"اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ، عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ، وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَصْحابِ الْحُسَيْنِ" .
أين نجد الحسين (ع)؟ سؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا ونحن نحيي عاشوراء. إننا نبحث عن الحُسَين(ع)، ويجب أن نبحث عنه، هو ليس بغائب عنّا، بل حاضر فينا أبداً، فمثل الحُسين لا يغيب، ومثل الحسين لا يعتزل الناس ولا يعتزل الأحداث، ومثل الحسين(ع) لا يقعد في بيته، ومثل الحسين(ع) لاينأى بنفسه عن واجب الهداية، ولا يتخلَّف عن قيادة رَكب الإنسانية المُعَذَّبة.
نحن الذي قد نتوه عن الحسين(ع)، قد نغفل عن وجوده بين ظهرانينا، قد نحصره في بوتقة ضيِّقة، قد نحصره في مجلس عزاء نبكيه فيه ونحسب أننا وجدناه، وحُقَّ للحسين(ع) أن يُبكى، وحُقَّ له أن يُجْزَعَ عليه، وحُقَّ له أن نتألَّم لما جرى عليه وعلى أولاده وأخوته وصحبه، وقد نحصره فيما نُطعِم عنه، وقد نحصره فيما نقيم من مواكب، حتى الزيارة له في الأربعين وسوى الأربعين، لكن هذا على جلالته وعظمته وضرورته لا يكفي، والاكتفاء بإحياء عاشوراء بهذا وحده لا يكفي، بل قد يُضَيِّع الحسين مِنَّا، وإن وجدناه نجد جانباً صغيراً منه، فنُقَزِّمه ونُحَجِّم دوره، ونحصره في صعيد واحد، ولا صعيد واحداً يوجد الحسين(ع) عليه.
الحُسَين (ع) أعظم مما تقدم بكثير، رغم جلالة ما تقدم، ورغم أنه يخدم المشروع الحسيني، لكنه ليس المشروع بحد ذاته، إحياء عاشوراء وما تكتنفه من شعائر هو في الحقيقة طريق إلى المشروع، هو وسيلة وليس غاية، الغاية شيء آخر، تبدأ من فهم أهداف الحسين(ع) ومشروعه، وتمر بتوثيق العلاقة الفكرية والعقدية والروحية والمعنوية معه، وتنتهي بأن نكون حيث يكون الحُسين (ع).
من المؤكّد أننا لن نجد الحسين (ع) في مكان ليس لله فيه رضا، ولا في موقفٍ ليس لله فيه رضا، ولا في وسيلة ليس لله فيها رضا، الحُسين (ع) ليس براغماتياً غايته تُبرِّر مواقفه ووسائله، فلا مواقفه طارئة، ولا مُلتبِسة، ولا قابلة للتنازل عنها طلباً لنفع، أو تلافياً لدفع أثمان، ولا وسائله غير مشروعة أخلاقياً وشرعياً، إنه كأبيه أمير المؤمنين (ع) وجده رسول الله (ص) لا يطلب أمراً بظلم، ولا نصراً بجَور، ولا حُكماً بتَعَدِّي.
ومن المؤكَد أننا لن نجد الحسين (ع) في موقع من مواقع الباطل، والمُنكر، والظلم، والاستكبار، ولن نجده لحظة مع البطَّالين والمُبْطلين، ولا مع الضالين والمنحرفين والشاذين، ولا نجده لحظة في صفوف الطغاة لا معيناً لهم، ولا أداة بأيديهم، ولا (زلمة) لهم. ولا نجده في صفوف الفاسدين والمفسدين، ولا مدافعاً عنهم، ولا مُبرِّراً لهم، ولا راضياً بهم، ولا ساكتاً عنهم.
والحسين (ع) لا نجده في الغوغاء والحَمقى والثرثارين والإمَّعيين الذين أضاعوا السبيل فاجتالتهم الشياطين، واستبدَّت بهم الأبالسة، وأخذهم الإعلام المُعادي على حين غِرَّة فجعل في يد كل منهم خنجراً يطعن به دينه، وأمته، وأولياءه، وأهله.
من يطلب الحُسين (ع) يجده في مواقع ومواقف الحقِّ، يجده سيفاً مُصلَتاً على الطُّغاة، ورمحاً مُصوَّباً على صدور الظالمين، وسَهماً مُسدَّداً نحو محتل الغاشم، معتدي متجاوز، يَجده مُقا.و.ماً يدفع العدوان عن وطنه وشعبه، ويردُّ الضَّيم عن أمته، يجده صَوتاً عالياً في مواجهة الفساد والمُفسدين، يُنكِرُ عليهم، ويفضح فسادهم، ويقطع أيديهم وأيدي أدواتهم. يجده في مواجهة المنكر والشذوذ والانحراف، يُبَيِّن الحقائق، ويرد على الشبهات، ويحطِّم مقولات الضلال. يجده مدافعاً عن الحُرمات، والحقوق، والكرامة الإنسانية.
من يطلب الحسين (ع) يجده عند اليتامى يكفكف عنهم، يتكفَّلهم، يحتضنهم، ينفق عليهم، يعلِّمهم، يجده عند الفقراء والمعوَزين، يُعينهم على مكاره الدهر، يخفِّفُ عنهم، يستمع إلى شكواهم، يداويهم. يجده عن المنكسرة قلوبهم الذين يظلمهم الأقربون والبعيدون ثم لا يجدون ناصراً ينصرهم ولا معينا يعينهم. يجده عند المَسلوبة حقوقهم والمهتوكة حرماتهم والمُساء إلى كراماتهم مدافعاً عنهم.
من يطلب الحُسَين (ع) يجده في احترام الإنسان، واحترام حقوقه وكرامته وشرفه وعِرضه. يجده في الدولة المؤمنة العادلة، التي تنشر الإيمان والعدل والقسط، ويجده في القانون الذي يتساوى أمامه المواطنون، ويُطَبَّقُ عليهم جميعاً دون تمييز أو محاباة أو مداهَنة. ويجده عند كُلِّ إصلاح ديني وسياسي واقتصادي، ويجده في كل ميدان فيه لله رَضا وللناس منفعة وصلاح.
من يطلب الحسين (ع) في غير هذه المواضع فلن يجده، ومن لم يجد الحُسَين فلن ينفعه البكاء عليه ولو بكاه دهره.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي