ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

آفة النِّعَم هي الكُفران والجُحود والنكران

21:18 - April 28, 2023
رمز الخبر: 3490912
بيروت ـ إکنا: إن آفة النِّعَم الكُفران والجُحود والنكران، وسبب كون الكفران آفة لأن الاعتراف بأن النعم من الله المنعم المتفضل ينتج عنه الكثير من الآثار النفسية والأخلاقية والفكرية والاعتقادية، ويدعو الانسان إلى أداء شكرها والاستفادة منها فيما يرضاه المُنعم بها، أما لو جحدها فنسبها لغير الله فسيدعوه ذلك إلى تعظيم غير الله.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ النِّعَـمِ الْكُفْـرانُ".

الكُفرانُ:* جَحْد الْمُنْعِم، وتَرْك الشُّكْرِ على النِّعَمِ، وتَرْكِ القيام بالحقوق. وذلك إما بجَحدها وإنكارها من أصل، أو نِسبتها إلى غير مُسديها، وهو الله تعالى.

كقول الرجل: هذا مالي جَنيته بتعبي وعَرَق جبيني، أو كما قال قارون: "إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي"*.

وقد يكون ذلك من جَهل، أو غفلة عن حقيقة الأمر، وهذا قليل، أو عناد وكُفر، وهذا هو الأكثر، وكله يؤَدّي إلى جحد النعم وعدم الاعتراف بالفضل لله بها، ولو أن الإنسان فكَّر للحظة فيما بين يديه من نعم الله لوجدها عظيمة، ولَعَجِز عن إدراكها وعَدّها، ولَوَجد أنها من الله المُنعِم المفضل، ولَوَجد أن سعيه وعمله وعلمه ومعرفته وخبرته لم يكن كل ذلك إلا السَّبَب الأخير المباشر، والحلقة الأخيرة من سلسلة من الأسباب، وأن السَّبَب الأول هو الله، والرزّاق هو الله، والمُنعِم هو الله.

وإن غاب عنه شيء من ذلك أو تجاهله، فلن يغيب عنه ولن يمكنه أن يتجاهل حقيقة هي من أكثر الحقائق سطوعاً، حقيقة أنه قد يَسعى ويسعى، ويكدُّ ويَجِدُّ ويُهَيئ كل أو معظم الأسباب الظاهرية للرزق، ولكنه يُخفق في الحصول عليه، رغم ما يتمتع به من قدرات وإمكانيات، وإن حصل على شيء منه فلن يحصل عليه كله، وذلك القَدْرِ الذي حصل عليه سيجد أنه لا يمكنه أن يحافظ عليه من الذهاب إن شاء الله أن يذهب من يده. وهذا برهان على أن الرزق بيد الله لا بيده.

إنَّ المال الذي نخسره، والعافية التي تذهب، والصحة التي يعقبها المرض، والضعف الذي يصيب البدن، وضعف السمع والبصر، وانتقالنا من الشباب إلى الهرم، وبلوغنا مرحلة أَرذَل العمر لكيلا نعلم بعد علم شيئاً، لدليل قاطع على أن النَّعم التي في أيدينا ليست من صُنعنا، وإنما هي من المُنعِم الكريم الجواد، هي من الله تعالى.

إن الشيء الذي نفقده ولا يمكننا حفظه ومنعه من الذهاب ودفع الخسارة عنه، هو بذاته دليل على أننا لسنا الذي يجيء به، وذلك برهان على أنه من غيرنا، ومن تراه يكون غير الله الغنيُّ المطلق.

ومن ثّمَّ فإن آفة النِّعَم الكُفران والجُحود والنكران، وسبب كون الكفران آفة لأن الاعتراف بأن النعم من الله المنعم المتفضل ينتج عنه الكثير من الآثار النفسية والأخلاقية والفكرية والاعتقادية، ويدعو الانسان إلى أداء شكرها والاستفادة منها فيما يرضاه المُنعم بها، أما لو جحدها فنسبها لغير الله فسيدعوه ذلك إلى تعظيم غير الله، بل والتذلل له وتحقير نفسه بين يديه، وطاعته فيما يريد.

ولو نسبها إلى نفسه فسيدعوه ذلك إلى التكبُّر والاستعلاء على الخلق كما حصل لقارون وكما يحصل مع أمثال قارون في كل عصر ومصر.

ولا تقتصر آثار جَحد النِّعم وكفرانها على ما سبق، فهناك أخطر من ذلك، إن الكفران سبب التدمير والهلاك، فما من أمة جَحَدت نعم الله وكفرت بها فلم تحفظها، ولم تشكر المُنْعِم بها، ولم تنفقها في سُبُل الخير والصلاح إلا تحوَّلَت النعم في يديها إلى نِقمةٍ، وآل أمرها إلى الدمار والزوال.

وقد ذكر الله تعالى لنا مثلا على ذلك حين تحدث عن أهل سبأ وما آلَ إليه أمرهم حيث قال: "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴿15﴾ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴿16﴾ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ"﴿17/ سبأ﴾.

لقد حَرَّمَ الإسلام كُفران النِّعَم، وعدَّه من الذنوب الكبيرة حيث توَعَّد عليه بالنار، وفي تفسيره للذنوب التي تُغَيِّرُ النِّعَم ذكر الإمام الإمام زين العابدين (ع) كفران النِّعَم واحداً منها.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha