ایکنا

IQNA

أكذوبة التفاوض وخرافة السلام

15:43 - November 12, 2025
رمز الخبر: 3502406
بيروت ـ إکنا: إن لبنان اليوم يحتاج إلى مفاوضات القوة التي تبدأ من وحدة اللبنانيين، ولا تنتهي بحماية السلاح من أن تطاله يد التفاوض المشؤوم على موائد اللئام ممن اعتادوا على المذلة والخنوع.

منذ تأسيس الكيان الصهيوني واحتلال فلسطين، لم نسمع من العرب والمسلمين، سوى ترانيم الدفاع المشترك، والسلام الاستراتيجي، وغير ذلك مما عهدناه من قمم العرب والمسلمين في مواجهة الصهاينة! وكثيرٌ منهم كان يفاوض سرًا، وينافق دينًا، إلى أن كشف المستور، وبان المحذور، فخرجوا جميعًا من صمت قبورهم، ليعلنوا موت حروبهم، وخرافة عدواتهم!

لقد كشف مستور أزمنة الدفاع قبل توقيع معاهدات السلام، وجاهر كثيرون بالتفاوض الواقعي على حقوق الناس في أرضهم، وفي قدسهم، وكانت خلاصةُ المواقف، أن العدو يريد السلام مقابل الأرض، فإذا به يراوغ بفراغ الوعود، ويطلب الأمن من غير حدود، وها هو اليوم يسأل العرب عن التزاماتهم في تحقيق السلام على أنقاض فلسطين وأهلها!؟ 


إقرأ أيضاً:


لولا تصدقون أيها العرب ما أخبركم به ربكم ودينكم من أن الصهاينة لا يؤتونكم نقيرًا، كما قال تعالى:"أم لهم نصيبٌ من الملك فإذًا لا يؤتون الناس نقيرًا"، فعلاَمَ تفاوضونهم؟ على حق يعترفون به لكم، أم على قوة بقيت لديكم؟ ألا ترون أيها الناس، كيف أن سماءكم وأرضكم تئنّان من ضربات عدوكم؟ وتكتفون بالتساؤل عن ما يحدث لكم، كونكم  أقمتم التحالفات، وأبرمتم المعاهدات مع حلفائكم الغربيين، الذين ملكوا السماء والأرض عليكم بما أنشؤوه من قواعد عسكرية، ثم يأتي العدو لينال من بلادكم على الرغم من كل ما أنتم عليه من الوداعة وحب السلام؟!

إنها فعلاً أكذوبة التاريخ، وخرافة السلام المنشود على وقع جاهلية مفرطة في فهم ما تعنيه السيادة، والكيانية، فكل شيء أصبح رهين التفاوض على ما تبقى من كرامة، وحق في الوجود، حتى الحرية أصبحت مثار قلق وشك، إذ لم يعد لها معنى إلا بمقدار ما تعنيه من استلاب في المواقف، واحتلاب في الأموال! فالله يصفهم لكم ، وهو خالقهم، ويخبركم أنهم لن يقدّموا لكم شيئًا، وأنتم تتزاحمون على اللحاق بركبهم على أمل أن تظفروا بشيء من نقير حياتهم، وفتيل أطماعهم...!؟

نعم، إنها الحقيقة التي يعيشها العرب اليوم في كل شأن من شؤونهم، ويكفينا تدبّراً بما يؤديه لبنان اليوم من وظيفة في السياسة، فهذا البلد اعتاد على الحرية والكرامة، وقد عُرف بالمقاومة للعدو، فلم يكترث يومًا للتفاوض معه، ولكّنه عاد لينتظم وفق مفردات الموت العربي  بل وأكثر من ذلك، فنرى حركة الوفود من كل جهات الأرض تسأل عن التفاوض اللبناني! فهذه الوفود تسهى عن ما يلجأ إليه العدو من تفاوض عبر عدوانيته، ثم يُسأل اللبناني عن التفاوض!

فالعدو يفاوض بالقوة والعدوان، ولبنان يسأل في النادي العالمي عن التفاوض! وهنا السؤال، لماذا لا يستوعب الساسة اللبنانيون دروس العداوة في ما يقتل من شبابهم، ويدمّر من بيوتهم وأرزاقهم؟ فالرسالة العدوانية واضحة، قوامها ما يسجلهُ العدو من مواقف عدوانية اتجاه لبنان! فليقلعِ الساسة في لبنان عن أكذوبة التفاوض المزعومة، وخرافة السلام، فالعدو عازم على فرض شروطه بالقوة، ولم يعد أمام اللبنانيين من خيار سوى المقاومة، سواء كانوا يملكون السلاح، أو لا يملكونه، فإسرائيل الكبرى يعوقها اليوم وجود قوة لبنانية، فإذا خرج لبنان من قوته، دخلت إسرائيل إلى الشرق الأوسط!

إن تعقّل اللبنانيين لهذه الحقيقة من شأنه إحداث تحوّل هائل في استراتيجية الشرق الأوسط، فلبنان ليس مجرد فكرة سياسية في معادلات العالم، وإنما هو معطى جوهري في تحقق موازين القوة؛ فلا ينبغي لأحد ممن يمارس السياسة بصلافة الجهل بموقعية لبنان، أن يفاوض من موقع المهزوم، لأن معادلة القوة اللبنانية تفرض نفسها دائمًا من موقعية ما تعنيه في تاريخها، فهذه المعادلة لم تسقط يومًا. حتى في لحظة ضعفها كان لها تأثيرها في الشرق الأوسط، فكيف بها اليوم وهي تمثل هذا السد المنيع في وجه العدوانية الصهيونية!؟

إن لبنان اليوم يحتاج إلى مفاوضات القوة، التي تبدأ من وحدة اللبنانيين، ولا تنتهي بحماية السلاح من أن تطاله يد التفاوض المشؤوم على موائد اللئام ممن اعتادوا على المذلة والخنوع! فالقوة هي الشرط الأقوى في معادلات التفاوض، وفي تحقيق السلام العادل، وإلا خرج لبنان من معادلة الشرق الأوسط، ليكون مقبرةً لتنوعه الديني والسياسي، وأنشودةَ نسيان في الموت الحضاري. والسلام.

بقلم أ.د. فرح موسى، رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان

captcha