ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة....

القرآن يؤكِّد أن التكريم الإلهي مرتبط بالعقل والروح لا بالجسد

11:47 - May 08, 2025
رمز الخبر: 3500048
بيروت ـ إکنا: إن القرآن الكريم يؤكِّد هذا المضمون، ويحذّر الإنسان من الاستغراق في ملذاته الحيوانية، ويبيّن أن التكريم الإلهي مرتبط بالعقل والروح لا بالجسد.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ كانَتْ هِمَّتُهُ ما يَدْخُلُ في بَطْنِه كانَتْ قيمَتُهُ ما يَخْرُجُ مِنْهُ" .

معادلة مُلهِمَةٌ تربط بين هِمَّة الإنسان وبين قيمته، و "قِيْمَةُ المَرْءِ بِهِمَتِهِ لا بِقِنْيَتِهِ" كما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع)أي أن قيمته تتأتى من أهدافه وغاياته لا مِمّا يحوزه ويقتنيه، فقد يحوز مالاً كثيراً وتكون أهدافه وضيعة، وقد يقتني ما غلا ثمنه من المقتنيات وتكون غاياته سخيفة، وقد يأكل ما لَذَّ وطابَ وندُرَ من الطعام وتقتصرغايته على ذلك فيكون كما قال الإمام أمير المؤمنين في رسالته إلى عثمان بن حُنَيف الأنصاري: "فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُوعَمَّا يُرَادُ بِهَا".
 
هذه المعادلة تكشف لنا عن ميزان الكرامة الإنسانية بين من يسمو بروحه وهمّته وغاياته، ومن ينحدر إلى أسفل دركات الانشغال بالشهوة الحيوانية، ومن أعظم الشهوات التي قد تستعبد الإنسان هي شهوة الطعام، فحين تصبح هي شغله الشاغل، تنعكس على قيمته الأخلاقية والروحية والاجتماعية. 

إقرأ أيضاً:

من جعل همّه الأكبر في هذه الحياة ما يأكله ويشربه، ولم يَسْمُ بطموحه وتفكيره إلى الغايات الرفيعة، فإنه ينحدر إلى مستوى أحقر مما يخرج من جسده، وهو "الغائط" أكرمكم الله، فيكون في الميزان المعنوي كالحيوان في اهتماماته، بل هو أحط منه، تكون قيمته عند الله والناس لا تزيد عن مخلفات ذلك الطعام.
 
القرآن الكريم يؤكِّد هذا المضمون، ويحذّر الإنسان من الاستغراق في ملذاته الحيوانية، ويبيّن أن التكريم الإلهي مرتبط بالعقل والروح لا بالجسد، ومن ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴿محمد 12﴾ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يتمتَّعون في الأرض بلا شك، ويأكلون من أطيب الطعام وألَذِّه، ولكنهم يعملون الصالحات، يعملوها للدنيا ويعملوها للآخرة، فهم أصحاب هِمَم عالية وغايات سامية، يطمحون إلى غاية الغايات وهي نصيبهم الذي يتلقونه من يد الله في جنات تجري من تحتها الأنهار، وهو نصيب عُلوي رفيع، يتلقونه جزاء على الإيمان والصلاح، متناسقا في رفعته وكرامته مع الارتفاع المنطلق من الإيمان والصلاح، ومتسقاً مع كرامتهم التي أكرم الله الإنسان بها.

فأما الذين كفروا فهَمُّهم الأكل، همُّهم ما يملأ أمعاءهم من الطعام، الأكل الحيواني الشره، بلا تعفُّف عن جميل أو قبيح، إنه المتاع الذي لا ضابط له من إرادة ولا من اختيار، والحيوانية تتحقق في المتاع والأكل، هكذا هو الحيوان يعيش ليأكل، ويُنجِب.

الفارق الرئيسي بين الإنسان والحيوان: أن للإنسان إرادة وهدفاً وهِمَّة عالية وفهماً خاصاً للحياة يقوم على أصولها الصحيحة، المتلقاة من الله خالق الحياة، لذلك تطوَّر، وتقدَّم، ولذلك كان جديراً بمقام الخلافة عن الله في الأرض، فإذا فقد هذا كله، فقد أهم خصائص الإنسان المميزة لجنسه، وأهم المزايا التي من أجلها كرمه الله.
 
وجاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: "المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعَاءٍ واحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أمْعَاءٍ" أي أن المؤمن يأكل ليغذّي بدنه، ويقويه، ويقيم أوَدَه، فالغاية عنده أبعد من الطعام، فأما الكافر والمراد منه هنا الإنسان الدنيوي فإنه يأكل شهوة، كما يأكل الحيوان، يأكل لمجرّد الأكل.

الإنسان الذي ينشغل فقط بمأكله ومشربه، يتحول إلى كائن استهلاكي، يريد أن يلتهم كل ما يرغب به، فيستهلك ما هو زائد عن حاجته، وقد يدعوه نهمه بالطعام إلى أن لا يُبالي بنظرة الناس إليه وقولهم فيه، إذ لا يفكر إلا في لذته الخاصة، فيفقد إنسانيته، ويحقِّر نفسه، ويُستَعبَد بسهولة من قبل الطغاة والتجّار عبر إغرائه بالطعام، وقد يحمله نهمه بالطعام إلى الكذب واختلاق الإفك، ولقد شهد التاريخ ظواهر من هذا النوع، وقد ابتُلِيَ الإسلام بعد ارتحال رسول الله (ص) إلى الله ببعض الرّواة الذين كانوا يختلقون روايات وينسبوها إليه (ص) رغبة في الحصول على طعام يشتهونه، وقد ألف أحد علماء الأزهر الشريف كتاباً عن أحدهم في هذا المجال.

إن الذي يريد أن يرتقي بإنسانيته، يشغل نفسه بغايات سامية، ويضبط شهوتها، ويتسامى عن أن يكون همه ما يملأ أمعاءه، فلا يكون عبداً لبطنه، لا يأكل إلا حين يجوع، ويقوم عن طعامه وهو يشتهيه.
 
معادلة: "مَنْ كانَتْ هِمَّتُهُ ما يَدْخُلُ في بَطْنِه كانَتْ قيمَتُهُ ما يَخْرُجُ مِنْهُ" قاعدة تبني علاقة الإنسان بطموحاته وموقعه عند الله وعند الناس، فلا كرامة لمن انشغل بمعدته، ولا رفعة لمن عبد شهوته، والنجاة إنما تكون لمن تجاوز هذه الغرائز، وجعل من همته سبيلاً للغايات الإنسانية السامية.

بقلم الباحث والكاتب في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha