ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الجود هو من كمال الإيمان

9:13 - April 26, 2023
رمز الخبر: 3490884
بيروت ـ إکنا: إن الجود هو من أعلى الفضائل، وأشرف الصفات، وأسمى المكارم، وهو من كمال الإيمان، ومن كَرَم الطبيعة، ويكفيه شرفاً أنه صِفة من صفات الله تعالى.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الْجُـودِ التَّبْذيـرُ".

الجُودُ: هو كثرة العطاء من غير سؤالٍ، مِن قولنا: جادت السَّماء، إذا جادت بمطر غزير، والله تعالى جَوَاد لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة، وفرَّق العلماء بين الجود والكرم فقالوا: الجُود: هو صفة ذاتيَّة للجَوَاد، ولا يستحقُّ بالاستحقاق ولا بالسُّؤال.

والكَرَم: مسبوقٌ باستحقاق السَّائل والسُّؤال منه. أي أن الجود أن تعطيَ من تشاء من غير أن يسألك العطاء، والكرم أن تعطيه إن سألك.

فكُنْ جَواداً، وما أجمل أن تكون جَواداً، فالجود من أعلى الفضائل، وأشرف الصفات، وأسمى المكارم، وهو من كمال الإيمان، ومن كَرَم الطبيعة، ويكفيه شرفاً أنه صِفة من صفات الله تعالى، فهو الجواد الكريم الذي يعطي من غير مسألة، ويفيض من غير طلب، وينشأ الجود من حُسنِ الظَّنِّ بالله ورازقيته، وأَنَّه يُخلِف لك ما أنفقت، ويثيبك عليه.

وإنه ليأسِرُ النفوس، ويُطَيِّبُ القلوبَ، ويزيد في رزقك، ويحرس عِرضك، ويُزَكّي نفسك، ويطهِّرها من رذائل الأنانية والشُّحِّ الذَّميم، ويحببك إلى الله وإلى الناس، وهو عِزٌّ موجود، ويجعلك سيِّداً في قومك، ويستصلح أعداءك، ويرفع الخصومة معهم، ويبعثك على التكافل الاجتماعي، والتوادّ مع الناس، ويرفع حاجة المحتاجين من أفراد المجتمع، ويوَلِّدُ فيك شعوراً أنك جزء من الجماعة تهتم لأمرها، وتنشط في التخفيف عنها، ويمنحك وسام الكرامة في الدنيا وفي الآخرة، وهو قبل ذلك كله تمَثُّل بجود الله، واقتداء بجود الأنبياء والرُّسُل والأولياء والصُّلَحاء، ولقد كان رسول الله (ص) من أجود الناس، فلم يكن لجوده حَدٌّ محدود، ولا لعطائه قَدْرٌ معدود، فلقد كان يعطي لعظيم ثقته بالله، وكامل توكله عليه.

ولمعرفته بقدر الدنيا، وزهده فيها، وترفُّعه عليها، لا يخشى فقراً ولا قِلَّة، وكيف يخشى الفقر، وهو الغني بالله عن خلقه، الواثق بصادق وعده للمُنفقين الأسخياء، وقد رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) أنَّهُ قال: "مَا مَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) سَائِلًا قَطُّ، إِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَعْطَى، وَإِلَّا قَالَ: يَأْتِي اللَّهُ بِهِ".

وجاء أيضاً: كان رسول الله (ص) يُؤْثِـر على نفسه، فيعطي العطاء ويمضي عليه الشَّهر والشَّهران لا يُوقَد في بيته نارٌ.

واعلم قارئي الكريم أن الجود لا يقتصر على الجود بالمال، بل يتسع ليشمل أنواعاً أخرى قد تكون أهم من المال، وإن الجود بالروح في سبيل الله والدفاع عن المستضعفين والوطن والأرض والعرض لهو أعلى وأنبل أنواع الجود.

ثم الجود بالمال على المحتاجين، والجود بالعِرض بأن يتصدق بعِرضِه ويسامح من شَتَمَه أو قذفه، والجود بالصَّبر على الأذى، والجود بالوقت فينفقه في سُبُل الخير، ويعطي منه للناس، والجود بالعِلم فيعَلِّم من يحتاج إلى تعليم، والجود بالأفكار فإذا انقدحت في ذهنه فكرة فيها فائدة نشرها بين الناس ليستفيدوا منها، والجود بالنُّصح بأن ينصح من يحتاج النصيحة، والجود بالاهتمام بأن يهتم بذوي الحاجات ويخفِّف عن المكروبين، ويُصغي إلى الشاكين والمَهمومين، والجود بالجاهِ كأن يتوسط لشخص عند شخص، ويسترحم شخصا لشخص، والجود بالخُلق الحسن، والبشاشة والتَّبَسّم في وجوه من يلقاهم، وسوى ذلك من الأنواع.

يبقى أن تعلم قارئي الكريم أَنَّ "آفَةُ الْجُـودِ التَّبْذيـرُ" والتبذير هو أن تجود على من لا يستحق، وتنفق ما تنفق من مالك ووقتك وعلمك وحتى دمك، فيما لا يرجع عليك أو على الناس أو الدين أو الوطن بفائدة، إذ من المعلوم أن التبذير هو عدم إحسان التصرُّف في المال، وإنفاقه في غير محلِّه مما لا مصلحة فيه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha