ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ جارَ في مُلْكِه تَمَنَّى النّاسُ هُلْكَهُ

22:41 - June 09, 2025
رمز الخبر: 3500478
بيروت ـ إکنا: إنّ الظلم يولِّد في قلوب الناس الحقد والضغينة، والرغبة في الانتقام من الحاكم الظالم، بحيث ينتقل استياء الأفراد من الاستياء المكبوت إلى المعلن، وكلما أمعن الحاكم في ظلمه وجوره انتقلت الرعية إلى طور آخر في التعبير عن سخطها عليه ورغبتها في الانتقام منه، وصولاً إلى الثورة عليه بغية إسقاطه بل والتخلُّص منه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ جارَ في مُلْكِه تَمَنَّى النّاسُ هُلْكَهُ".
 
لا يختلف عاقلان في أن العدالة من أهم وأعظم مقومات الحكم الصالح، وأن فقدانها من أهم وأخطر أسباب الفساد والانهيار، وذهاب القوة والقدرة، وانحلال العقد بين الحاكم والمحكومين، والمعادلة التي لا يختلف فيها اثنان: أن الحاكم الظالم الجائر الذي يظلم رعيته في أموالهم أو دمائهم أو كَمِّ أفواههم، يفقد الثقة بينه وبين رعيته، إذ يرون فيه عبئاً ثقيلاً يجثم على صدورهم، بحيث تصبح أولويتهم أسقاطه وإزالة حكمه، والتجربة الإنسانية هي البرهان على ذلك.

إقرأ أيضاً:

الظلم يولِّد في قلوب الناس الحقد والضغينة، والرغبة في الانتقام من الحاكم الظالم، بحيث ينتقل استياء الأفراد من الاستياء المكبوت إلى المعلن، وكلما أمعن الحاكم في ظلمه وجوره انتقلت الرعية إلى طور آخر في التعبير عن سخطها عليه ورغبتها في الانتقام منه، وصولاً إلى الثورة عليه بغية إسقاطه بل والتخلُّص منه.
 
أما ثقة الناس بالحاكم، والتفافهم من حوله، وطاعتهم له، وتمنِّيهم بقاء ملكه وسلطانه فلا تُكتَسَب إلا بعدله فيهم، وكلما زاد في عدله زادت ثقتهم به ومودتهم له والتفافهم حوله، وهذا ما أكَّد عليه الإسلام في القرآن الكريم وفيما صرَّح به رسول الله (ص) والأئمة الأطهار (ع).
 
فهذا الإمام أمير المؤمنين (ع) يؤكِّد أن: العدل أساسٌ به قِوام العالم، جعله الله قِواماً للأنام، وتنزيهاً من الآثام، وأنه قِوامٌ للرَّعيَّة وجَمال الوُلاة والحُكَّام، وأن العدل يرغب به الناس ويطلبونه، والظلم يُنكره الناس ويأنفونه، وأن في العدل تسكين لقلوبهم، وأنه أحلى لديهم من الماء يصيبه الظمآن.
 
ويؤكِّد رسول الله (ص) أن العدل يحمي المجتمع، كما يحمي الحاكم، ويديم استقرار المجتمع كما يديم استمرار الحكم، وأن صلاح المجتمع رهن به، به تتضاعف الخيرات، وبه تعمُر البلدان، وبه تتطوَّر وتنمو وتزدهر، ولهذا رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "عَدلُ ساعَةٍ خَيرٌ مِن عِبادَةِ سِتّينَ سَنَةً قِيامِ لَيلِها وصِيامِ نَهارِها، وجَورُ ساعَةٍ في حُكمٍ أشَدُّ وأعظَمُ عِندَ اللَّهِ مِن مَعاصي سِتّينَ سَنَةً".
 
فلا عجب أن تكون للعدل قيمة سامية في الإسلام، بل في كل الأديان والشرائع، ولا عجب أن يكون العدل مطلباً لجميع شعوب العالم، على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وأديانهم، وهم قد يختلفون على كثير من الأمور لكنهم لا يختلفون سُمُوِّ العدل والسعي إلى تحقيقه وتحققه في مجتمعاتهم.
 
الإسلام يؤمن بأن استقرار المجتمع وتتطوره يقوم على قاعدة العدل، وأن دور الحاكم أن يحرس حقوق الأفراد ويدافع عنها، ويُشيع العدل في ربوع المجتمع، وحينما يخرج الحاكم عن هذا العقد الذي بينه وبين الله من جهة، وبينه وبين الناس من جهة أخرى، ويعتدي بظلمه على الناس، فإنه بذلك يتسبب بزعزعة ركائز حكمه، كما يتسبب بإحداث هياج اجتماعي يتمثل في الفتن المتنقلة، والاضطرابات المستمرة، والتفرقة، والتمييز في الحقوق، والتفكُّك السياسي والاجتماعي، وبذلك يطلق سهم الموت على نفسه، لأن إحساس الناس بالظلم والجور والإذلال يولِّد لديهم شعوراً عميقاً بالمرارة والإحباط، مِمّا يدفعهم إلى الثورة على الظالم لإسقاطه. 
 
إن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ جارَ في مُلْكِه تَمَنَّى النّاسُ هُلْكَهُ" يرسم خريطة طريقة واضحة المعالم لأصحاب السلطة تفيد أن جورهم وظلمهم وطغيانهم يؤدي حتماً إلى نفور الناس منهم، وخروجهم عليهم، وانتقامهم منهم بشتى الوسائل مما يؤدي في النهاية إلى زوال ملكهم.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha