ایکنا

IQNA

توصيفات الحروب ومآلات الصراع في الشرق الأوسط

12:43 - July 12, 2025
رمز الخبر: 3500886
بیروت ـ إکنا: ما يجري اليوم من مباحثات حول غزة، وزيارات قادة العدو الصهيوني إلى واشنطن، ليس ذلك سوى تمويهات ومخادعات أمريكية لتوفير أجواء انتصار لقاعدتها العسكرية في فلسطين،وتأمين الأرضيات المناسبة للفوز في غزة ولبنان.

إنطلاقًا من ما تسالمت عليه مراكز النفوذ الكبرى في العالم لجهة ما يمثله الكيان الصهيوني في فلسطين من وظيفة إستعمارية، وعطفاً على ما ذكره "هرتزل" في كتابه "الدولة اليهودية"، "أن دولة إسرائيل ستكون حصناً متقدّماً للحضارة الغربية في مواجهة البربرية الشرقية"!

وبعد أن بلغ الصراع مع هذا الكيان مستوى أن يقال عنه أنه صراع وجودي، فإن هذا التوصيف لم يعد مجرد تعبير سياسي أو شعار ثوري، بل أصبحت له حقيقة واقعية في ظل تحولات كبرى طالت وجود هذا الكيان! ولعل من أكثر ما يدلّ على ذلك هو تبديل العدو في استراتيجيات الحرب بعد طوفان الأقصى،وهذا ما شكّل انتكاسة لدى محور المقاومة،كونه لم يكن متوقعاً أن يختار العدو الحرب لشهور وسنوات أو أن لا يكترث لخسائر الحرب سواء المعنوية أو المادية، فجاء تبديله في خيار الحرب ليشكّل تحولًا صادماً في التكتيك والاستراتيجية معاً،مظهراً للصراع على حقيقته، ومصدقاً أن الحرب انتقلت من مجرد مناوشات، وتسجيل نقاط لتكون حرباً وجوديةً بكل معنى الكلمة! 

ولهذا نرى العالم المستعمر اليوم يصطف خلف هذا الكيان بكل قواه لقناعته وإحساسه بالخطر الوجودي على الكيان ووظيفته الاستعمارية، وهذا ما ينبغي لحاظه بكل أبعاده من قبل محور المقاومة حتى لا تكون له انتكاسات جديدة في آتون هذا الصراع الذي امتد إلى المنطقة كلها من فلسطين إلى إيران واليمن، وأصبحت له تداعيات عالمية!

إقرأ أيضاً:


فإذا كان التوصيف الوجودي يلازم هذا الصراع بكل تحولاته، فلايسع قادة محور المقاومة إلا التنبه جيداً إلى أن رعاة هذا الكيان الصهيوني سواء في الغرب أو في الشرق، باتوا يقفون اليوم أمام معضلة وجود مخاطر تطال وجود الكيان نفسه، ما استدعى تدخلًا مباشراً لحمايته، برّاً وجواً وبحراً، وذلك إنما كان اعتقادًا منهم أن الحرب في الشرق الأوسط لم تعد قابلة لمساومات في السياسة أو في المصالح، بل أصبح لها تداعيات استراتيجية تهدّد النفوذ الغربي ومصالحه، وقد بلغ الحال بهم خوفًا وقلقًا،تبني خيار الحرب الوجودية، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية التي جاءت لتقول:"لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها"، وكثيرون هم الذين لا يعلمون" أن دولة إسرائيل تعتمد على مساهمة كل اليهود، وكل المنظمات اليهودية في بناء الدولة"، وهذا ما نص عليه قانون الكنيست الصادر في ٢٤/١١/١٩٥٢، حول المنطمة الصهيونية العالمية!

وهذا ما ظهّرته الإدارة الأمريكية بكل وضوح في زياراتها المتكررة إلى الكيان الصهيوني تحت عناوين يهودية وصهيونية،كما فعل وزير الخارجية الامريكي الأسبق "بلينكن" حينما تنكّر لوزارته، واكتفى بصلافته اليهودية! نعم، لقد بلغ الصراع مداه بعد أن تعرّض محور المقاومة لضربات عدوانية مثالية في لبنان وإيران من قبل حلف الناتو لأن العدو الصهيوني لا يملك إمكانيات وقدرات أن يملأ الأجواء والبحار لمقاتلة قوى المقاومة،فأمريكا نفسها استشعرت الخطر الوجودي على مصالحها، فأخرجت الصراع عن كونه تكتيكًا في الحروب لتجعل منه صراعًا وجوديًا،فلم يعد الكيان الصهيوني هو الذي يحدّد الخيارات أو يرسم المسارات، وإنما أمريكا هي التي أخذت بأسباب الصراع علانيةً،وباتت تمارس خدعها في الحرب والسياسة معًا،كما فعلت مع لبنان، وإيران، واليمن!

وما يجري اليوم من مباحثات حول غزة، وزيارات قادة العدو إلى واشنطن، ليس ذلك سوى تمويهات ومخادعات أمريكية لتوفير أجواء انتصار لقاعدتها العسكرية في فلسطين،وتأمين الأرضيات المناسبة للفوز في غزة ولبنان،علّهم بذلك يبعدون شبح الهزيمة عن أنفسهم في الشرق الأوسط،وهذا ما يتطلب وعيًا زائدًا،وحرصًا شديدًا لدى محور المقاومة حتى لا يؤخذ لبنان مجددًا على حين غرّة،كما جرى في الحرب السابقة.

فلبنان اليوم،وفي لحظة وجودية حاسمة،يحتاج إلى استراتيجية مواجهة،لتفويت الفرصة على الأعداء،لأنه في أجواء الصراع الوجودي،كما يعلم خبراء السياسة والاسترتيجية،لا جدوى من مفاوضات أنصاف الحلول،وتبادل المصالح،وخصوصًا بعد أن ترهّل الكيان في حروبه الطويلة،وأظهر عجزًا هائلاً في المواجهة،سواء في غزة فلسطين،أو في لبنان!

فأمريكا عازمة على حسم الموقف وجودياً بما يؤدي إلى تأمين قواعدها العسكرية، ومصالحها الحيوية، وعلى رأس هذه المصالح تأتي إسرائيل، فلا جدوى من مفاوضات وترتيبات لا طائل منها؛ فإما أن يحسم الموقف وجودياً وتجري مفاوضات التطبيع الإبراهيمي لتغيير الشرق الأوسط بما يخدم أمريكا، وإما أن تستمر الحرب على لبنان قبل غيره،لكونه يشكّل خطرًا مباشرًا على العدو،ويملك إمكانية صمود هائلة في مواجهة العدو بعد تجربة الحرب السابقة! 

فالحرب لم تحسم  رغم كل تكتيكات الأعداء في الحرب الفضائية والسيبرانية، وما من ضمانة لهذا العدو أن يكسب الحرب الوجودية مجددًا؛ولكنه مضطر إليها،كما قلنا،من منطلق وجودي،رهانًا منه على تحولات الوضع السوري،فإذا كانت الحروب الاستعمارية حتى اليوم لم تفضِ إلى مزيد من التعافي العسكري والنفسي لقوات العدو،فليس معلومًا لدى الغرب ما إذا كان ممكنًا في تجديد الحرب توفير الملاذات الآمنة بعد تلقي الضربات الإيرانية.

فالحرب ليست خيارًا للأعداء،بل أصبحت من ضرورات الوجود في الشرق الأوسط!وكم هو الأمر مقلق لحضارة غربية شوهاء،أن ترى بأم عينها هزال العدو في غزة،وتطمح أن يكون لها النصر في لبنان أو اليمن أو العراق أو إيران! فمآل الصراع عنوانه غزة فلسطين،واليمن العزيز،وما لبنان عن ذلك ببعيد،يوم يفرح المجاهدون بنصر الله تعالى،وتأييد المؤمنين.

بقلم أ.د. فرح موسى؛ رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات في لبنان 
captcha