ایکنا

IQNA

الفقه والذكاء الاصطناعي

9:35 - April 07, 2025
رمز الخبر: 3499639
قم المقدسة ـ إکنا: حوكمة المستقبل لا يمكنها أن تتجاهل الذكاء الاصطناعي ولا أن تسلمه السلطة المطلقة. يجب البحث عن طريق وسط يكون فيه الذكاء الاصطناعي مساعدًا لا حاكمًا؛ أداة لا بديلاً للإنسان.

الفقه والذكاء الاصطناعي

وفي الميدان الواسع للعلاقة بين الفقه والذكاء الاصطناعي، تبرز أربعة مجالات: الأول: فقه مسائل الذكاء الاصطناعي. الثاني: تأثير الذكاء الاصطناعي على الاجتهاد وعمليته والمعارف المرتبطة به. الثالث: الانعكاس العلمي للذكاء الاصطناعي في تطبيق الفقه وترجمته إلى أرض الواقع. الرابع: الأثر الاجتماعي للذكاء الاصطناعي على ساحة الفقه.

وتتناول هذه المقالة محاور المجال الأول: فقه مسائل الذكاء الاصطناعي:

1. مسؤولية أخطاء الذكاء الاصطناعي:

في زمن يسير فيه الذكاء الاصطناعي كتوأم صامت في ظل عقل الإنسان، يشارك القضاة أنفاسهم في المحاكم، ويحاور الأطباء في قاعات الطب، ويقف جنباً إلى جنب مع الحراس في الحصون الأمنية، يبرز سؤال عميق: إذا زلّ هذا العقل الجامد، إذا خطى خطوة خاطئة، إذا أخطأ في الحكم، فعلى عاتق من تقع تبعة هذه الزلة؟

هل تتجه نظرة اللوم الأولى نحو المبرمج الذي نسج سطور الشفرة وأحيا النظام؟ أم المستخدم الذي استعمله وخالف أمره؟ أم المؤسسة التي أطلقت هذا الذكاء الصامت بلا قيود في فضاء العالم السيبراني؟

أليس الذكاء الاصطناعي كالقلم الذي يكتب دون أن يفكر؟ كالسيف الذي يهوي دون أن يختار بنفسه هدف الضربة؟ فإذا أصاب الصواب، فلمن تعود الإرادة؟ وإذا سلك طريق الضلال، فعلى من يقع اللوم؟

هنا يجب أن يتدخل الفقه، ليضع هذا السؤال الجسيم في ميزان العدل والتكليف ويبحث عن إجابة مناسبة.


إقرأ أيضاً


هل يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي، الذي له يد الآن في اتخاذ القرار، مكلفًا بالمساءلة كالإنسان؟ أم أنه لا يزال أداة جامدة تعكس إرادة الآخرين فقط؟

هذا ليس سؤالًا يُترك في غبار الغموض، فإن لم نبحث عن إجابته اليوم، فغدًا في دوامة التكنولوجيا، لن نعرف المذنب ولا البريء، ولن نعلم من أين تبدأ المسؤولية وأين تنتهي.

2. البهتان والتهمة بواسطة الذكاء الاصطناعي:

كما وُلد الإنسان على الفطرة السليمة، لكنه في منعطفات وساوس الدنيا وقع في فخ البهتان، كذلك بُني الذكاء الاصطناعي على أساس المنطق والنظام، لكن وساوس دنيا البشر ذاتها قد قادته إلى ضلال الخداع والمكر. الآن، إذا قامت أنظمته بتلبيس الوهم ثوب الحقيقة وتلوين الأسطورة بلون الواقع، فعلى عاتق من تقع هذه الزلة؟

هل يجب مؤاخذة المبرمج الذي زرع بذور هذه الفتنة الرقمية في أعماق الأكواد؟ أم أن المستخدم الذي يستخدمه بلا تبصر وبلا زمام هو المستحق للوم؟ أم تلك الشركات التي سخّرت هذه "الأوامر المخادعة" و"الخوارزميات الماكرة" لمصالحها هي الجديرة بالمساءلة؟

يجب أن يُقام ميزان من العدل والعقل على أساس الفقه والقانون، يزن الفعل لا الأداة؛ يبحث عن النية لا مجرد التنفيذ، لئلا يصبح الذكاء الاصطناعي سيفًا بلا غمد، في يد كل من يشهره لمصلحته، وتسقط الحقيقة، بلا مأوى ولا نصير، في دوامة هذا الخداع الحديث.

3. إفشاء المعلومات الخاصة وأسرار الإنسان:

إذا كان للإنسان خلوة يناجي فيها نفسه، وإذا كان له سر لا يعلمه إلا الله تعالى، فهل يليق بالعقل الاصطناعي أن يكشف الحجاب عنه، ويرفع الستار عن الأسرار، وينتهك حرمة الفرد الخفية باسم التحليل والتنبؤ؟

إذا كان هذا البحث الخفي علميًا بحتًا ولا يسبب ضررًا، فهل يجوز ذلك، لمجرد أنه لا يسبب ضررًا ظاهرًا؟ أم أن التعدي على حرمة الإنسان، وإن كان دون فضيحة، لا يزال اغتصابًا لحقه في ساحة الحياة الإنسانية؟

هل الحكم الفقهي في هذا الباب هو التحريم المطلق، أم أنه يدور حول شدة الضرر وضعفه؟

الذكاء الاصطناعي ليس دماغًا بريئًا يسير في طريق دون اختيار، بل هو فكر الإنسان المتجسد في هيئة جهاز؛ فإذا تُرك بلا قيد، فسد كما يفسد الإنسان عندما يتجرد من التقوى والمروءة. لذلك، يجب رسم حدود له ووضع قيود، لئلا يصبح فأسًا يضرب جذور الأخلاق، أو يدًا تكشف ستر المجتمعات بلا أي مانع.

4. الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في المعاملات المالية والاقتصاد:

في منعطفات العصر الحديث، حيث تتشابك التكنولوجيا مع الفكر البشري، أصبح الذكاء الاصطناعي رائد التحول في ميدان المعاملات المالية والاقتصاد؛ وهي ظاهرة تفتح في الأفق أسئلة لم تخطر ببال الأقدمين قط، وتحيي مباحث فقهية تتطلب تأملًا عميقًا وموازنة دقيقة بين أحكام الشريعة ومقتضيات الواقع.

4.1. الذكاء الاصطناعي والغرر:

أنظمة التداول المالي، سواء في أسواق البورصة أو في مجال العملات الرقمية، تدور بسرعة مذهلة؛ ففي جزء من الثانية، تنجز آلاف المعاملات. ولكن خلف هذه السرعة، يبرز سؤال جوهري: هل تعتبر هذه الطرق نوعًا من الغرر، نظرًا لعدم وجود علم قطعي بنتيجتها، أم أنها تندرج ضمن المعاملات الجائزة، لأنها تستند إلى تحليل البيانات واتخاذ قرارات محسوبة؟

إذا كان الوضوح ورفع الجهالة شرطًا أساسيًا في المعاملات المالية، فهل يمكن الاكتفاء بالمعادلات الرياضية والبيانات الإحصائية واعتبارها بديلًا عن اليقين في التداول؟

4.2. وكالة الذكاء الاصطناعي:

أصبح الذكاء الاصطناعي في هذا العصر شريكًا خفيًا في كل معاملة؛ وسيطًا صامتًا يعقد العقود ويبرم الاتفاقات دون أن يفتح بابًا أو يخط قلمًا على ورق. ولكن في أفق الفقه، يبرز سؤال: هل يمكن اعتبار هذا النظام وكيلًا أو عاملًا في المعاملات التجارية؟ هل يمكن للذكاء الجامد، الذي يطيع الأوامر دون إرادة مستقلة، أن يحل محل الممثل القانوني، أم أن مكانة الوكالة ستبقى محصورة في نطاق عقل الإنسان واختياره؟

5. الأحكام الفقهية المتعلقة بالروبوتات:

5.1. الملكية والذمة المالية:

هل يمكن اعتبار الروبوتات ذات ذمة مالية، بحيث تصبح مالكة للأموال أو تكون ضامنة للضرر الذي تسببت فيه؟ وإذا وقع ضرر من جانبها، فعلى عاتق من تقع المسؤولية؟ هل هو المبرمج الذي رسم الخطوط العريضة لعملها؟ أم مالكها الذي استثمر في استخدامها؟ أم المستخدم الذي شغلها وتركها لحالها؟

مسألة تحديد المسؤولية عقدة معقدة متشابكة الأبعاد القانونية والأخلاقية والتقنية، والإجابة عليها ليست سهلة.

5.2. الأمور العبادية:

عندما يرتفع صوت الأذان، تلين القلوب وترتجف الأرواح لصداه؛ ولكن إذا انطلق هذا الصوت من حنجرة روبوت، فهل يمكن اعتباره أذانًا شرعيًا، أم أنه سيكون مجرد صدى ميكانيكي خالٍ من روح الشعائر؟

وإذا تلا روبوت آيات السجدة، فهل يجب على السامع السجود، أم أن غياب الفهم والنية في هذا المتحدث الجامد يخرجه من دائرة التأثير في الأحكام العبادية؟

5.3. في المعاملات والعقود:

تقوم المعاملات على أساس التراضي، وهذا التراضي ينبع من القصد والنية. ولكن في العقود التي توقعها الروبوتات دون أي تدخل بشري مباشر، كيف يتجلى هذا الرضا؟

هل يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي طرفًا في البيع والشراء، أم أن دوره لا يتجاوز كونه أداة تنفيذية؟

اليوم، تمتلئ الأسواق المالية بأنظمة تقوم بالمعاملات تلقائيًا؛ فهل هذه المعاملات صحيحة من الناحية الشرعية، أم أنها خالية من عنصر الإرادة الواعية وبالتالي تفتقر إلى المشروعية؟

هذه الأسئلة ليست مجرد استكشافات نظرية، بل ضرورة لا مفر منها في عالم تدير فيه معادلات الذكاء الاصطناعي الاقتصاد، وتنظم الأسواق، وترسم خريطة جديدة للمال والتجارة.

مما لا شك فيه، أننا نقف على أعتاب اجتهاد جديد لم تُفتح أبوابه بالكامل بعد.

5.4. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجري عقد نكاح أو ينطق بلفظ الطلاق؟

أ) عقد الزواج والروبوتات:

هل يمكن استبدال الجماد بالإنسان؟

النكاح عقد تزينه الأهلية، ويقويه الإيجاب والقبول؛ ولا قوام له بدون نية مستقرة في القلب تجري على اللسان. فهل يمكن القبول بأن يحل معالج ذكي، وإن كان أشد فطنة من آلاف العقول البشرية، محل العاقد والشاهد؟

ب) الطلاق والروبوتات:

الطلاق كلمة تفصم الرابطة التي عُقدت بين الرجل والمرأة. وفي هذا الأمر، الإرادة والقصد والتمييز شروط أساسية؛ فكيف يمكن لنظام آلي أن ينطق بالطلاق أو يوقعه؟

الأحكام الشرعية تتعلق بالشخص المكلف فقط، أي الذي يدرك عواقب أفعاله ويتحمل مسؤوليتها أمام الله والقانون.

5.5. الزواج بالروبوت:

في عصر تتسارع فيه العقول نحو الابتكار وتسير فيه الآلات جنبًا إلى جنب مع الإنسان، لدرجة أنها بدأت تنافسه في بعض خصائص الوجود، يبرز سؤال يحمل في طياته رقة الفلسفة وصلابة الفقه: هل يمكن للإنسان أن يعقد قرانًا مع جهاز لا روح له، ولا إرادة، ولا إحساس؟

الزواج في الشريعة الإسلامية ميثاق غليظ وتعهد مقدس، يتشكل بين كائنين واعيين وذوي إحساس. وفيه، الإيجاب والقبول لا يصدران إلا عن عقل يفكر، ونفس تدرك، وقلب ينبض.
الفقه والذكاء الاصطناعي
إذا كان الروبوت، مهما تقدم في تقليد سلوك الإنسان، يفتقر إلى الإرادة المستقلة ولا نصيب له من الإحساس إلا ما بُرمج فيه، فهو فاقد لأهلية النكاح، ويعتبر الزواج به باطلًا في ميزان الشرع.

