ایکنا

IQNA

الاعتماد على العقل لا يُمَكِّن الإنسان من معرفة الله

21:47 - April 14, 2025
رمز الخبر: 3499738
بيروت ـ اکنا: ان الاعتماد على العقل البشري المجرد لمعرفة الله تعالى دون الاستناد إلى الوحي لا يُمَكِّن الإنسان من معرفة الله، بل يؤدّي به إلى تأويلات خاطئة، وعقائد لا يجيزها العقل نفسه، ومحاولة فهم ذات الله عبر تشبيهه بالمخلوقات، تفضي بالإنسان إلى الضلال.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنِ اعْتَمَدَ عَلى الرَّأْيِ وَالْقِياسِ في مَعْرِفَةِ اللّهِ ضَلَّ وَتَشَعَّبَتْ عَلَيْهِ الأُمُورُ".  
 
ينبهنا الإمام (ع) في جوهرته هذه إلى خطورة اعتماد الرأي الشخصي والقياس في معرفة الله تعالى، ويؤكّد أن ذلك يؤدي إلى الضلال والضياع والتشويش الفكري، فالعقل البشري مهما بلغ من العظمة والقدرة محدودٌ، والله سبحانه مُطلَق لا يحده مكان ولا زمان، فلا يمكن للمحدود أن يحيط فَهماً بالمُطلَق، ولذلك يعجز عن معرفة كنه ذاته المقدسة.

الاعتماد على العقل البشري المجرد لمعرفة الله تعالى دون الاستناد إلى الوحي لا يُمَكِّن الإنسان من معرفة الله، بل يؤدّي به إلى تأويلات خاطئة، وعقائد لا يجيزها العقل نفسه، ومحاولة فهم ذات الله عبر تشبيهه بالمخلوقات، تفضي بالإنسان إلى الضلال، ونسبة صفات لله تعالى يستحيل أن يتصف بها، ولذلك يرفض رسول الله (ص) والأئمة المعصومون (ع) رفضاً قاطعاً جازماً مَنهج التشبيه الذي اعتمده بعض المسلمين مِمَّن سُمّوا "المُشَبِّهة والمُجَسِّمة"، فهؤلاء قد شبَّهوا الله بخلقه، وأخذوا يؤوِّلون بعض الآيات المتشابهات دون رَدِّها إلى مُحكَم القرآن، فأثبتوا لله يَداً، وقدماً، ووجهاً، وعيناً، وعرشاً يجلس عليه، ونزولاً إلى الأرض، وصعوداً إلى السماء، ودابة يمتطي ظهرها، وسوى ذلك من التخاريف والتشابيه التي لا يقبلها عقل، بل يبرهن على بطلانها، ولا يقبلها القرآن الكريم الذي نزَّه الله تعالى عن جميع ذلك، بل عن جميع ما يتوهّمه البشر، وأنه سبحانه لا يشبَهه شيء من خلقه، قال سبحانه: ...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴿الشورى: 11﴾.  

إن هذا الجزء من الآية الشريفة ينبِّه إلى قاعدة حاكمة في معرفة صفات الله، وبدونها لا يمكن التوصُّل إلى أي صفة من صفاته، لأن أكبر مُنزَلَق يواجه السائرين في طريق معرفة الله يتمثل في تشبيه الله بمخلوقاته فيوصف بصفاتها، كما سبق وذكرنا، وهذا ينتهي بهم إما إلى الشرك، أو الضلال البعيد.
 
لذا فإن ما يثبُتُ لغير الله لا يصح عليه سبحانه وتعالى ولا ينطبق على ذاته المنزهة، بل ولا معنى له، إذ ما سواه محدود مخلوق مفتقر، وهو فليس لا يحده مكان ولا زمان، إذ إنه الغني المطلق، وواجب الوجود. 
 
فالخطأ العظيم الذي نقع فيه أننا نقيس الله تعالى علينا نحن، والقياس مستحيل، فالله ليس كمثله شيء، فكيف نقيسه علينا؟! بالنسبة إلينا تكون بعض الأمور سهلة والأخرى صعبة لأننا لا نملك القوة المطلقة، لأننا نقدر على شيء ونعجز عن أشياء، فأما الله فهو القادر على كل شيء، ولا يُعجِزه شيء،  وبالنسبة إلينا يوجد الماضي والحاضر والمستقبل لأننا رهائن الزمن، فأما الله فهو فوق الزمان والمكان، وبالنسبة لنا هناك أشياء صغيرة وأشياء كبيرة فأما الله فليس شيء صغير أو كبير عنده، إن مقاييس هذه الأشياء ومدلولاتها ومفاهيمها تحتكم إلى وجودنا المحدود، وهي تلائم إدراكنا وحاجتنا إلى مقايسة الأشياء بغيرها.

المواصفات والمقاييس والمصطلحات المحدودة، لا ينطبق أيٌّ منها على صفات الله، إذ لا معنى لديه للقرب والبعد، فالكل قريب وفي متناول إرادته، ولا معنى للصعب والسهل، فكل شي‏ء سهل عليه وطوع إرادته المطلقة، ولا يوجد مستقبل وماض، فكل شي‏ء بالنسبة إليه تعالى حضور وحال.
 
نستنتج مِمّا سبق خطورة استخدام القياس في معرفة الله تعالى، لأنه يؤدي إلى تجسيمه وتشبيهه بخلقه، وكلاهما يستحيلان عليه سبحانه، ويؤديان إلى الضلال، وهما سبب ظهور الفِرَق الضَّالّة كالمُجَسِّمة والمُشَبِّهة.
 
لذلك من الضروري جداً لمعرفة الله تعالى كما هو أهله الرجوع إلى القرآن الكريم وأحاديث رسول الله (ص) والأئمة المعصومين (ع) في العقائد، وعدم الخوض في الفلسفات البشرية المجردة، والتفكُّر الدائم في آيات عظمة الله تعالى في الكون وفي الأنفس، والاعتراف بمحدودية العقل مهما بلغ من القدرة، والاستعانة بالعلماء الربانيين الذين لديهم القدرة على استنباط العقائد بالاستناد إلى العقل والنصوص الشرعية الصحيحة.
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha