وكانت العزيمةُ أن تعبر السفن والحاملات البحرين العربي والأحمر، ويعود باب المندب إلى سابق عهده يعزفُ بأمواجه وخرير مائه أنشودة الفخر الأمريكي على أبواب شرق أوسط جديد! ولكنّ الرياح جرت بما لا تشتهي السفن؛ فعادت أمريكا تنفض غبار الهواء،وبلل الماء عن كاهلها، معلنةً هدوء العاصفة، وثقل الهمة،وشجاعة اليمن!
نعم،لم يمت العرب والمسلمون قبل أن يسمعوا ضجيج فلسطين في أعالي البحار والمحيطات بعد أن ظنوا خفوت الصوت في البوادي والقفار! فها هي أمريكا تشهد لفلسطين في اليمن، وتقر بعجزها عن مواصلة الحرب مع كل ما يعنيه ذلك من تسليم لليمن بحق النصرة لفلسطين وعروبة الأمجاد،حيث طابت للعرب مساكن سبإٍ والعرش العظيم!
فهل كان العرب والمسلمون بحاجة إلى مثل هذه الشهادة من طواغيت العالم حتى يصدّقوا مقالة ربهم عن البأس الشديد لليمن العزيز؟ أم أنه غرب عن بالهم ما حق لليمن من أوصاف خصّها الله بهم من لدُن الغيب يوم أعلى الله رايتهم بأنهم:"أذلةٍعلى المؤمنين،أعزةٍ على الكافرين،ويجاهدون في سبيل الله،لا يخافون لومة لائم،ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،والله واسع عليم؟"
هل درى العرب والمسلمون حقيقة ما تفيده النكرة في سياق النفي في اللسان العربي؟ فأهل اليمن،كما قال الله تعالى عنهم:"لا يخافون لومة لائم.."،ويخوضون لجج البحار، لتكون لهم شجاعة الموقف في نصرة الحق وفلسطين.
إقرأ أيضاً:
ليس من عجب أبدًا أن يسمع العرب والمسلمون مفاخر المجد العربي ممن أغرقتهم بحار اليمن خوفًا ورعبًا،فاختاروا شهادة الحق لرجال سبقت لهم شهادة أنفسهم،بقولهم لملكة بلادهم بلقيس ،كما قال تعالى:"نحن أولو قوة،وأولو بأس شديد،والأمر إليك،فانظري ماذا تأمرين.."!فهذه شهادةُ حق يسجلها القرآن الكريم من عمق التاريخ لأهل اليمن؛فإذا سمعنا بهذه الشهادة من الرئيس الأمريكي،فلا ينبغي أن نصاب بالذهول،أو نستغشي الثياب حياءً وندوبًا!
لقد أنبأنا اللطيف الخبير،رب العالمين،أن أمجاد الشعوب لا تطويها السنون،ولا تحول دونها الظنون،فكل شيء قابل للنطق بشجاعة اليمن إلا أن يكون الأبكم عربيًا،والأصم أعجميًا!دعونا أيها العرب من أحاديث الرواة،وسجلوا على أنفسكم أنكم سمعتم وتحقق أمامكم، كيف حدث الانفصال بين الأعداء في خيارات الحرب على اليمن! وأنتم تعرفون إلى حد اليقين،أن الحرب لو استمرت لسنوات،لما كان ذلك ليؤثر على قرار اليمن في النصرة للمظلومين في فلسطين!وهذا ما ظهّرتهُ الحرب للأعداء،وجعلتهم يخرجون منها على بقية من الهيبة والقوة!
فلم يعد أمام الغرب والشرق،أمام الصديق والعدو،لم يعد أمامهم جميعًا سوى التسليم بضرورة أن ينتهي حصار غزة وفلسطين لتفرج على العدو أجواءه،وتفتح عليه أبواب رزقه،سواء في البحر أو في الجو!
فالعرب والمسلمون اليوم أمامهم فرصة أن يسمعوا لقول ربهم قبل عدوهم حتى لا يكونوا في عداد الموتى! الله يقول:"إنما يستجيب الذين يسمعون،والموتى يبعثهم الله.". فإذا كانت أمريكا تشهد من قلب طغيانها وعداوتها بأن اليمن يملك إرادة النصرة للحق وفلسطين،فما بال الأعراب يسكتون،ولا ينبسون بحق،وهم في الطريق إلى رؤية الشهادة عيانًا وهوانًا ممن استبقهم إليها،وراق له الافتخار بها على مرأى ومسمع العالم كله!
فأمريكا لم تستحِ من إعلان بؤسها،وعدوانية حربها،ورأت كرهًا أن تجرّ أذيال خيبتها؛فلا عجب أن يكون لفلسطين واليمن ولكل أحرار الأمة نسائم عربية وإسلامية، تُخرج هذه الأمة من كمه عماها!،وتنصف الحق العربي في فلسطين والقدس.
ذلكم هو معنى أن نشهد للحق في نصرة فلسطين،وأن نسمع لشهادة الأعداء،طوعًا وكرهًا،في ما يخصّ رجال هذه الأمة،سواء في اليمن،أو في غيره!فالأمة تنطوي على كثير من الرجال،وهم أقرب للظهور في حلبة الصراع من سحرة فرعون في وسط عنفوان أكذوبة سحره،ووهم عزته! فلننتظر أولي البأس الشديد على كل مفترق وطريق،علّنا نشهد لأمتنا أمجادها في لحظات العز واليقين!فاليمن هو بداية الطريق،وها هي علائمهُ تنذر بالمزيد على أبواب فلسطين. وكذلك شهادة الأعداء،فهي لن تنقضي قبل أن يُبصر العميان ما فاتهم من حقوق الله تعالى والناس في القدس وفلسطين.
بقلم أ.د.فرح موسى؛ رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان