواتها،وتدّنس مقدساتها! ثم يأتي مَن يعلن الجهاد،أو يرفضه،لكونه غير مستوفٍ للشروط!فإذا كان مقتل شخص في فقه علي بن أبي طالب(ع)، قد استوجب أن يموت الناس أسفًا وكمدًا،ودفاعًا عن حياض المسلمين،فكيف لم يحرك ما يجري في غزة فلسطين ساكنًا في حياتهم،فهم يأكلون، ويشربون،ويعقدون القمم،دون أن يكون لهم موقف نصرة حقيقي لأهل فلسطين!

إنه العجب العجاب،أن نختلف حول فتوى الجهاد في الوقت الذي يُباد فيه الشعب الفلسطيني! نعم،لقد فرغت الأمة من نصب الحياة،واجتالتها السلاطين عن دينها،لتكون قبورًا تبعث على اليأس في لحظة الجهاد،فلتبق هذه الأمة على ما عهدته لنفسها من قرآن متلوٍ على أحيائها قبل أمواتها،وعلى غربة عباداتها في كل ما تؤديه من سكون في محاريبها!

إن الأمة التي تأخرت عن نصرة فلسطين،هي أمةٌ مرهونةُ بأعمالها،ومأخوذةٌ بأثامها، فلا غرابة أن تختلف حول جدوى الجهاد وتسويغاته طالما أنها لا تملك لنفسها أمرًا ولا نهياً،إذ إن هذه الأمة لم تزل منذ كتبت تاريخها تعاني من غربة ذاتها،وستبقى فلسطين حجة الله الدامغة على مَن تخلف عنها،سلمًا وحربًا،قولًا وفعلًا،موتًا وحياةً،ففلسطين هي كل أمجاد الأمة،بل هي كل دينها،فمن انتصر  لفلسطين،كان له حق الحياة،وحق الجهاد،ومَن تخلف عنها،فلن تنفعه فتاوى الموت في مقابر العرب والمسلمين !؟

بقلم أ.د.فرح موسى: رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

captcha