أشار إلى ذلك، حجة الإسلام "السيد علي أكبر نوري"، الأستاذ المدرس في جامعة الزهراء (س) في قم المقدسة، في معرض حديثه عن السيرة النبوية وكذلك تأثير التحولات السياسية والاجتماعية في حياة النبي(ص) وأيام ما بعد وفاته.
في معرض ردّه على سؤال حول كيف استطاع النبي محمد(ص) أن يبني أمة واحدة من قلب مجتمع قبلي؟ قال: "لقد كان هذا النجاح نتيجة مجموعة من العوامل الأخلاقية والاجتماعية والعقلانية."
وأضاف: "ثلاثة عوامل رئيسية أثرت في جذب القلوب وإيجاد الوحدة من خلال سلوك النبي الأكرم (ص): أولاً: التسامح والعفو عن أخطاء وزلات الناس، مما أدّى إلى جذب محبتهم وثقتهم. ثانياً: الاستغفار للناس، أي طلب المغفرة من الله لهم، وهو ما يدلّ على حرص النبي (ص) على سعادة الآخرين، وثالثاً: المشورة مع الناس في الأمور الاجتماعية، مما منحهم شخصية وجعل مشاركتهم في اتخاذ القرار ممكنة.
وأردف مبيناً: "هذه الصفات، إلى جانب اللين والرحمة، وفّرت أرضية قوية للوحدة الاجتماعية."
إقرأ أيضاً:
وأشار "السيد علي أكبر نوري" إلى أن النبي (ص) استطاع أن يُنشئ من قلب مجتمع قبلي أمة واحدة، قائلاً: "إنّ اللين، التسامح، الاستغفار للآخرين، التشاور مع الناس، الخلق العظيم، التساهل في الأمور الشخصية، السمعة الطيبة قبل البعثة، وعقلانية وتدبير النبي الأكرم (ص) تُعدّ من أهم عوامل تشكيل الأمة الإسلامية الواحدة، وقد أدّت إلى اتحاد الناس من عادات وتقاليد مختلفة وحتى من أصحاب الخلافات القبلية والقومية حول شخصية النبي (ص)."
واستطرد قائلاً: "كان النبي (ص) صاحب خلق عظيم، وسلوكه في التعامل مع الأصدقاء وحتى الأعداء جعله محبوباً ومقبولاً اجتماعياً. حيث كان يصغي بصبر وسعة صدر لكلام الناس حتى عندما كان غير مهم أو غير صحيح، وكان ذلك يساعد في جذبهم."
وفيما يخصّ أثر وفاة النبي (ص) في تراجع انسجام المجتمع الإسلامي، قال: "قد تنبأ النبي الأكرم (ص) في حياته بأن أحداثاً مؤلمةً ستقع في المجتمع بعد رحيله. فعلى سبيل المثال، قال إن اليهود انقسموا إلى إحدى وسبعين فرقة، والنصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وأن أمته ستنقسم في المستقبل إلى ثلاث وسبعين فرقة."
وأضاف: "هذا التنبؤ يُظهر أن النبي الأكرم (ص) أدرك أنه بغيابه سيتحول المجتمع الموحد إلى جماعات وفرق مختلفة، وستنشأ الخلافات الطائفية والدينية."
ورداً على سؤال لماذا تعرض تماسك الأمة للاهتزاز بعد وفاة النبي (ص)؟ قال: "في بداية ظهور الإسلام، اعتنقت جماعات مختلفة الإسلام. دخل بعضهم هذا الطريق بدافع الطمع، بمعنى أنهم كانوا يظنون أن الدين الإسلامي قد يتحول في المستقبل إلى قوة عظيمة ويمكنه أن يخوض الحروب مع جيرانه ويحصل على غنائم الأراضي الأخرى." وأضاف: "أما العامل الثاني، فكان الانتماءات القومية والقبلية.
وحول الرسالة النبوية للعالم المعاصر الذي يعاني من الأزمات الأخلاقية والاجتماعية، أشار إلى الآية 64 من سورة آل عمران المباركة: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ"، موضحاً: "تتضمن هذه الآية ثلاث نقاط أساسية لإعادة بناء المجتمع الإنساني وحل الأزمات الأخلاقية والاجتماعية للبشر."
وأردف موضحاً: "النقطة الأولى هي الإيمان بالله. فجميع البشر، باعتبارهم قاسماً مشتركاً للإنسانية، يؤمنون بوجود الله خالق العالم، ويجب أن يكون هذا القاسم المشترك محور وحدة وتقارب البشر."
وتابع قائلاً: "النقطة الثانية هي عدم الشرك بالله. فالله لا شريك له، ولا ينبغي للناس أن يجعلوا له شريكاً. وبهذا، يكون الناس في حياتهم الفردية والجماعية مطيعين لأوامر الله، ولن يتبعوا الأوامر الخاطئة والأيديولوجيات البشرية التي تعتبر شريكاً لله بشكل من الأشكال."
وأكدّ: "النقطة الثالثة هي عدم تفوق وسيطرة بعض البشر على بعضهم الآخر. فلا يحق لأي إنسان أن يكون سيداً على الآخرين أو أن يستخدم قوة وموارد الآخرين بالقوة."
ورداً على سؤال حول كيفية إعادة قراءة سنة وسيرة النبي (ص) وتطبيقها في الحياة المعاصرة، قال: إن إعادة قراءة سنة وسيرة النبي الأكرم (ص) تستلزم الرجوع المباشر إلى مصدرها الأصلي والموثوق. وقد قال النبي الأكرم (ص) نفسه: "أنا مدينة العلم وعلي بابها". فمن أراد أن يصل إلى مدينة العلم والحكمة هذه، فعليه أن يدخل من بابها. لذلك، لمعرفة سيرة وسنة النبي (ص) بدقة، يجب علينا أولاً الوصول إلى هذا المصدر من خلال تعريف وتوجيه علي بن أبي طالب (ع) وأهل البيت (ع). ولتحقيق ذلك، من الضروري دراسة وتدبر أعمال المعصومين مثل نهج البلاغة؛ لأن علياً (ع) عرّف النبي الأكرم (ص) وفقاً لتعريف النبي نفسه، وما ذُكر في هذا المسار يمثل السيرة والسنة الحقيقية للنبي (ص).
وأوضح أنه بناءً على هذه الرؤية، يجب أن يكون فهم سنة النبي (ص) والعمل بها مبنياً على التعاليم وإعادة القراءات التي قدمها المعصومون (ع)، وليس مجرد استنتاجات غير مباشرة من الآخرين، على الرغم من أن جهودهم العلمية والثقافية محترمة. وفي العصر المعاصر أيضاً، قدم شخصيات مثل الإمام الخميني (ره) وقائد الثورة الإسلامية الايرانية، من خلال إعادة قراءة سيرة وسنة النبي (ص) وأهل البيت (ع)، حلولاً عملية لمواجهة الظلم والاستكبار وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذه القراءة العملية والملموسة، على عكس بعض التعاليم في المراكز العلمية والجامعات الأجنبية التي تلتزم الصمت في مواجهة الفظائع الإنسانية مثل قتل الأطفال الفلسطينيين الأبرياء، ولا تستطيع تقديم معيار عملي وحقيقي لسنة وسيرة النبي (ص).
وفي الختام، قال إن رسالة النبي الأكرم (ص) للعالم المعاصر هي أن نعترف بالله والأنبياء الإلهيين في حياتنا، وألا يكون لأي إنسان فضل على آخر، وأن يكون جميع البشر متساوين وعباداً لله. وأن تُطبق حياة عادلة تتناسب مع قدرة واحتياجات كل فرد، وأن تُحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بالعدل والحكمة. إن تطبيق هذه المبادئ ينقذ البشرية من الأزمات الأخلاقية والاجتماعية ويؤدي إلى مستقبل مشرق ومطمئن للمجتمعات البشرية. وفي النهاية، يتطلب التحقيق الكامل لهذه النسخة ظهور المنقذ الحقيقي واستعداد البشرية لقبوله.