ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الاسلام يجعل مفهوم العبادة إسماً جامعاً لكلّ ما یحبّه الله

14:17 - April 30, 2023
رمز الخبر: 3490942
بيروت ـ إکنا: قد توسَّع الإسلام في مفهوم العبادة، فجعلها إسماً جامعاً لكل ما يحبه الله عزَّ وجَلَّ من الأقوال والأعمال والأحوال، سواء كانت ظاهرة أم باطنة، وهي تتضمَّن المحبة لله، والرهبة لمقامه، والخشوع بين يديه، والامتثال لأمره امتثال المُحِبِّ لأمر محبوبه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الْعِبـادَةِ الرِّيـاءُ".

العِبادة: الخضوع والتذلّل، وقيلَ: هي الخضوع النابع عن الاعتقاد بألوهية المَعبود. وقيل: هي الخضوع أمام من يعتقد بأنه يملك شأناً من شؤون وجود العابد وحياته وآجله وعاجله. وقيل: العبادة هي الخضوع ممن يرى نفسه غير مستقل في وجوده وفعله أمام من يكون مستقلاً فيهما، ولما كان الله تعالى هو وحده المستقل في وجوده لأنه واجب الوجود، ومستقل في فعله لأنه الغني المطلق، فهو وحده الذي يستحق الخضوع والعبادة له.

وقد توسَّع الإسلام في مفهوم العبادة، فجعلها اسما جامعاً لكل ما يحبه الله عزَّ وجَلَّ من الأقوال والأعمال والأحوال، سواء كانت ظاهرة أم باطنة، وهي تتضمَّن المحبة لله، والرهبة لمقامه، والخشوع بين يديه، والامتثال لأمره امتثال المُحِبِّ لأمر محبوبه، الراغب في القرب منه، والمنزلة لديه، وهي بهذا لا حصر لها في نوع مُحدَّد من الأعمال والأقوال والأحوال والمشاعر والأحاسيس.


 فكما أن الإتيان بالعبادات الواجبة عبادة، كذلك التفكُّر، والذِّكر، وقراءة القرآن، والدعاء، والسَّعْيُ في طلب الرزق، والهجرة إلى الله، ومساعدة المحتاجين، وإصلاح ذات البَين، ومقارعة الظلم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والزراعة، والبناء، وصلة الأرحام، وزيارة الإخوان، وعيادة المريض، والتبسم في وجه الأخ المؤمن، وتقبيل الولد، ومعالجة المريض، وإماطة الأذى، كل ذلك وسوى ذلك من الأعمال والأقوال والأحوال عبادة ما دام الداعي إلى فعلها امتثال أمر الله والتقرُّب إليه، فلا تنحصر العِبادة  بتلك الأفعال التي يمارسها العبد بينه وبين الله فقط، بل تتسع دائرتها لتشمل علاقاته مع نفسه ومع محيطه الاجتماعي ومع الطبيعة، فكل عمل مُفيد حَسَن يتقرَّب به إلى الله تعالى فهو عبادة. 

أما العبادة في الاصطلاح الفقهي فدائرة مفهومها أضيق من المفهوم العام، لأنها عبارة عن امتثال أمر الله فيما أمر، والكَفِّ عمّا نهى عنه، وما يؤديه العبد من شعائر أمر الله بها، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج وسوى ذلك مما يُصطلح عليه بالعبادات، وبعبارة أخرى: هي تلك الأعمال الخاصة التي أوجبها المولى تعالى على عبده، فتقوم بربطه بخالقه، وأهم شروطها أن يؤديها العبد امتثالاً لأمر الله، متقرِّباً بها إليه.

فلا تصح الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا الزكاة من دون نية، فلو صلى مئة مرة ولم ينوِ بذلك امتثال أمر الله والتقرّب بها إليه لم تُعَدّ عبادة، وهذا مصطلح فقهي يقابل ما يُعرَف بالمعاملات التي لا يُشترط لصحتها التقرُّب بفعلها إلى الله تعالى، فلو باع شخص سيارة إلى شخص آخر فيصحّ البيع وتترتب عليه كل الآثار من انتقال المُلكية من البائع إلى المُشتري ولو لم ينوِ البائع القربة لله ببيعه. 

وما نلاحظه فيما تقدم أن للنية دور رئيسي وأساسي في جعل العمل عبادة سواء كانت عبادة بالمصطلح العام، أم بالمصطلح الفقهي الخاص، وعلى أساس النية يُقبَلُ العمل أو لا يُقبَل، فإذا كانت خالصة لوجه الله لا يشوبها رياء فالعبادة مقبولة وتترتب عليها جميع الآثار المَرجُوَّة من الثواب والجزاء الحَسَن، وطمأنينة القلب وسكون النفس، وإذا لم تكن النية خالصة لوجه الله بل كانت مَشوبة بالرياء فلن ينال العابد منها إلا التَّعَبَ والنَّصَب. 

"آفَةُ الْعِبـادَةِ الرِّيـاءُ" فالرياء يصيب العبادة في مَقتل، ويصيب العابد كذلك، ففضلاً عن أن الُمرائي بعبادته يستخِفُّ بالله تعالى، ويُلَبِّسُ على الناس، وهذا نوع من النفاق، فإنه لا ينال ما يصبو إليه بريائه، فلو أثنى معظم الناس على عبادته لم يُرضِه ثناؤُهم بل يظل لاهثاً يطلب المزيد، ولو بقي واحد لم يُثنِ عليه، انشغل قلبه بالواحد وغفل عن ثناء الباقين، وفي هذا ما فيه من القلق والاضطراب.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha