
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ سَلَّ سَيْفَ الْعُدْوانِ سُلِبَ عِزَّ السُّلْطانِ".
معادلة تقوم على الربط بين العدوان على الآخرين وبين سلب قدرة المعتدي وذهاب سلطانه، وهذه عاقبة وخيمة، ونتيجة صادمة لا يتوقعها الظالم الباغي، فإنه يلجأ إلى الظلم، ويَسِلُّ سيف العدوان ليحمي سلطانه، فإذا بهذا العدوان نفسه يسلبه إياه، وإذا بهذا العدوان نفسه يُحيله صاغراً ذليلاً مُهاناً، وهذه نتيجة طبيعية، تمضي على سُنَّة الله في مجازاة المعتدين الظالمين، حيث يأخذهم الله تعالى بظلمهم أخذ عزيز مقتدر، أي يجعل من ظلمهم سبباً لهلاكهم وذهاب سلطانهم، ولئن تركهم بعض الوقت على رَسْلِهم يظلمون ويعتدون فليس لأنه غافل عنهم، وليس لأنه راضٍ بأفعالهم، وليس لأنهم عاجز عن أخذهم والانتقام منهم، بل لأنه يُملي لهم ليزدادوا ظلماً وعُتُواً حتى يأتيهم الهلاك المُبرم، الذي لا يرجعون بعده إلى ما كانوا عليه، أو يصبحوا مجرد خبر من الأخبار، وعِبرة لمن يعتبر.
إن تأخير معاقبتهم مع بقائهم على عدوانهم، أشبه ما يكون بمن يُترك وشأنه يخوض في بحر متلاطم الموج، ليغرق فيه لا ينقذه أحد، أو برجل يحفر حفيرة كلما مرَّ عليه يوم زاد في عمقها حتى يعجز عن الخروج منها، فلا حبلَ يُمَّد له ليخرجه منها، ولا طعام له فيها ولا ماء، فيموت بسبب ما اقترفته يداه.
تلك هي سُنَّة الله في أخذه للظالمين المعتدين، كلما أمعنوا في الظلم والطغيان فقدوا بقدر ذلك العزَ والسلطان، وكلما أمعنوا في القهر والاستبداد كلما أحكموا شدَّ الحبل على رقابهم، حتى يقتلوا أنفسهم باختيارهم.
لم يكن العدوان يوماً من الأيام سبباً لراحة، ولم يكن الظلم يوماً من الأيام سبباً لثبات الحكم، بل كانا مدعاة لقلق دائم، وخوف متواصل مِمّا قد تأتي به الأيام، وقد تأتيهم الأيام بما لم يخطر على بالهم من الهَوان، وقد يأتيهم العذاب من حيث لم يحتسبوا، وقد يُنهي سلطانهم بأسباب غير متوقَّعة حتى من قبل المتخصصين والخبراء والباحثين.
وإذاً: لا يمكن للظالم المعتدي أن ينأى بنفسه عن تَبِعات ظلمه، ذلك مستحيل، لأنه ما من عمل أو قول أو خيار إلا وله أثره وتداعياته في الدنيا قبل الآخرة، وأثر الظلم والعدوان والجَور والطغيان من أعظم الآثار، وعواقب ذلك من أسوأ العواقب، وإنها لا تقتصر على الظالم نفسه، بل تتسع لتطال الدائرة القريبة منه، بل وحتى البعيدة عنه، لقد جاء في الحديث عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال: "مَنْ ظَلَمَ مَظْلِمَةً أُخِذَ بِهَا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وُلْدِهِ"
إن العقاب الذي يعاقَب به الظالم قائم حتماً، وان اختلفت صوره، فقد يكون زوال سلطانه وهذا ما يحدث غالباً، فما من ظالم جار واستطال وظلم عباد الله إلا وأخذه الله في النهاية أخذة رابية، وقد يكون زوال مال، وكم نرى ناهبين ظالمين افتقروا بعد ثراء، وأفلسوا بعد غَناء، وقد يكون إصابة بمرض عُضال يعجز عنه الأطباء ويدوم، وتدوم معه الأوجاع والآلام، وقد يكون في أولاد ينقِمون عليه، ويبذِّرون ماله هنا وهناك، وقد يكون في صورة هموم وغموم لا تغمض معها الجفون، ولا تَقَرُّ معها العيون.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي