
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ ساءَ خُلْقُهُ قَلاهُ مُصاحِبُهُ وَرَفيقُهُ".
سوء الخلق، انحراف نفساني، وتمرُّد على مكارم الأخلاق، وانحراف عن سلوكيات الرحمة واللطف والرأفة، يسبّب انقباض الإنسان وغلظته وشراسته، وهو نقيض حُسن الخلق.
وسوء الخلق يذمُّه العقل والدين، وينفر منه الناس، وهو شؤم على صاحبه ووبال عليه، يعذِّبه ويُسيء إليه أكثر مما يُسيء إلى غيره، وينكِّد عليه عَيشه، يُفسد دينه وقلبه وعمله، ويعيقه عن تحقيق أهدافه، كما يعيقه عن بناء علاقات اجتماعية مستقرة قائمة على الاحترام المتبادل، ولذلك لا يكون في المؤمن الحق، فالإيمان أخلاق كريمة، ولطف، ولين، واحترام.
وقد بحث علماء الأخلاق قديماً وحاضراً في الأسباب والبواعث التي تبعث على سوء الخلق، وقد تناهت عند العشرين سبباً من أهمها: طبيعة الإنسان: فهناك من الناس من يغلب على طبيعته سوء الخلق، وإذا استرسل معها ولم يسعَ إلى إصلاحها فإنها تستحكم وتتجذَّر، ومنها: سوء التربية التي يتلقّاها سواء في أسرته أو في مدرسته، ومنها: التأثُّر بالبيئة التي ينمو ويعيش فيها، ومنها: وقوع الظلم على الشخص فيخرجه ذلك عن طوره، ومنها: قوة الشهوة لديه وانقياده لها، ومنها: الغضب: الذي يحمل صاحبه على الطيش والانتقام والقسوة، ومنها: الجهل: والجهل يورِد صاحبه المهالك، ومنها: السلطة والرئاسة، فإن السلطة قد تحدِثُ تغيِّراً في أخلاق الإنسان.
ولهذا يقال: بأن الرئاسة مختبر الإنسان، ومنها: عزل الإنسان من موقعه السلطوي، ومنها: الغِنى والثراء، فإنهما غالباً ما يقتضيان اللؤم والقسوة، ومنها: كثرة الهموم: التي تشغِل القلب حتى لا يقوى على الصبر، ومنها: الأمراض: فإنها غالباً ما تغيِّر الطباع، ومنها: التقدُّم في السِّنِّ، فكما يضعُف البدن عن احتمال ما كان يُطيقه، فكذلك تضعُف النفس عن أثقال ما كانت تصبر عليه، ومنها: الغفلة عن عيوب النفس، ومنها: التقصير في أداء الحقوق الواجبة على الشخص للآخرين، ومنها: التكبُّر عن قبول النصيحة الهادفة، ومنها: مصاحبة الأشرار، ومنها: الطمع، وأهم من كل ما سبق ضعف الإيمان.
"مَنْ ساءَ خُلْقُهُ قَلاهُ مُصاحِبُهُ وَرَفيقُهُ" هذا واحد من الآثار السَّيِّئة لسوء الخلق، وهو أثر بالغ الأهمية، فإن من أكثر ما يرغب به الإنسان أن يحبّه الناس ويُقبلوا عليه، ومن أشدِّ ما يؤلمه نفسياً أن ينفر الناس منه، لا سيما أحبابه وأصدقاؤه، ناهيك عن نفور الأقربين منه، زوجه، أولاده، أرحامه، فكم من أُسرة تفكَّكت بسبب سوء خلق الزوجين أو أحدهما، وكم من أسرة فتكت بها المشاكل والنزاعات بسبب سوء خلق فرد من أفرادها، وكم من عمل جَمَاعي فشل، وجهود جَمَاعية تلاشت بسبب سوء خُلق الأفراد أو بعضهم؟!
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي