
"اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ، وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَصْحابِ الْحُسَيْنِ"
"اللهُ قذف في قلبي نُصرَتَك"
هذا ما قاله الصحابي الجليل البطل أَنَسُ بنُ الحارِثِ
للإمام الحسين (ع) عندما التقى به في كربلاء، حيث قال له: واللهِ ما أخرجني من الكوفة إلا ما أخرج هذا (يعني عُبَيد الله بن الحُرِّ الجُعفي) مِن كراهة قِتالكَ أو القِتال معك، ولكنَّ اللهَ قذَفَ في قلبي نُصرَتك، وشجَّعني على المَسير معك.
في ساحة كربلاء المقدسة حدثت تحوّلات كثيرة في مواقف من التقى بالإمام الحسين (ع):
فبعض من التقاه اعتذر منه، كعُبَيد الله بن الحُرِّ، وفارقه ومضى في سبيله، وإن كان قد نَدِم بعد شهادة الحسين (ع) على مفارقته، وكعمرو بن قيس المشرقي، الذي اعتذر بدوره عن نصرة الحسين (ع) وقال: إني رجل كبير السِّنِّ، كثير الدَّين، كثير العِيال، وفي يدي بضائع للناسِ ولا أدري ما يكون، وأكره أن أُضَيِّع أمانتي، وكان معه ابن عمٍّ له اعتذر هو الآخر، وقال للإمام الحسين مثل الذي قاله عمرو.
إقرأ أيضاً:
فقال لهما الإمام الحسين (ع): "فَانطَلِقا فَلا تَسمَعا لي واعِيَةً، ولا تَرَيا لي سَواداً، فَإِنَّهُ مَن سَمِعَ واعِيَتَنا أو رَأى سَوادَنا فَلَمْ يُجِبنا ولَمْ يُغثِنا، كانَ حَقّاً عَلَی اللّهِ عَزَّ وجَلَّ أَنْ يَكُبَّهُ عَلی مَنخِرَيْهِ فِي النّارِ".
وبعضٌ آخر: كان مع الإمام منذ انطلاقه من المدينة، أو من مكة، أو التقاه في الطريق إلى العراق، ولكنه لمَّا علم ما جرى من انقلاب في الكوفة، وأيقن أن الحسين (ع) ماضٍ إلى الشهادة اعتذر منه وتركه ومضى.
وبعضٌ: مضى مع الحسين، وقاتل دونه في كربلاء، ولكنه تركه نهاية المعركة قبل شهادته (ع) وهو الضحَّاك المِشرَقي، فقد قاتل مع الحسين (ع) وأبلى بلاء مشكوراً، وحين قُتل أكثرُ أصحاب الحسين استأذنَ الإمام (ع) في الانصراف فأذِن له وأحلَّه من البيعة التي له في عنقه، وقد برَّر انصرافه بأنَّه كان قد اشترط على الحسين (ع) حين الالتحاق بركبه أن يكون له الانصراف عنه إذا لم يكن بقاؤه نافعاً في الدفع عن الحسين (ع).
وبعضٌ: جاء إلى كربلاء وهو في صَفِّ أعدائه، لكنه عندما أيقن أن عمر بن سعد أمير جيش ابن زياد عازم على قتال الإمام الحسين (ع) استيقظ ضميره، وارتعدت فرائصه مما هم عازمون عليه، فتاب إلى الله من موقفه، وانحاز إلى الإمام، وقاتل بين يديه حتى استُشهد، كالحُرِّ بن يزيد الرِّياحي.
وبعض لما رأى الانقلاب الذي حدث في الكوفة، والتحاق كثير من الناس بجيش عمر بن سعد لقتال الحسين، مع علمه بمقام الحسين (ع) ومكانته من الإسلام ومن رسول الله لم يشأ أن يُشارك في الجريمة، ولم يشأ أن ينحاز إلى الإمام الحسين (ع)، فخرج من الكوفة كي لا يضطرَّ لهذا أو ذاك من المواقف، ومن هؤلاء أَنَسُ بنُ الحارِثِ الذي نقلنا كلامه مع الإمام الحسين (ع) بداية هذه المقالة، والذي جاء فيه: واللهِ ما أخرجني من الكوفة إلا ما أخرج هذا (يعني عُبَيد الله بن الحُرِّ الجُعفي) مِن كراهة قِتالكَ أو القِتال معك، ولكنَّ اللهَ قذَفَ في قلبي نُصرَتك، وشجَّعني على المَسير معك.
المُلفت في كلام أَنَسٍ أن الله تعالى قذف في قلبه نُصرة الإمام والسير معه، وهذا توفيق ما بعده توفيق، لقد اجتذبه الله إليه، اجتذبه إلى الموقف الصحيح السليم، وإلى العاقبة الحَسَنة، والتوفيق جَذبة من جذبات الله تعالى، ففي اللحظة الحاسمة يُلهِم الله المَرءَ ما يجب عليه أن يختاره من خيارات تنتهي به إلى الفوز والفلاح، لعلم الله تعالى بسلامة طويته، ونقاء سريرته، واستحقاقه العاقبة الحَسَنة.
كم عاش الذين تخلَّفوا عن الحسين بعده؟!، سنين معدودة!، أغلبهم لم يعش أكثر عقدٍ من الزمن، لكنه عاقبته كانت من أسوأ العواقب، أما الذين اجتذبهم الله إلى لقائه بالشهادة بين يدي الحسين (ع) فقد بدأت حياتهم الحقيقية من تلك اللحظة، وخلَّدهم التاريخ أبطالاً صادقين، ولم تزل أسماؤهم تتردَّد مع اسم الحسين (ع)، فطوبى لهم وحُسْنُ مآب.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي