ایکنا

IQNA

نهضة الحسين (ع) مواقف وقِيَم...

الدفاع عن جبهة الحق والمظلومين في سيرة الإمام الحسين(ع)

22:36 - July 04, 2025
رمز الخبر: 3500809
إکنا: روى الطَّبري في تاريخه عن سعد بن عُبيدةَ: إنَّ أشياخاً من أهل الكوفة لَوُقوفٌ على التَّلِّ يبكون، ويقولون: اللهمَّ أنزِلْ نَصركَ.

"اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ، وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَصْحابِ الْحُسَيْنِ"
 
"یا أعداءَ اللّهِ! ألا تَنزِلونَ فَتَنصُرونَهُ" روى الطَّبري في تاريخه عن سعد بن عُبيدةَ: إنَّ أشياخاً من أهل الكوفة لَوُقوفٌ على التَّلِّ يبكون، ويقولون: اللهمَّ أنزِلْ نَصركَ. قال: قلتُ: یا أعداءَ اللّهِ! ألا تَنزِلونَ فَتَنصُرونَهُ.

يكشف هذا النص لنا عن ظاهرة لم تزل سارية في الأمة إلى لحظتنا الراهنة هذه، هي ظاهرة أولئك الذين يعرفون الحق وأهله، ويعرفون الباطل وأهله، ويحبون الحق وأهله، ويكرهون الباطل وأهله، ويحبون أن ينتصر الحق، وأن يُهزَم الباطل، ولكنهم غير مستعدين أن ينخرطوا عملياً في الدفاع عن الحق ونُصرته ونُصرة أهله، وفي مقارعة الباطل وأهله، يهابون كلفة ذلك، وما تقتضيه من أثمان وأكلاف وتضحيات، فقلوبهم مع الحق ولكن سيوفهم باقية في أغمادها لا يُسلونها للذود عنه، وهؤلاء هم أكثرية الناس.
 
الناس في موقفهم صراع الحق مع الباطل فئات: 

فئة: لا تُبالي بما يكون، تفضَّل أن تعيش الحياة كما لو أنها وحدها في الدنيا، لا يهمها ما يجري على غيرها، وهذه الفئة أقرب إلى الموت منها إلى الحياة، تحسب أنها حيَّة نشِطةٌ ولكن ضميرها ومشاعرها وعواطفها الإنسانية ميِّتة.  

وفئة: رأيها ومشاعرها وعواطفها مع الحق وأهله، ومع المستضعفين والمضطهدين، وترجو له ولهم الانتصار والفوز، ولكنها تكتفي بالرجاء والدعاء، وليس لديها استعداد لأكثر من ذلك، ولعلها تبقي رجاءها مكبوتاً لا تُعلنه، ودعاءها خفِياً غير ظاهر، تدعو الله بالنصر لأوليائه سراً لا جهراً، خشية على مصالحها، أو خشية من السلطان. 
 
وفئة: مع الحق وأهله، تنحاز إلى جبهتهما، وترجو النصر لهما، وقد تعينهما على ذلك بالقليل، القليل الذي لا يهدِّد مصالحها، ولا يورِّطها في دفع أثمان لا تقوى عليها، سواء كانت أثماناً سياسية، أو مالية، أو بدنية. 
 
قلة قليلة هي التي تنهض إلى تكليفها في حمل الحق، والدعوة إليه، والدفاع عنه، غير عابئة بالأثمان والأكلاف، وتؤدّي واجبها في جبهة الحق والدفاع عن المظلومين المضطهدين ولو أدى ذلك إلى خسارات في النفوس والأرواح، تحرص على أن تنسجم مع ضميرها الإنساني، ووجدانها الأخلاقي، وعقيدتها الدينية أو الفكرية. 
 
وهذه بالضبط حال عالمنا العربي والإسلامي، فئة واحدة هي التي نهضت ونصرت، وقدمت التضحيات الجِسام، وقلة هي التي أعانت بالقليل، وكثرة اكتفت بالدعاء والتنديد، وبقيت الفئة التي لا يعنيها من أمر الأمة شيء، ولو أنها تكتفي بذلك فسيكون خيراً لها وللأمة، لكنها تذهب بعيداً في السلبية فتتواطأ مع أعداء الأمة عليها، وتضع نفسها ومقدراتها في خدمتهم.
 
أما الفئة التي تكتفي بالدعاء، فهي وإن اختلفت عن الفئة السابقة ولكن عليها أن تعلم أن الدعاء وحده لا يكفي لانتصار المستضعفين، حتى لو قضت عمرها ليله ونهاره وهي تدعو فلن يكون للدعاء أثر، ذلك أن الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، كما أن حبها للمستضعفين والثائرين لن يكون له أثر إن لم يدفع إلى النصرة العملية لهم.
 
لقد واجه الإمام الحسين (ع) أشخاصاً من هذه الفئة، وعَلَّمنا بجوابهم لهم كيف يجب أن نتعامل معهم، فقد روى المؤرِخون أن الحسين (ع) لمَّا وصل إلى مكان يُسمّى (قصر بني مقاتل) شاهد خيمة، فسأل عن صاحبها فأخبروه أنه عُبَيد الله بن الحُرِّ الجُعفي، وكان من أشراف الكوفة وفرسانهم، فأرسل الإمام (ع) إليه أحد أصحابه ليطلب منه النصرة له، فلما أتاه الرسول قال عُبيد الله: والله ما خرجت من الكوفة إلا لكثرة من رأيته خرج لمحاربته، وخِذلان شيعته، فعلمت أنه مقتول، ولا أقدِر على نصره، فلستُ أحِبُّ أن يراني ولا أراه. 

فعاد الرسول وأخبر الحسين (ع) بمقالة الرجل، فمضى إليه حتى دخل خيمته، ودعاه إلى نُصرته، فقال عُبَيد الله: واللهِ إني لأعلم أن من شايعك كان السعيدَ في الآخرة، ولكن ما عسى أن أُغنيَ عنك، ولم أُخَلِّف لك بالكوفة ناصراً، فأنشِدَ الله أن تحملني على هذه الخطّة، فإن نفسي لم تسمح بعد بالموت، ولكن فرسي هذه المُلحِقة، والله ما طلبت عليها شيئاً قطُّ إلا لحِقَته، ولا طلبني ولأنا عليها أحد إلا سبقته، فخذها فهي لك.

فقال الحسين (ع): "أمّا إذا رغِبْتَ بِنَفْسِكَ عَنّا، فَلا حاجَةَ لَنَا إِلى فَرَسِكَ".

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha