جواهر عَلَويَّةٌ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِالصَّدَقَةِ تَفْسُحُ الآجال"*.
لا تعجَب قارئي الكريم وأنت تقرأ الآيات الكريمة والروايات الشريفة التي تحثُّ على الصَّدَقة، وتذكر لها آثاراً عظيمة الشأن، من أنها جُنَّة من النار، وتطفئ غضب الله، وتسدُّ سبعين باباً من أبواب الشَّرِ، وتمنع سبعين نوعاً من البلاء، وتدفع القضاء وقد أُبرِمَ، وتمنع الفقر، وتستنزل الرزق وتزيده، وتقضي الدَّينَ، وتُخَلِّفُ البركة، وتدفع مِيتة السُّوءِ، وتزيد في العمر، وأنها تَمحو الذَّنب، وتُهوِّن الحساب، وأن المتصدِّق في ظلِّ عرش الله يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ.
ولا تعجَب إن قرأتَ في الروايات الشريفة أن الصَّدَقة أنجح دواء، وأن لا شيء أجدى منفعة على المريض منها.
وكيف تعجَب وأنت المؤمن بالله الذي جعل لكل شيء سبباً، ولكل سبب أثراً، ونوَّع الأسباب والآثار، فمن أسباب مادية تنتج آثاراً مادية، ومن أسباب معنوية تنتج آثاراً معنوية ومادِّيَة، ألا ترى أنك قد تتفوَّه بكلمة، نعم كلمة، فتخلِّفُ آثاراً عظيمة وبركات جليلة عليك وعلى غيرك بل على النوع الإنساني برمته؟!ألا ترى أنك قد تعطي قليلاً من مالك لفقير فتحول بينه وبين ارتكاب جَريرة، وتصدّه عن إحداث مشكلة أسرية، بل قد تمنعه حتى عن الإقدام على الانتحار فيما لو ضاقت به السُّبُل ولم يجد يداً كريمة تمتد إليه بالمساعدة والعَون، ولم يقوَ على مواجهة الفقر والعَوَز؟!
وكيف لك أن تعجبَ وأنت تقرأ ما قاله المعصومون الذين لا ينطقون عن الهوى، بل يخبرونك عن الله، ويكشفون لك عن أسرارٍ من الغَيب، ويهدونك للتي هي أقوم من مسالك الحياة وسُبُلِها، وهم الصادقون فيما يقولون، والمؤتمنون على دين الله؟!
نعم قارئي الكريم، إن كل ما جاء في الروايات الشريفة عن آثار الصدقة لا يهدف إلى الحّثِّ على التصدق وحَسب، ولا هو من باب الترويج الدعائي لهذا الفعل النجيب، بل هو كشف حقيقي واقعي عن آثارها الواقعية الحقيقية.
وقد أثبتت الدراسات النفسية الحديثة التأثير النفسي الهائل للصدقة والعطاء وعمل الخير، فهي تمنح المتصدق الإحساس بأهمية دوره في الحياة الاجتماعية، وأنه يقوم بعمل مفيد وذو معنى، وذلك يُشعِره بالراحة النفسية، ويزيد من مناعة جسمه في مواجهة الأمراض، وأثبتت أن للصدقة أثراً هائلاً على دماغ المتصدق، إذ تُدخِل السرور على قلبه، وتشرح صدره، فهو المستفيد أولا من الصدقة التي يتصدق بها، ولعله لهذا جاء في الروايات أن الصدقة تقع أولاً في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، وما يقع في يد الله يرتد أثره مباشرة على المتصدق أولا، ثم على المتَصَدَّق عليه.
وقد بَيَّنَت دراسات عديدة تعتمد على مسح الدماغ مغناطيسياً أن التصدق بالمال يُحدِثُ نفس التأثير الذي تحدثه السعادة الناتجة عن كسب المال أو تناول الطعام اللذيذ، وبيَّنَت الدراسات كذلك أن المرضى الذين يتصدقون بأموالهم على الفقراء يتماثلون إلى الشفاء بسرعة أكبر من الذين لا يتصدقون من أموالهم. لذلك ينصح الأطباء النفسيون مرضاهم بالانخراط في عمل الخير، ومساعدة الفقراء.
وانتهت الدراسات النفسية المعمقة إلى أن العطاء مسؤول عن توليد الانفعالات الإيجابية المنَشِّطة كالفرح والسرور، والشعور بالحُبِّ، وأنه كلما أدرك المعطي والمتصدق أن الذي يفعله أمر إيجابي، أي يتقرب به إلى الله كفعل أمر الله به فإن ذلك يزيد من انفعالاته الإيجابية، فانفعال الفرد رهن تفاعل بين كل ما هو بيولوجي ونفسي وبيئي.
ويُنَشِّطُ العطاء مناطق معينة في المخ، كالمهاد، والجهاز الحوفي، والمنطقة الجوفية السقيفية، والمادة السوداء، ونظام المكافئة التي تكون مسؤولة عن إفراز مجموعة من الهرمونات والنواقل العصبية المتحكمة في الانفعالات كالفرح.ولا شكَّ قارئي الكريم في أن للصحة النفسية تأثيراً هائلاً على الصحة البدنية للإنسان، ومن صحَّ بدنه كان ذلك مدعاة لطول عمره، وعلى هذا الأساس نفهم معنى قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "بِالصَّدَقَةِ تَفْسُحُ الآجال".
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنیة السيد بلال الوهبي