على أعتاب تحول عظيم، يشهد العالم الإسلامي بزوغ نبتة بذرت في كربلاء المقدسة وترويها دماء شهداء المقاومة. إيران، كعمود فقري لهذه الحركة الإلهية، لم تحد فقط معادلات القوة العالمية، بل أضحت مستلهمة من دروس عاشوراء مهندسة لظهور حضارة حديثة تقوم على العدالة والصحوة الإسلامية.
دور إيران في محور المقاومة
وتشهد التطورات المتسارعة دوليًا وإقليميًا أننا على أعتاب منعطف تاريخي كبير – تحول يعبر سياسيًا ودينيًا عن دخول العالم الإسلامي مرحلة جديدة من الصحوة والحضور الفاعل في معادلات القوة. ما يجري في دول المنطقة ليس مجرد أزمات متفرقة أو ردود أفعال عشوائية، بل إرهاصات لتحول بنيوي عميق متجذر في تغيير هندسة القوة العالمية.
الاستقلال والاقتدار: سر الصمود أمام الهيمنة
لعقود، صُمّم النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية ليُهيمن عليه خمسة قوى عظمى تمتلك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، محتكرة صنع القرار الدولي. كل من خرج عن هذا النموذج المفروض وُصف بـ"الدولة المارقة". إلا أن تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية الايرانية أثبتت إمكانية مقاومة هذا النموذج الهيمني بل وتهاويه، مشروطًا باعتماد الاستقلال الحقيقي، وتأصيل الاقتدار، والاعتماد على إرادة الشعوب كأسس رئيسة.
من المقاومة إلى الظهور: الرابط العقائدي بين إيران والأمة الإسلامية
لم تقف إيران كدولة مستقلة أمام الهيمنة العالمية فحسب، بل قدمت بديلًا استراتيجيًا هو "المقاومة" – التي لا تستهدف الهيمنة، بل نصرة المظلومين وضمان عزة الأمة الإسلامية وتهيئة الظهور المقدس. خلافًا للروايات الغربية، لا تسعى إيران لبناء إمبراطورية، بل لتحقيق وعد متجذر في عقيدة الشيعة: إقامة مجتمع عالمي عادل تحت قيادة الإمام المهدي(عج). تجاوز هذا النهج إيران ليمتد في جغرافيا المقاومة: فالعراق، سوريا، لبنان، اليمن وغيرها صارت حلقات في السلسلة الاستراتيجية. علاقة إيران بهذه الدول ليست مبنية على مصالح مرحلية، بل على أهداف عقائدية وتاريخية طويلة الأمد.
الشجرة الطيبة للمقاومة: متجذرة راسخة في طريق الظهور
كان اغتيال قادة الحرس البارزين وقادة المقاومة العظام كسيدالشهداء المقاومة الشهيد السيد حسن نصر الله وقادة في لبنان والعراق وسوريا، محاولة مدروسة لقطع شرايين هذه الاستراتيجيا. إلا أن الرد جاء مغايرًا لتوقعات الأعداء: رد استراتيجي متوازن ذو دلالة. شعارات مثل "يا مهدي ادركني" المنقوشة على الصواريخ لم تكن مجرد رمزية عاطفية، بل انعكاس لرؤية عالمية حية تثبت أن طريق المقاومة ما زال ينمو ويتجذر ويمتد نحو أهدافه، مصداقًا للمثل الإلهي: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ (إبراهيم: ٢٤).
فشجرة المقاومة الطيبة أصلها ثابت في الأعماق وفرعها في السماء، و إرادة الله ناصرة لهذا الخط.
من العداء إلى المرونة: الغرب أمام واقع المقاومة
لافت تغيير خطاب بعض القوى الغربية: فمواقف كانت تتناول المقاومة بعدائية شديدة أضحت تتسم بالمرونة. تصريحات مثل تصريح الممثل الجديد للولايات المتحدة في لبنان: "سلاح حزب الله شأن داخلي"، وإن لم تكن عن قناعة، إلا أنها تدل على تغيير موازين القوة واستحالة تجاهل المقاومة. هذا التغيير في اللهجة لم ينبع من ود، بل من حضور فاعل في المعادلات الإقليمية والدولية، بنته بطولات وتضحيات أمة المقاومة. ومن أبرز مظاهر حضور المقاومة الملموس في العراق: "الحشد الشعبي".
خلافًا لمحاولات تقليصه إلى مؤسسة أمنية صرفة، يجسد الحشد خط ولاية الفقيه والمرجعية، والثقافة العاشورائية، والرابط العقائدي بين الشعب العراقي ونهضة المقاومة الإسلامية. حفظ هذه المؤسسة ضرورة حيوية لا من حيث أمني فحسب، بل كمحور لا ينفصم عن الهوية التاريخية والمستقبلية للعراق.
عاشوراء والمقاومة: تلازم بين نفي الظلم وطلب العزة
مع تقارن أوضاع المنطقة بشهر محرم، تتعمق دلالات "البصيرة الحسينية". انتصارات المقاومة في ساحات القتال تذكر بثورة عاشوراء: روح تجسد نفي الظلم، وطلب العزة، والوفاء للمثل العليا أمام جبابرة القوى. حين تزلزل صواريخ المقاومة الكيان الصهيوني، يشعر كل أم وطفل وشاب في العراق وفلسطين واليمن بأنه جزء من هذا الانتصار.
و في الختام يمكن أن يقال:
لم يعد نهج المقاومة مجرد رد فعل على الهيمنة الغربية، بل نظام دولي بديل قائم على إرادة الشعوب والعقيدة الراسخة ومحورية العدالة. إيران، كمنطلق لهذه الحركة التاريخية، نجحت في تحدي المعادلات العالمية، وبلورة حل فوق-وطني وفوق-مذهبي وفوق-إقليمي في قلب الأزمات.
بقلم حجة الإسلام الشيخ محمد هادي ملكي؛ باحث وناشط في المجال الدولي من حوزة النجف الأشرف