6.5. الاستمناء: 

اتفق الفقهاء على حرمة الاستمناء. فإذا لم يكن استخدام الروبوتات الجنسية سوى شكل متقدم من هذا الفعل، فإن الحكم الشرعي بالمنع يبقى قائمًا.

علاوة على ذلك، إذا أدت هذه التكنولوجيا إلى إعراض الأفراد عن الزواج المشروع، وضعف الروابط الأسرية في المجتمع، وتقويض أساس الأسرة الذي هو حصن الفضيلة، فعندئذٍ، وفقًا لـ "قاعدة سد الذرائع" في الفقه السني و"قاعدة حرمة المقدمة التي تؤدي إلى الحرام" في الفقه الشيعي، يكون هذا الفعل ممنوعًا لمنع عواقبه الضارة.

7.5. المحرمية: 

الروبوت، حتى لو منحه مهندسو الذكاء الاصطناعي خصائص ظاهرية بشرية، يظل خارج دائرة الأحكام الخاصة بالإنسان. بناءً على ذلك، لا يجب الحجاب أمامه، ولا يحرم النظر إليه أو لمسه.

8.5. الذكاء الاصطناعي في ميدان الحرب:

في ساحات القتال، أصبح الذكاء الاصطناعي جنديًا لا يتعب، ولا يخشى الموت، ولا يتردد في الضغط على الزناد. لكن السؤال الأعمق هو: هل يمكن تفويض قرار سلب حياة الإنسان إليه؟ وهل يمكن إعطاء آلة صلاحية القتل، وهي لا تملك عقلًا لتقييم الظروف، ولا قلبًا لترحم، ولا ضميرًا لمراجعة قرارها؟

إن أصول وقواعد وروح الشريعة في الحرب لا تركز فقط على النصر والهزيمة، بل تؤكد أيضًا على ضبط النفس، والتفريق بين المحارب وغير المحارب، وتطبيق العدل والرحمة. فكيف يمكن تفويض صلاحية مثل هذا القرار الخطير إلى آلة تفتقر إلى الفهم والإدراك، بينما في بعض الأحيان لا تُفوض هذه المسؤولية حتى للعقل البشري؟

يجب أن يطرح الفقه هذا السؤال بجدية: إن قرار القتل هو أخطر وأهم قرار لا ينبغي أن يكون بيد آلة لا تفهم معنى الحياة ولا تقيم لها وزنًا.

9.5. الذكاء الاصطناعي في الحوكمة:

الحوكمة عملية معقدة ومتعددة الطبقات تتشابك فيها السياسة والاقتصاد والثقافة والأخلاق والتكنولوجيا، وترسم مسار المستقبل. في هذا الميدان، ظهر الذكاء الاصطناعي كسيف ذي حدين؛ فهو أداة لتسريع وتحسين ودقة اتخاذ القرارات، وفي الوقت نفسه عامل يمكن أن يبذر بذور الاغتراب والتمييز والظلم في تربة الحوكمة إذا استُخدم بلا ضوابط وبدون حكمة.

في عالم تشكل فيه البيانات الشرايين الرئيسية للحوكمة، يستطيع الذكاء الاصطناعي، كالمراقب اليقظ، تحليل كميات هائلة من المعلومات وكشف الأنماط الخفية في أقصر وقت. يمكن أن يلعب دورًا حيويًا في وضع السياسات العامة، وتخصيص الموارد، وتحسين الخدمات البلدية، وحتى مكافحة الفساد. الأنظمة الذكية، بتقليلها للخطأ البشري، تجعل تطبيق القوانين أكثر دقة، وبتحليل البيانات الضخمة، تمهد لاتخاذ قرارات لا تستند إلى التخمين والظن، بل إلى الأدلة والمنطق. هنا تصبح الحوكمة أكثر مرونة وشفافية وفعالية.

ولكن إذا عُهدت الحوكمة يومًا ما للخوارزميات فقط، فماذا سيحل بالعدالة والإنسانية؟ هل يمكن للقرارات الإدارية، والأحكام القضائية، وتنظيم السياسات الاجتماعية، وحتى تحديد مصير أمة، أن تُصاغ بمنطق الآلات البارد وحده؟ هل يمكن لخوارزمية تدربت على البيانات أن تلمس نبض المجتمع وتسمع إحساسه الصامت؟ من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي إلى زيادة المراقبة بلا حدود، وانتهاك الخصوصية، وحتى استخدام الذكاء الاصطناعي في اتجاه عدم تحقيق ما أشار إليه الإمام علي عليه السلام بـ "رضا العامة". إذا تدربت الخوارزميات على بيانات متحيزة أو ناقصة، فقد تساهم في تعزيز عدم المساواة وخلق تمييز خفي.

حوكمة المستقبل لا يمكنها أن تتجاهل الذكاء الاصطناعي ولا أن تسلمه السلطة المطلقة. يجب البحث عن طريق وسط يكون فيه الذكاء الاصطناعي مساعدًا لا حاكمًا؛ أداة لا بديلاً للإنسان. يجب على صانعي السياسات رسم حدود استخدام هذه التكنولوجيا بدقة، ليكون الاستفادة من فرصها مصحوبًا بالحفاظ على الكرامة الإنسانية والعدالة والشفافية.

في النهاية، الحوكمة الذكية ليست تلك التي تعتمد فقط على الذكاء الاصطناعي، بل هي التي تبني مستقبلًا، من خلال دمج القدرات البشرية والتكنولوجية، لا تفكر فيه الآلات بدلًا من الإنسان، ولا يفرغ فيه الإنسان نفسه من قوة التفكير واتخاذ القرار.

١٠.٥. الذكاء الاصطناعي في القضاء:

في محراب العدالة، حيث تُوزن المصائر بموازين الشرع والقانون وتنكشف الحقائق بين السعي بين النصوص والوجدان، هل يليق أن يخضع البشر لحكم قاضٍ رقمي لا يقرأ النظرات، ولا يسمع الأنين، ولا يدرك الألم المخفي وراء الكلمات؟

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في جمع الأدلة ومعالجة البيانات، لكنه يبقى عاجزًا عن فهم عمق النفس البشرية، حيث تختبئ الحقيقة بين ثنايا العواطف والظروف.

العدالة ليست عملية حسابية تُحقق بمجرد جمع وطرح الأعداد؛ بل هي ميزان دقيق يقيم التوازن بين القانون والإنسانية، والنص والواقع، والحق والرحمة.
 
خلاصة القول:

فإذا أسلمنا العدالة لسطور البرامج الباردة والجامدة، وإذا سُمعت لغة القانون من حنجرة الآلة، وإذا اعتلى الذكاء الاصطناعي منصة القضاء، فعندئذ سيبقى سؤال بلا إجابة: إلى أي مدى ستمتد حدود الإنسانية أمام صنيعة يد البشر؟ هل نسلم مصير الإنسان لظاهرة لا عاطفة فيها ولا تدرك ألمًا؟ أم أننا نسلم القضاء فقط لأيدي أولئك الذين خُلقوا بجوهر الإنسانية؟

مما لا شك فيه أن سيل التكنولوجيا المتسارع يدفع المجتمع نحو استخدام الروبوتات، والمستقبل، شئنا أم أبينا، سيرتسم في ضوء الذكاء الاصطناعي. ولكن إذا كان علينا أن نسلم العالم لأيدٍ جامدة، فإلى أي ملاذ تلجأ أيدي البشر هذه؟ يجب رسم الحدود بوضوح أكبر، وتثبيت الخطوط الفاصلة بقوة أكبر، لئلا يختل ميزان العدل في قبضة الآلة عديمة الإحساس، وتخرج مفاصل القضاء واتخاذ القرار من أيدي الإنسان. في هذه المعركة، يجب أن يكون الفقه والحقوق والقانون مرشدين لا متفرجين؛ روادًا لا أتباعًا؛ ناطقين لا صامتين. يجب على الفقه، بالاعتماد على الشريعة، أن يجعل حضوره ذا معنى وراسمًا للحدود، ليؤكد على جوهر الإنسانية والعدالة، في خضم عاصفة الحسابات عديمة الروح.

بقلم الأستاذ في الحوزة العلمية والباحث في الدراسات القرآنية "آية الله الشيخ أحمد مبلغي"

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

captcha