
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ يَكُنِ اللّهُ نَصيرَهُ يَغلِبْ خَصْمَهُ وَيَكُنْ لَهُ حِزْباً".
معادلة: من ينصر الله ينصره الله، ويعزِّه، ويؤيده، ويقوّي حجَّته، ويكن له حزباً وجماعة يستغني بهما عن كل جماعة، فيغلب خصمه، ويظهر عليه، وينال منه مراده.
هذه المعادلة تُجسِّد ضمان الله النصر لمن نصره، وتبيّن أنّ من اتّخذ اللهَ وليّاً لا يضرّه خصمه، بل ينقض الله حجَّة عدوه وخصمه، ويُزهِق باطله، ويُظهر حقَّ وَلِيِّهِ، ويرفع مقامه في الدنيا وفي الآخرة.
قال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿المجادلة:21﴾ هذا هو وعد الله لرُسُله وعباده الذين ينتصرون له ولدينه وقِيَمه وعِباده، وهو وعد غير مكذوب، وقضاء نافذ، أن تكون لهم الغلبة على من يحاربهم ويخاصمهم وينكر حقَّهم، وأن العاقبة دائماً للحق والمدافعين عنه، وإن ضاقت بالحق وأهله السُّبُل، وتراكمت الأزمات، فذلك الضيق إلى سَعة، وهذه الأزمات إلى انفراج بإذن الله وقضائه ووعده، والمؤمن يتعامل مع وعد الله على أنه الحقيقة الواقعة حتماً، فإذا كان الواقع الحاضر يخالف تلك الحقيقة، فهذا الواقع هو الباطل الزائل، الذي يوجد فترة في الأرض لِحِكمة خاصة، ولأسباب قد تكون لها صلة بالجماعة المؤمنة من حيث اكتمال الإعداد والاستعداد.
إقرأ أيضاً:
والغَلَبة التي وعدهم الله بها غلبة مطلقة، تشمل غلبة حجتهم على حجة أعدائهم، وغلبتهم المادية بالانتصار عليهم في ميادين الحرب والصراع، بما يؤيدهم الله ويمدُّهم به من مَدَد غيبي، من تثبيت الملائكة لهم، وإلقاء الرُّعب في قلوب أعدائهم، وإنزال العذاب عليهم.
وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ﴿171﴾ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ﴿171﴾ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴿الصافّات: 173﴾ وهذا تأكيد آخر للوعد الذي سبق، وعد الله بنصر رُسُله وعباده وتأييدهم، وأن الصراع الدائر بينهم وبين أعدائهم سينتهي آخر الأمر بنصر الله لهم، تلك هي سُنَّة الله، وكلمته التي سبقت وحُتِمَت، وأن جُندَه وهم المؤمنون غالبون غلبة ظاهرة بَيِّنة، وأن الجولة النهائية ستكون لهم على أعدائهم، ولو كانوا الآن ضعفاء، أو أُصيبوا بانتكاسة، أو نال العدو منهم نَيلاً، فإنهم موقنون من أن النصر حليفهم، وأن ما وعدهم الله به آتٍ لهم، ما داموا هم ينصرون الله، ويؤدّون تكليفهم الذي كلَّفهم به، فهم ينتظرون ذلك بشوق ويقين، ويستمدون من وعد الله لهم قوة معنوية وروحية عظيمة، تُثبِّتهم أمام عواصف الصراع مع الباطل وأهله، وتزرع في نفوسهم الحماسة والإقدام، والنشاط والحيوية.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴿7﴾ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴿محمد: 8﴾ تؤكد الآية الأولى ما ذكرته الآيتان السابقتان، وهي تذكر قضية شرطية، شرطها الأول أن ينصر المؤمنون الله، وجواب الشرط أن ينصرهم الله ويثبت أقدامهم، ومما لا شك فيه أن المؤمنين الذين يقاتلون الطاغوت وينصرون المستضعفين امتثالاً لأمر الله إنما ينصرونه بذلك، فهم جنده من البشر كما أن الملائكة جُنده، المؤمنون ينصرونه تعالى حين ينتصروا لدينه وعِباده، والله يمنحهم النصر بما يمدهم من أسبابه الممكنة لهم، لأن النصر بيده سبحانه.
أما أولئك الطغاة الظالمون المستكبرون فإن الله يُضِلُّ أعمالهم، ويُبطل كيدهم، ويدمِّر بنيانهم ولو بعد حين، بل يستدرجهم إلى الدمار بارتكاب المزيد من الظلم حتى يحيق الظلم بهم أنفسهم فيكون دمارهم شاملاً لا حياة بعده، ويُنزِلُهم منازل البوار والتَّعْسِ.
إن القرآن الكريم يؤكد في مواضع عديدة هذه السُّنَّة سُنَّة نصره لعباده المؤمنين يؤكدها بالآيات تارة، وبإيراد الوقائع التاريخية تارة أخرى، يذكر فيها ما واجهه رُسُله وأنبياؤه وعباده الصالحون من تحديات وما اجتازوه من أزمات، وما حققوه من انتصارات كانت لهم منه تعالى.
من المؤكِّد قارئي الكريم أنك تسأل: إذا كان الله ينصر عباده المؤمنين فلماذا نراهم يهزمون في بعض الأحيان؟
والجواب لا تتسع له هذه المقالة لذلك أقول: إن الهزيمة ليست دائماً أن يُقتَل المؤمنون وقادتهم، والانتصار ليس دائماً أن يقتل المؤمنون عدوّهم ويدمروا جيوشه، فهذه نظرة مادية ساذجة، والصراع لا تحسمه هذه النتيجة، إنما يحسمه من تنتصر قضيته نهاية الجولة، إن الإمام الحسين (ع) هُزِمَ عسكرياً بلا ريب، ويزيد انتصر عسكرياً بلا ريب أيضاً، لكن قضية الحسين هي التي انتصرت نهاية الأمر، والثورات والمقاومات عبر التاريخ قدَّمت مئات الآلاف من الشهداء بل ملايين، لكن النصر كان حليفها نهاية المطاف.
وعد الله المؤمنين بالنصر سنة جارية جريان الليل والنهار، ولكنها مرهونة بتقدير الله، يحققها حين يشاء، قد تبطئ بالقياس إلينا، ولكنها لا تتخلَّف أبداً، وقد تتحقق في صورة لا يدركها البشر لأنهم يطلبون المألوف من صور النصر والغلبة، وقد يريد البشر صورة معينة من صور النصر و الغلبة لجند الله و أتباع رسله، و يريد الله صورة أخرى أكمل وأبقى، فيكون ما يريده الله، ولو تكلف الجند من المشقة وطول الأمد أكثر مما كانوا ينتظرون.
بقلم الباحث والكاتب اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي