ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة..

مَنْ أَغْبَنُ مِمَّنْ باعَ اللهَ بِغَيرِهِ

22:11 - April 06, 2025
رمز الخبر: 3499636
بيروت ـ إکنا: إن بيع الله تعالى بغيره يتمثَّل باستبدال الطاعة له والالتزام بشريعته، بشهواتٍ زائلة ومصالح عابرة، والغَبن هنا عظيم عظيم، إنه خسارة وجودية تُفقِد الإنسان قيمة وجوده.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ أَغْبَنُ مِمَّنْ باعَ اللهَ بِغَيرِهِ".

وهذا سؤال استفهامي انكاري يطرحه الإمام(ع) يسأل فيه عن أعظم المغبونين في خياراتهم ومساراتهم وعلاقاتهم، من الأكثر غُبناً، ذلك الذي يدفع ثمن سلعة أكثر من ثمنها الحقيقي، أو ذاك الذي يُعطَى ثمناً لسلعته أقل من ثمنها الحقيقي، أم ذاك الذي يخسر في صفقة تجارية كبرى، أم ذاك الذي يخسر جهوداً قدمها في هذا الصعيد أو ذاك، أم ذاك الذي ينحرف عن مسار الحق والهدى، ويبتعد عن الله تعالى؟
 
الجواب في طَيّ كلام الإمام (ع) واضح لكل عاقل لبيب، إنّ أغبن الناس ذلك الذي باع الله بغيره، لأنه استبدل الباقي بالفاني، والدائم بالزائل، والغني بالفقير، والقادر بالعاجز، فالله تعالى لا يوازيه شيء، ولا يرقى إليه شيء، هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو المالك وما سواه مملوك، وهو الإله وما سواه عبد خاضع له، وهو القادر وما سواه عاجز، وهو الرزّاق وما سواه مرزوق، وهو العزيز وما سواه ذليل، وهو الحيُّ الذي لا يموت وما سواه ميِّتٌ لا محالة.  

الذي يخسر شيئاً من أشياء الدنيا يمكن أن يعوّضه مهما بلغت قيمته، وإن الذي يبيع شخصاً بشخص يمكن أن يعيد الوصل معه، لكن الذي يخسر العلاقة بالله تعالى ويموت على ذلك فكيف يمكنه جبر خسارته؟! فالغَبْن هنا هو الخسارة المطلقة، لأن المُبادَلة بين نعيم العبودية لله وجحيم الدنيا ومتاعها.
 
بالرجوع إلى قول الإمام (ع): "مَنْ أَغْبَنُ مِمَّنْ باعَ اللهَ بِغَيرِهِ" فمِمّا لا شكَّ فيه أن البيع هنا تعبير مجازي عن قرار يتخذه الإنسان يفضِّل فيه شهوة عاجلة على رضوان الله تعالى، والغبن هنا أيضا هو الخسران الحقيقي الذي لا يمكن أن يُجبر، هو خسارة النفس في الدنيا وفي الآخرة، كما قال تعالى: فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴿الزُّمُر: 15﴾.

إن الخطاب في الآية الكريمة موجَّه إلى المشركين على لسان رسول الله (ص) يعلن لهم فيه أنه ماضٍ في طريقه، طريق الحق والإيمان، الطريق الذي يبلغ به أسمى الغايات، أن يخصَّ اللهَ بالعبادة دون سواه، فأما هم فماضون على الطريق الذي اختاروه لأنفسهم، طريق الاعراض عن الله تعالى، وقد يتوهَّمون أنهم على خير، وأن اختيارهم هذا مُربح، لكن الخسران ينتظرهم، وهو الخُسران الذي ما بعده خُسران، خُسران النفس التي تنتهي إلى المصير البائس، إلى جهنَّمِ أعمالهم وضلالهم وانحرافاتهم العَقَدية.
 
إن بيع الله تعالى بغيره يتمثَّل باستبدال الطاعة له والالتزام بشريعته، بشهواتٍ زائلة ومصالح عابرة، والغَبن هنا عظيم عظيم، إنه خسارة وجودية تُفقِد الإنسان قيمة وجوده، إن الله أوجده ليتكامل ويرتقي فإذا به يرتكس وينتكس ويهوي إلى القعر، فأي خُسرانٍ أعظم من هذا الخُسران؟!
 
نستفيد مِمّا سبق أن على الذي يريد أن يفوز بعلاقة دائمة مع الله فيربح دنياه وآخرته، أن يقدّم رضا الله على ما سواه، وأن تكون أولويته المطلقة الإستجابة لأمره تعالى أياً يكن أمره، وأن تكون إرادة الله ومشيئته محور قراراته في الحياة، فيسأل نفسه عند كل خطوة يريد أن يخطوها: هل يرضى الله بها؟، وألّا يغفل عن محاسبة نفسه ومراقبتها، وأن يتذكر أن الدنيا زائلة مهما طال مكثُه فيها، وأنه مرتحل عنها إلى الآخرة حيث البقاء والخلود والحياة الحقيقية، فيستثمر في الآخرة لأنها الباقية، ولا يجعل الدنيا في مقابل الآخرة، بل يطلبها في طول الآخرة، يعمل للدنيا كأنه سيخلد فيها، وفق إرادة الله وما يُرضيه، ويعمل للآخرة كأنه يموت غداً.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha