ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ أَخْيَبُ مِمَّنْ تَعَدَّى الْيَقينَ إِلى الشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ

22:18 - April 07, 2025
رمز الخبر: 3499643
بيروت ـ إکنا: إن اليقن هو الأساس الذي يُبنى عليه الإيمان الكامل، وهو الثبات العقلي والقلبي والروحي على الحق دون تردُّد، يقابله الشك والارتياب والحيرة والذهول، حيث يضيع الشخص في متاهة من الأسئلة دون أن يجد لها إجابات واضحة، مِمّا يؤدّي إلى زعزعة استقرار العقلي والقلبي والروحي والمعنوي. 

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ أَخْيَبُ مِمَّنْ تَعَدَّى الْيَقينَ إِلى الشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ". 
 
سؤال يطرحه الإمام (ع) يكشف فيه عن أعظم الخيبات التي يمكن أن يُصاب بها الإنسان الذي امتاز عن سواه بالعقل، والقدرة على التفكير والتحليل، وإدراك اليقينيات، والتفريق بينها وبين ما يكتنفه الشَّكُّ والظَّنُّ والوَهم، فعلى الرغم من أنه أي الإنسان يسعى خلف اليقين في كل شيء، ولا يغمض له جفن إن سيطرت الحيرة عليه، لكنه قد يخطئ الطريق أو يخطئ الاستدلال، أو بسبب ما يسمع، أو يقرأ، أو بسبب بيئة يعيش في كنفها فينتهي به الحال إلى الشك والحيرة. 

في هذه الجوهرة يحذِّر الإمام (ع) من خطر الانزياح من مرحلة اليقين الإيماني إلى متاهات الشَّكِّ والحَيرة، وهو تحذيرٌ يُعتبر جوهرياً في بناء الشخصية المؤمنة، فاليقين هو أعلى مراتب الإيمان، حيث يتحول الاعتقاد إلى حالة ثابتة لا تتزعزع بالشبهات، وقد جاء عن رسول الله (ص) أنه قال: "خَيرُ ما أُلقِيَ في القَلْبِ اليَقينُ" وجاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "إنّ الإيمانَ أَفْضَلُ مِنَ الإسْلامِ، وإنّ اليَقينَ أَفْضَلُ مِن الإِيْمانِ، وما مِنْ شَي‏ءٍ أَعَزُّ مِنَ اليَقِيْنِ".

والشَّكُّ والحَيرة نقيض اليقين، فالشك يعني اضطراب القلب وعدم استقراره على اعتقاد معين، والحَيرة هي الضياع الفكري والروحي، وكلاهما يؤذيان الإنسان، ويحيلان حياته إلى جحيم، ويسلبان النوم من عينيه، فالإنسان قد يحتمل الألم في بدنه ويتعايش معه ولكنه لا يتعايش مع الشك والحيرة، وأكثر ما يكون متألماً إذا انتقل من اليقين إلى الشك، إن هذا الانتقال يؤدي به إلى خيبة روحية وعقلية عظيمة، يشعر معها بخسارة كبيرة لا تعوَّض، لأنه تراجع عن مرتبة سامية، وخسر بركات الاطمئنان القلبي، مع شعوره بالضياع، ووقوعه في متاهات فكرية لا تنتهي به إلى بَرِِّ الأمان.
 
عندما يعدد الله تعالى صفات المؤمنين الحقيقيين يذكر عدم وقوعهم في الشك والريبة كواحدة من صفاتهم الأساسية، فيقول سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا...﴿الحٌجُرات: 15﴾ فالإيمان تصديق القلب بالله وبرسوله، التصديق الذي لا يَرِد عليه شَكُّ ولا ارتياب، التصديق المطمئن الثابت المستيقن الذي لا يتزعزع ولا يضطرب، والإيمان الذي ينزل منزلة اليقين، لا يزحزح عنه أي عارض من عوارض الحياة الدنيا، ولا يُضعِفه ما يلقاه المؤمن من صروف الدهر، وصنوف البلاء، وأنواع المصائب، وضغط الأزمات، والبأساء والضرّاء، هذا هو الإيمان فى صميمه أما الإيمان الذي يهتز كيانه فى قلب الإنسان لأى عارض، ويضعُف عند أي بلاء، فهو إيمان غير خالص، بل هو مشوب بآفات كثيرة من الشك، وسوء الفهم، فإذا وُضِع على مِحَكِّ التجربة والامتحان، ظهر ما فيه من ضَعف، فلم يحتمل صدمة التجربة، ولم يصمد أمام الامتحان.

وهذا هو الحق، فإن الإيمان إما أن يكون مستقراً في القلب، ثابتاً راسخاً فيه، أو يكون متزلزلا متقلقلاً، ولا يكون ثابتاً إلا إذا بلغ درجة اليقين، ثم يترقّى ليبلغ عَين اليقين، ثم يترقى ليبلغ حقَّ اليقين، وهذه المرتبة لا يبلغها إلا ذاك الذي بلغ مرتبة من التفكُّر وصل بها إلى رؤية عالم الملكوت، أي وصل بها إلى معرفة الأسباب الجارية والقوانين الحاكمة في الوجود، ووجد الله وراءها، هو الذي أوجدها، وهو الذي يجريها قال تعالى: وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿الأنعام: 75﴾.

وعندما وصف الله تعالى المنافقين ذكر واحدة من صفاتهم أنهم يتردَّدون في رَيبهم وشَكِّهم، بعد أن نفى عنهم الإيمان بسبب ذلك، فقال: إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴿التوة: 45﴾ ففي كثير من الأحيان يزعم الإنسان انه مؤمن بينما قلبه مرتاب يشك في الله واليوم الآخر، والمواقف الصعبة كفيلة بكشف هذا الإنسان لنفسه وللآخرين. 
 
إن اليقن هو الأساس الذي يُبنى عليه الإيمان الكامل، وهو الثبات العقلي والقلبي والروحي على الحق دون تردُّد، يقابله الشك والارتياب والحيرة والذهول، حيث يضيع الشخص في متاهة من الأسئلة دون أن يجد لها إجابات واضحة، مِمّا يؤدّي إلى زعزعة استقرار العقلي والقلبي والروحي والمعنوي. 

ونحن اليوم نشهد موجة عارمة من التشكيك بالمَسَلّمات واليقينيات، وهجمة شرسة من الشبهات، تحاول كلها أن تنتزع اليقين من القلوب، تزرع مكانه الرَّيب والقلق والخوف، مِمّا يوجب علينا أن نعزِّز يقيننا بما يجب أن نكون على يقين منه، وألا نسمح للشك أن يتسلَّل إلى قلوبنا، ونحرص على الفَهم الدقيق للأمور، والمُسارعة إلى معالجة الشبهات وإزالة الالتباسات والأوهام.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha