ایکنا

IQNA

رئيس الجامعة الاسلامية في لبنان لـ"إکنا":

لابُدّ من خطوات عملانية لتجریم مرتکبی الاساءة الى المصحف الشريف

17:39 - August 01, 2023
رمز الخبر: 3492154
بیروت ـ إکنا: أكد رئيس الجامعة الاسلامية في لبنان "الدكتور حسن اللقيس" أن الإستنكار وحده لايكفي، لذلك لابُدّ من خطوات عملانية تتوجه نحو المجتمع الدولي والأمم المتحدة ليس لإدانة الاساءة الى المصحف الشريف والكتب المقدسة بل لتجريمها وتجريم مرتكبيها ومعاقبتهم لمناقضتها القانون الدولي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية.

لابُدّ من خطوات عملانية لتجریم مرتکبی الاساءة الى المصحف الشريفوقال ذلك، الدكتور حسن اللقيس في الكلمة التي ألقاها  اليوم الثلاثاء 1 أغسطس / آب 2023 للميلاد في الندوة الدولية الإلکترونیة التي نظمتها وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا) بعنوان "أهم خطوات منع تكرار تدنيس المصحف من منظور الآكاديميين" تحت شعار "وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ".

فيما يلي نص المحاضرة:

"بسم الله الرحمن الرحيم 

 "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(الصف / 8). 

هذه الآية المباركة من القرآن الكريم كانت العنوان والسبب والموجّه لوكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا) في تنظيم هذه الندوة الإلكترونية الدولية بعنوان "حلول الأكاديميين لمنع تدنيس القرآن"  الذي يقول عنه الله سبحانه وتعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (سورة الحجر الآية 9)  ويقول عنه خاتم النبيين محمد عليه وعلى آله وأصحابه المنتجبين أفضل الصلاة والتسليم إنِّي‌ تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌، إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا  إلى آخر الحديث. 

إذاً، يؤكد الله سبحانه وتعالى أنه يحمي القرآن ويحفظه من كل تدنيس وتحريف وتضليل، لكنه عزّ وجلّ على لسان نبيه الكريم يدعونا إلى التمسك بكتاب الله كي لا نضلّ. 

لكن التمسّك بكتاب الله حفظاً للأمة الإسلامية من الضلالة يستوجب معرفة قيمة هذا الكتاب الكريم واتباع تعاليمه في كل أيام حياتنا، لا أن ننتفض فقط عند تدنيسه فنحمل الكتاب دون تطبيق مضمونه! وفي هذا المجال والوقت القصير المتاح لكل كلمة، فإننا سنتحدث حصراً عن محورين من المحاور المختارة من إدارة الندوة. 

المحور الأول:

كيفية استخدام ظاهرة حرق القرآن كفرصة للتقريب بين المذاهب والتعاون بين الأديان

يقول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم* يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا... 

إذاً أحد أسباب الخلق هو التعارف. التعرف على الثقافات والحضارات والأديان. والتعارف يكون بالحوار الذي يحتاج طرفين راغبين بالتحاور. 

وهنا، هل بادر المسلمون تجاه الآخر بالرغبة في الحوار أم أن فرقاً كثيرةً كانت ترفض فكرة الحوار مع الآخر تحت ذرائع التكفير؟ 

وفي المقابل، أليس هناك من لا يتحاور بحجة أنه لا داعي للحوار، فيقبل كل شيء من الغرب دون دراسة وتفكير تحت عناوين التحرر والإنفتاح والتجدد؟ 

 بين هذا وذاك، يستحضرني الإمام المغيّب السيد موسى الصدر أعاده الله الذي بنظرته الثاقبة استشرف باكراً خطورة صدام الحضارات والأديان على بُنية المجتمعات كما على مسيرة السلم والأمن الدوليين، وبالتالي على بقاء الحضارة الإنسانية واستمرارها. فوجد بالحوار والتعايش الإسلامي المسيحي في لبنان تجربة غنيّة للإنسانية جمعاء، واعتبر أن نجاح هذه الصيغة والتجربة يشكل ضمانة لاستمرار الحوار والتعايش داخل الأمة العربية والإسلامية، كما يفتح الباب واسعاً للحوار بين الإسلام والغرب. وكان يقول "إنّ منطقتنا تشكل القاعدة الأساسية لحضارة القرن المقبل ونواتها الحوار العربي ـ الأوروبي".

كان الإمام الصدر ينطلق في كل تحركاته من أن الآخر هو إنسان وهو خليفة الله على الأرض مهما كان لونه وجنسه ودينه وعرقه ولغته. فكان في لبنان يدخل الكنائس واعظاً كما المساجد خطيباً ، ويدافع عن حقوق المسيحي في البقاع كما يدافع عن حقوق السني في الشمال والشيعي في الجنوب دون تمييز بينهم. وأطلق الحوار الرسمي بين رؤساء الطوائف الروحية في لبنان وسعى بكل أبحاثه ولقاءاته إلى التقريب بين المذاهب وما مراسلاته بين المفتي الشيخ حسن خالد إلا أبرز دليل على ذلك لانه كان يعتبر أن وحدة المسلمين هي أساس التحاور مع المسيحيين الذين كان يحترمهم ويتحاور معهم ويشاركهم مناسباتهم حتى كان أول عالم دين مسلم يحضر تطويب البابا في الفاتيكان. كما أنه وجه الرسائل العالمية من أجل نصرة المقدّسات المسيحية والإسلامية في فلسطين المحتلة من الصهاينة الذين يمتهنون تدنيس المقدسات دون ورع! 

لكن الإمام الصدر لم يتوقف عند الحوار بين الطوائف والمذاهب، بل كان يزور أوروبا للتعرف على حضارتها وأفريقيا للتعرف على ثقافتها. 

فهل ما استطاع فعله السيد موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لا تستطيع الآن الدول الاسلامية القيام به في القرن الحادي والعشرين في ظل العولمة والانترنت ووسائل التواصل المتاحة وهذا الكم الهائل من المتعلمين والمثقفين والنوابغ والمتفوقين من المسلمين المنتشرين في مختلف بقاع الأرض؟ 

ألا نستطيع اليوم كمسلمين أن نتوجه للعالم أجمع ونقول كما قال الله سبحانه وتعالى {تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...} كي نواجه بالكلمة الحسنة والرحمة وأخلاق الإسلام التي تحلى بها رسول الله (ص)  كل الكراهية المبثوثة تجاه المسلمين وكنتيجة لها حرق المصحف الشريف بدل أن  تتحول حملات الدفاع عن القرآن الكريم حملات مواجهة للأديان السماوية الأخرى. فليست المسيحية التي تدعو لحرق القرآن الكريم! وهذا القرآن الذي ندافع عنه هو الذي يقول {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰ} لأن الكتب السماوية جميعها مهددة بالتدنيس الواحدة تلو الأخرى. 

من هنا ننطلق إلى المحور الثاني: 

المطالبة من المحاكم الدولية بسن قانون دولي يجرم المسيئين للكتب السماوية وبالأخص القرآن

لنقول أن الإستنكار وحده لا يكفي، لذلك لا بُدّ من خطوات عملانية تتوجه نحو المجتمع الدولي والأمم المتحدة ليس لإدانة هذه الأفعال بل لتجريمها وتجريم مرتكبيها ومعاقبتهم لمناقضتها القانون الدولي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية خاصة في ما يتعلق بالبندين التاسع عشر الذي يضمن حرية المعتقد وأن حرية التعبير خاضعة للقيود المتعلقة باحترام الآخر وحماية النظام العام، والبند العشرين الذي يحظّر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية لأنها تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف. 

إن هذا التحرك القانوني المتاح  يستدعي تضافر جهود الأكاديميين القانونيين وجميع المسلمين العاملين في مجالات القضاء والمحاماة وغيرها من المهن القانونية. لذلك، فإننا ندعو هذه النخب القانونية المعنية بالقانون الدولي، إلى قراءة تفصيلية لشرعة حقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وعرض كافة البنود المذكورة في المواثيق الدولية والموقَّعِ عليها من الدول التي تسمح الآن بحرق وتدنيس المصحف الشريف، والتقدّم بصياغة قانونية تجرّم الأفعال الشائنة وتعاقب مرتكبيها لأن الادانات في هذا المجال لم تعد كافية مطلقاً. 

كما أن الدول الإسلامية الأعضاء في الأمم المتحدة، مطالبة بتقديم الإحتجاجات  على هذه الجرائم وتدوينها أمام الهيئات الدولية. 

هذه الخطوات ليست صعبة التحقيق لكنها تحتاج إلى إرادة صلبة وتضافر الجهود نصرة لكتاب الله، وديننا الإسلامي الحنيف. 

اكتفي بهذا القدر، واتوجه بالشكر لوكالة الأنباء القرآنية على تنظيم هذه الندوة القيمة للأساتذة الباحثين. نشكر للجميع حسن استماعهم ونسأل الله التوفيق لكل الجهود المبذولة لحفظ كتاب الله، ووصية رسول الله من التدنيس والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

captcha