
وقد أُطلقت يد
الكيان الصهيوني لضرب ما يسمونه بأذرع إيران في المنطقة، على أن يكون ذلك هو المقدمة لمحاصرة إيران! وليس من المبالغة القول: إن هذه القوى المستعمرة استثمرت في كل شيء لإسقاط النظام الإسلامي في إيران، بدءًا من الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات من القرن الماضي، واستمر ذلك بمحاصرة إيران من خلال غزو أفغانستان والعراق،فضلًا عن العقوبات التي لا تزال مفروضةً حتى اليوم بمسوغات الملف النووي،ودعم قوى المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني، ونصرة
القضية الفلسطينية، وغير ذلك مما يرى فيه الغرب والكيان الصهيوني خطرًا على مصالحه!
فإشكالية الصراع،كما ترى مراكز البحوث الاستراتيجية،لا تكمن في كون إيران تسعى لامتلاك السلاح النووي،وإنما في مدّها يد العون للقوى المقاومة ونصرة القضية الفلسطينية،ولهذا السبب وحده تستهدف إيران التي سبق لها أن أبرمت اتفاقًا نوويًا مع الغرب،وقد أُسقط هذا الاتفاق بضغط من القوى الصهيونية في أمريكا!
فالإشكالية تكمن هنا أن الغرب يريد تطويع النظام الإسلامي في إيران،لكونه يحمل مشروعًا تحرريًا مستقلًا عن القوى الغربية،بخلاف ما يزعمه الغرب من أن إيران باتت تشكل تهديدًا نوويًا،فهذا ذرْ للرماد في العيون،ويراد به التأثير على الرأي العام العالمي،وقد سبق لهذه القوى الاستعمارية أن سوّغت لنفسها احتلال العراق بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل!
إقرأ أيضاً
فإيران تعي جيدًا،مثلما تعي دول كبرى أخرى أن المشكلة ليست كامنة في الملف النووي، وإنما في تقليص ما يراه الغرب من نفوذ لإيران في الإقليم،وهذا ما تبدى واضحًا من الحرب على قوى المقاومة في غزة ولبنان وسوريا بهدف التأثير على إيران،وحملها على التراجع والانحصار عن مساحة النفوذ.
ولكن ما جرى في حروب الإسناد أثبت أن شعوب المنطقة استمرت في الحرب ولم تخضع للشروط الغربية،وكانت النتيجة المزيد من الحصار على الكيان الصهيوني! إذًا المطلوب هو إسقاط النظام الإسلامي في إيران،وليس منع إيران من امتلاك السلاح النووي،وهذا ما أوضحه قائد الثورة الاسلامية في إيران أن أمريكا لا تستطيع منع إيران من إنتاج السلاح النووي فيما لو أرادت ذلك، ولكنها لا تريده لأسباب خاصة بها.
وانطلاقًا من ذلك، نرى أن الشرق الأوسط يعيش مرحلة حرجة من الصراع تفتعلها أمريكا خدمةً للمشروع الصهيوني،ولهذا نجدها تتمادى في تغذية الصراع،وترسل الرسائل السلبية،وتمارس أقصى الضغوط لأجل استيعاب النفوذ الإيراني،ظنًا منها أن ذلك قد يجدي نفعًا في التأثير على الرأي العام الإيراني!
فأمريكا تحاول وضع إيران بين خيارين،بين الحرب أو التنازل عن قوتها الدفاعية، وقد أظهرت إيران ردة فعلها على رسائل التهديد بأنها قوية بما يكفي لمواجهة العدوان،ولربما نجد الغرب بأدواته المختلفة يختار الحرب في الأيام المقبلة،ولكن لا شيء يضمن له الانتصار فيها،ولو أن الحرب كانت له خيارًا سهلًا ومتاحًا لما فاوض إيران لعقود من الزمن إلا أن ظروف المرحلة والصمود الهائل لقوى المقاومة جعل القوى المستعمرة تتحسّب لمزيد من التحولات المقلقة،كون الجبهة اليمنية تضاعف من هواجس الأعداء وتجعلهم على قلق مستمر في مواجهة الأحداث!
فإيران،كما بيّنت مرارًا أنها لا تريد الحرب؛ ولكنها لا تخشاها لما تملكه من قوة لمواجهة الأعداء،ولكن يبقى السؤال ماذا لو فتحت إيران أبواب الجحيم على الكيان الصهيوني ومصالح الغرب في المنطقة، طالما هم عجزوا عن مواجهة اليمن في البحر الأحمر،ولم تتمكن كل وسائل الدفاع الجوي من التصدي للصواريخ اليمنية؟ فما هي وسيلة الغرب لتثبيت وجوده وحماية مصالحه فيما لو امتدت الحرب على مساحة ملايين الكيلو مترات المربعة في الشرق الأوسط؟
نعم، قد يكون من نتائج الحرب تظهير جبهات من نوع آخر يمكن للأعداء أن يستثمروا فيها لمواجهة محور المقاومة،اعتمادًا منهم على أبواق الطائفية والمذهبية،وهذا ما تسعى له أمريكا وإسرائيل تحت مسمى"ممر داود"،في مقابل المد المقاوم من باب المندب إلى مضيق هرمز وبحر عمان الذي يشهد اليوم مناورات لدول تجمع بينها المصالح الاستراتيجية في مواجهة القوى المستعمرة.
إن إخفاق الغرب في حربه الجديدة ضد إيران من شأنه إخراج الحرب عن نطاقها،لتكون بين الدول الكبرى،ولا أحد يمكنه التكهن بمآلات الأحداث ومساراتها،وقد أجمع خبراء الاقتصاد على أن حرب الشرق الأوسط فيما لو وقعت،ستكون حربًا اقتصاديةً بالدرجة الأولى ما قد يتيح لكل الدول أن تشارك فيها دفاعًا عن مصالها.
فإذا كانت أمريكا عازمة على هذه الحرب،فإن الرسائل قد وصلتها من بحر عمان وباب المندب ولم يتبق إلا أن تخرج نيران الشرق لتحرق كل طاغٍ متجبر!؟إن ما صرح به الرئيس الإيراني في رده على تهديدات الرئيس الأمريكي:"إفعل ما تريد"،ليس مجرد كلام سياسي،أو دبلوماسي،وإنما هو تعبير عن استعداد مطلق وتهيئة لظروف حرب جديدة تنتظر العالم!
وإذا أراد "ترامب"أن يفعل ما يريد،فما عليه إلا أن يستعين بتجارب الحروب والضغوط على إيران طيلة العقود الماضية،لعله يهتدي إلى ما ينبغي فعله.فالحرب قد يبدأ بها الصهاينة،ولكنهم سيكونون أولى ضحاياها رغم كل ما قد ينشأ عنها من تحولات وترهلات مذهبية وطائفية!
ومَن لا يسمع دوي الحرب الكبرى،فهو أصم،نظرًا لما يعنيه الشرق الأوسط من مصالح استراتيجية كلها تفرض على القوى العالمية أن تكون شريكة فيها!فالتاريخ الديني والسياسي وتجارب البشر،كل ذلك يعلمنا أن منتهى الصراعات والتحولات التي تنشأ عن غبار الحروب،تنعكس على معطيات الوقائع الدينية والسياسية المعاشة في الشرق الأوسط،وذلك من منطلق أن شعوب المنطقة منقسمة على نفسها دينيًا وسياسيًا،وقابلة لأن تُستوعب في أتون الفتن في واقع كونها ملتبسة في خياراتها،ومأخوذة بتنازعها على الدين والدنيا!
فالحق لم يعد خافيًا على أحدٍ،ولكن من شدة العماء أصبح الكثيرون يصدقون أن الشمس غير موجودة،رغم أنهم يتحسّسون حرارتها في لحظة العماء عن ضيائها!؟ أليست فلسطين والقدس من هذا الحق،فلماذا نختلف عليه،ولا نموت دونه؟ فإذا كانت الحرب النووية هي آخر المطاف، فإن الحروب الدينية،هي الوريثةُ لكل جهل وبلاء على امتداد ما يتبقى من سفن الشحناء والبغضاء! فلننتظر صدى رسائل الطواغيت في بلاد أعزها الله بنصرة الإسلام والمسلمين.والحمد لله رب العالمين.
بقلم أ.د.فرح موسى: رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: