في قصة خلق النبي آدم (ع)، اعترض الشيطان على عدل الله وحكمته بسبب عصيانه (ترك السجود)، وتكبر ولم يندم، بينما اعترف آدم وحواء بخطئهما وطلبا المغفرة من الله تعالى "قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (الأعراف/ 23).
إن أول خطوة للسير في طريق الإصلاح والكمال هي الاعتراف بالظلم للنفس أمام الله؛ أي يجب على الإنسان أولاً أن ينزل من مركب الغرور والعناد ويعترف بخطئه، ثم يطلب المغفرة.
إقرأ أيضاً:
ومن الملفت أنهم يُظهرون في التوبة وطلب العفو قدراً كبيراً من الأدب، حتى أنهم لا يقولون "اللهم اغفر لنا"، بل يقولون "إِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ".
ويقول القرآن الكريم على لسان النبي موسى (ع) "قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي" (القصص: 16)، وهذه الجملة "ظلمت نفسي" هي اعتراف أمام الله، لأنه عرّض نفسه للخطر. ومعنى المغفرة في هذه الآية ليس غفران الذنب، بل المقصود أن يا رب أبطل أثر هذا العمل ونجني من عواقبه الوخيمة.
ويقول القرآن الكريم في نقل دعاء نبي الله يونس (ع) في بطن الحوت "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الأنبياء/ 87).
هذه القصة هي في الواقع نفس التأديب الذي يؤدب الله تعالى به أنبياءه حسب اختلاف أحوالهم. كل صعوبات النبي يونس (عليه السلام) كانت فقط ليتأكد مما كان يظنه سابقاً. الإيمان بأن الله سبحانه قادر على أن يأخذه ويسجنه حيث يشاء ويصيبه بأي بلاء يريده، وأنه لا ملجأ له إلا إلى الله نفسه.
واعترف النبي يونس (عليه السلام) بتركه الأولى وبأنه ترك قومه بعد نزول العذاب وعدم هلاكهم، ونزه الله سبحانه عن كل ما يشوبه الظلم والنقص. لم يظهر في هذه المناجاة حاجته الباطنية التي كانت العودة إلى مقامه العبودي السابق، وكأنه لم ير نفسه أهلاً لمثل هذا الطلب، وبمراعاة هذا الأدب أوضح أنه غارق في الخجل والحياء.