ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة..

مَنْ لَمْ يَتَّعِظْ بِالنَّاسِ وَعَظَ اللَّهُ النَّاسَ بِهِ

21:17 - May 03, 2025
رمز الخبر: 3499997
إن الاتعاظ بالناس يعني التعلُّم مِمّا جرى عليهم، والافادة من تجاربهم الأمر الذي يمنع الانسان من تكرار تجربتهم وحصد نفس النتائج، أما إذا لم يتعظ بالناس فمن المؤكدأن يقع في نفس الأخطاء التي وقعوا فيها فيصبح هو الذي يتعظ الناس مِمّا جرى عليه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ لَمْ يَتَّعِظْ بِالنَّاسِ وَعَظَ اللَّهُ النَّاسَ بِهِ".
 
معادلة واضحة: إن لم نتعظ بما جرى على الناس وعظ الله الناس بما يجري علينا، فالحياة الإنسانية مليئة بالمواعظ، في كل تجربة يخوضها إنسان موعظة مُلهِمة موقِظة، وعلى كل فرد من بني الإنسان أن يكون نبيهاً يَقِظاً يلتقط الإشارات التي تبثها تجارب الآخرين وأحوالهم ويتعلّم منها، فالذي لا يتعلم من أخطاء وتجارب الآخرين، سيصبح هو نفسه عبرةً لهم، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى يجعل من هذا الشخص مثالًا يُتعظ به بسبب عواقب أفعاله.

الموعظة هي: التذكير المَقرون بالرغبة والرهبة، الذي يلين القلوب، ويؤثِّر في النفوس، وتتجلّى في النُصح، والإرشاد، والتذكير بالواجبات، والدعوة إلى السِّيرة الصَّالحة، والزجر، والترهيب المترتب على الاعتبار بمن حلَّت بهم المَصائب، والعبرة، والحكمة التي تُستنتج من حادثة ما.
 
وتكون الموعظة بالقَول تارة: ومنه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿يونس: 57﴾. ففي القرآن العبرة والموعظة، بما يعرِض من دلائل قدرة الله، وما يكشف من آثار رحمته ولطفه، وفي القرآن الشفاء لما في الصدور من عمىً وضلال، وذلك لما في آياته من أنوار المعرفة التي تهدي الضالين، وترشد الحائرين، وتكشف للناس جميعاً الطريق إلى الله.

ومنه قوله تعالى: ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴿النحل: 125﴾. فهذا أمر من الله لرسوله الأكرم (ص) ولكل تابعيه أن يدعو الناس إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، التي تدخل إلى القلوب برفق، وتمتزج بالمشاعر بلطف، لا بالزجر والتأنيب في غير موجب، فإن الرفق في الموعظة كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة، ويأتي بخير من التأنيب والتوبيخ.
 
وتكون الموعظة تارة أخرى بالوقائع، وما جرى ويجري على الناس من أحداث، وما يكون منهم من نجاح أو فشل، واهتداء وضلال، وتقدَّم وتقهقر، قال تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿137﴾ هَٰذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴿آل عمران: 138﴾. 
 
لقد أصاب المسلمين القرح والقتل والهزيمة في معركة أُحُدٍ، قُتِل منهم سبعون صحابيا، وكُسِرَت رباعية الرسول (ص) وشُجَّ وجهه الشريف، وأُثخِنَ أصحابه بالجراح، وكان من نتائج هذا كله صدمة لعلها لم تكن متوقعة بعد النصر العجيب في معركة بدر، حتى قال المسلمون حين أصابهم ما أصابهم: أَنّى هذا؟! كيفَ نُقتَل ولا يدفع الله عنا، وكيف ننهزم ولا ينصرنا؟!

 لكن الله تعالى ردَّ عليهم بأن هذا من سُنَنِ الله في الصراع بين الحق والباطل، وأنهم ليسوا بِدعاً في الحياة، فالقوانين التي تحكم الحياة جارية لا تتخلف، فإذا هم درسوها، وأدركوا مغازيها، تكشفت لهم الحكمة من وراء الأحداث، واستشرفوا خط سيرهم على ضوء ما كان، ولم يعتمدوا على مجرد كونهم مسلمين، لينالوا النصر بدون الأخذ بأسباب النصر، وفي أولها طاعة الله وطاعة الرسول(ص).
 
إن انتصار المشركين في معركة أُحُدٍ ليس هو السُّنَّة الثابتة، إنما هو حادث عابر، فإن يكن أصابتهم جراح وآلام فقد أصاب المشركين مثلها في المعركة ذاتها، وإنما هنالك حكمة وراء ما وقع يكشف لهم عنها: حكمة تمييز الناس، وتمحيص القلوب، وإذن فهي الحكمة العليا من وراء الأحداث كلها سواء كانت هي النصر أو هي الهزيمة.
 
لقد جرت سُنَنُ الله فيمن سبقهم ممن كذّبوا وأعرضوا وظلموا، فكانت عاقبتهم السوء والمحق، وذهاب الدولة منهم وانتقالها إلى غيرهم، والله يأمر المسلمين بالاتعاظ من هؤلاء ومِما كان لهم حين كانوا على الصراط السوي وما حدث لهم حين انحرفوا وظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم، والقرآن الكريم يربط ماضي البشرية بحاضرها، وحاضرها بماضيها، فيشير من خلال ذلك كله إلى مستقبلها، فما جرى للمكذبين بالأمس سيجري مثله للمكذبين اليوم وغداً، وفي هذا، هذا الذي حدث وجرى، ويحدث ويجري موعظة وعبرة.

خلاصة القول: إن الاتعاظ بالناس يعني التعلُّم مِمّا جرى عليهم، والافادة من تجاربهم الأمر الذي يمنع الانسان من تكرار تجربتهم وحصد نفس النتائج، أما إذا لم يتعظ بالناس فمن المؤكدأن يقع في نفس الأخطاء التي وقعوا فيها فيصبح هو الذي يتعظ الناس مِمّا جرى عليه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
 
captcha