ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

غاية العقل هي الإيمان بالله تعالى

16:28 - May 04, 2023
رمز الخبر: 3491007
بيروت ـ اكنا: ان غاية العقل هي الإيمان بالله تعالى، وهو ملازم للدين لا يفارقه أبداً، قال رسول الله (ص): "لا دِيْنَ لِمَنْ لا عَقْلَ لَهُ" لأن العقل هو وسيلة العلم والمعرفة والتفكُّرِ، وهو الأساس لمعرفة الله، وبناء علاقة سوية معه، والأساس لفهم الدين وتكاليفه وأحكام.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الْعَقْلِ الْوَلَهُ بِالدُّنْيا".

ما هو العقل؟ العقل في اللغة هو الحبس والإمساك، والمنع والنَّهي والحَجْرِ، يقال: عُقِلَ البعير. أي: حُبِسَ وأُمسِك، والعقل في الإنسان هو الذي يحبسه ويُمسكه عن مزاولة القبيح، ويصونه من الجهل الانحراف فكراً وعملاً، ويوجِّهُه نحو الفعل الحسن، وقد وردت النصوص الشريفة تتحدث عن هذا المعنى للعقل، فقد جاء عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: "العَقلُ عِقالٌ مِنَ الجَهْلِ" أي إنَّ العقل يمنع الإنسان من ممارسة الأفعال القبيحة التي لا تكون إلا من الجاهل.

وقد استعمل لفظ العقل في الروايات الشريفة الصادرة عن المعصومين (ع) وأريد به معانٍ مختلفة، وبالتتبع لتلك النصوص نجد أنه يُطلق على ثلاثة معانٍ: المعنى الأول: أن العقل قوة إدراك الخير والشرِّ والتمييز بينهما، ومعرفة أسباب الأمور، وعلى هذا الأساس يتوجَّه التكليف الإلهي للإنسان، إذ بالعقل تتبلور الأحكام والمفاهيم وحوله تتمحور الغايات، وبه يُطاعُ الله، وعليه يثيب ويعاقب.

المعنى الثاني: أن العقل حالة ومَلَكَةٌ تدعو الإنسان إلى اختيار الخير وكل ما فيه نفع له، وتدعوه إلى اجتناب الشرور وكل ما يَضُرُّه.

المعنى الثالث: أن التعقُّل بمعنى العلم الذي يُقَابَلُ بالجَهل لا بالجنون.

وتؤكد النصوص الشريفة أن العقل أشرف ما خلق الله تعالى، وبه يُعْبَدُ الرَّحمان، وتُكتَسَبُ الجِنان، وهو مقرون بالإيمان والعمل الصالح، وأن العاقل هو الذي لا يكون منه إلا الخير، والسلوك السليم، ويكون زاكي الأخلاق، مكتسباً الفضائل، محمود الخصال والفعال، وبدون ذلك لا يسمّى عاقلاً في الحقيقة، حتى وإن كان عاقلاً في أموره الدنيوية، ذكياً في تدبير شؤونه والحصول على حاجاته وبلوغ غاياته في الدنيا.

فغاية العقل هي الإيمان بالله تعالى، وهو ملازم للدين لا يفارقه أبداً، قال رسول الله (ص): "لا دِيْنَ لِمَنْ لا عَقْلَ لَهُ" لأن العقل هو وسيلة العلم والمعرفة والتفكُّرِ، وهو الأساس لمعرفة الله، وبناء علاقة سوية معه، والأساس لفهم الدين وتكاليفه وأحكامه، وبه يحتَجُّ الله على الإنسان، ولذا قال الإمام جعفر الصادق (ع): "مَنْ كانَ عاقِلاً كانَ لَهُ دِيْنٌ، وَمَنْ كانَ لَهُ دِيْنٌ دَخَلَ الجَنَّةَ".

والعقل هِبَةٌ ربانية منحها الله للإنسان، ومَيَّزَه به عن الحيوان، وشرَّفه به على سائر الموجودات، فبالعقل استطاع الإنسان أن يكتشف قوانين الكون ونُظُمَه، ويكتشف أسراره وآليات حركته، وبالعقل تمكن من استخدامه والاستفادة منه فيما يرجع عليه بالخير، وبالعقل استطاع أن يتطور من إنسان بدائي يعيش في العراء إلى إنسان يرنو بفكره إلى المَجَرّات والعوالم الأخرى ليكتشف كنهها.

وبالعقل استطاع أن يتطور من إنسان يمتطي قدميه إلى إنسانٍ يعلو فوق السَّحاب فيقطع مسافات هائلة في ساعات، ويُقَرِّب البعيد ليصير قريباً بما توصل إليه من اختراعات. ولما كان العقل هو الذي يمَيِّز بين الخير والشر، وبين الحسَنِ والقبيح، وبين الحق والباطل، وبين الصحيح والخطأ، وبين ما يجب فعله وما يجب تركه، وبين ما يبقى ويدوم وما يفنى ويزول.

فعلى العاقل أن يكون مع الخير مجتنباً الشرَّ، فاعِلاً الأفعال الحسَنَة، مجتنباً الأفعال القبيحة، صادعاً بالحق، مقارعا للباطل، مهتماً بما يدوم ويبقى، زاهداً بما يزول ويفنى. ولما كانت الدُنيا من شأنها الزوال والفناء، فإن العاقل لا يُقْبِل عليها إقبال الوالِه بها، بل يستفيد منها لآخرته، إذ يرى أنها محطة على طريق الآخرة حيث يستقر به الحال هناك.

إن الوَلَه بالدنيا يعني التمسُّك بزخارفها ومتاعها ومناصبها وجاهها، يعني أن يصير المرء عبداً لدنيا تأخذه متى وأنَّى شاءت، ومن يكن كذلك ستجرُّه الدنيا إلى الشَّرِّ والقبيح والباطل، وتوقعه في الأخطاء، وتصرفه عن فعل ما يجب إلى فعل ما لا يجوز في حكم العقل والشرع، وبهذا تكون "آفَةُ الْعَقْلِ الْوَلَهُ بِالدُّنْيا".

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنیة السيد بلال وهبي

captcha