
فالتدبّر ليس مجرد قراءة أحداث، وإنما بما يعنيه من تحولات وصمود وعوامل قوة حققها الشعب الإيراني لنفسه دون أن يكون لأحدٍ في الغرب أو في الشرق،منّةً عليه، فهذا التحوّل العظيم لشعب إيران لم يكن بدافع التحرّر والاستقلال فحسب، بل كان جوهره الدافع الإلهي والأهداف السامية التي حملتها الثورة أولاً، والدولة الإسلامية ثانياً.
فالإمام الخميني(رض) كتب لكل الشعوب الإسلامية في العالم أن ركن الانتصار، والذي تسبّب بظهور هذا المجد الإسلامي في إيران، وفي غيرها من الدول المستضعفة هو الدافع الإلهي، يقول في وصيته الخالدة: "إنما انتصر شعب إيران باجتماعه حول هذا الدافع الإلهي".
وسيبقى هذا الدافع سببًا لكل انتصار، فليحذر الشعب الإيراني العظيم في ظل مكائد الأعداء، والتي كان آخرها قرار مجلس المحافظين من أن تأخذه في الله لومة لائم، ذلك أن مَن أعدّ نفسه ليكون تعبيرًا لمبعث إلهي جديد في مواجهة فرعونيات العالم وظلام الجاهليات الحديثة، لا يمكنه إلا أن يكون مميّزًا في أطروحة حياته سواء في الدين أو الدنيا!
إقرأ أيضاً:
لقد كتبنا منذ ثلاثة عقود من الزمن في كتابنا: "إيران واستراتيجية الثورة"، ونعيد هذا الكلام اليوم على وقع التهديد والوعيد الاستعماري لإيران أن وحدة إيران تكمن في الدافع الإلهي للثورة، ووحدة الموقف الداخلي، لأن التجزئة تنافي الاعتصام بحبل الله تعالى، وتُذهب الريح، وتمكّن الأعداء من تحقيق أهدافهم الشيطانية اللعينة!
فيا شعب إيران العظيم، ونظرًا لإحاطتنا الجيدة والعميقة بتاريخ جهادكم ضد المستعمر منذ ثورة التنباك، إلى حركة المشروطة والمستبدة، ومرورًا بكل نضالات الأمة الإسلامية في إيران، فإننا نكتب اليوم بدافعية روح نضالكم، ونقول"فلتكن الحوزة والجامعة باعتبارهما يشكلان عاملًا مدبّراً في حياة الأمة، قوةً صلبةً في مواجهة ما يعد له العدو مجددًا من مكائد وقد تكون هذه المرة تجديدًا للحرب ضد إيران للنيل من شعبها وتدمير حقوقه المشروعة!
لقد رأينا سابقًا أن إيران ليست مجرد دولة أو ثورة في التاريخ بل هي مبعث إلهي جديد لتنوير العالم بحقيقة الإسلام ،كما جاء به رسول الله(ص)، والرئيس الإيراني العظيم، كما تعرفون يتقن لغة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(ع) في العدل والسلام، وحب الوطن،وكذلك في السلم والحرب، رئيسٌ يملك جرأة ووعي الحق في قهر الأعداء، واستحضار كل جهاد مقدس في التاريخ.
فإيران هي دولة الحق والعدالة، واستطاعت أن تقدّم أنموذجها في الحرية والاستقلال والسيادة على أحسن صورة من تاريخ الإسلام والمسلمين. ولا نشك إطلاقًا في أن إيران لن ينال منها الأعداء، وهي تملك هذا الرصيد العظيم من الوعي الإسلامي، وهل يشك الشعب الإيراني في أنه بعث في ثورته المباركة ليكون أنموذجًا في أطروحة الحياة والإسلام التي يملكها ويجاهد في سبيلها؟
فالله وليكم،وقد استجبتم يا شعب إيران لما يحييكم، وكنتم خير من سعى وجاهد في سبيل الله تعالى.نعم،كنتم مصداقًا لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم…"، فأنى لعدو مستعمر وشيطان صهيوني أن يحول بينكم وبين ما أعدّ لكم من النصر والفوز في طريق الحرية والاستقلال ودعم المستضعفين.
إن إيران اليوم يعاب عليها أنها تساعد حركات التحرر لنيل استقلالها، ويعمل العدو لتجفيف منابع الخير على أحرار الأمة،! فهذا كان وسيبقى من مفاخر وعظمة الإسلام والدولة في إيران التي لم تتوان عن نصرة المظلومين حيثما استطاعت ذلك..فإيران اليوم،ثورةً ودولةً، تحتاج إلى أن تكون على جاهزية تامة للحرب بكل الوسائل المتاحة لقهر الأعداء،وخصوصًا جاهزية الإعداد الروحي بالدافع الإلهي،لأن الله تعالى وعد المؤمنين بالنصر والتثبيت والفوز العظيم،ولم يُعهد عن شعب إيران أنه كان خائفًا،أو غافلًا،ألستم أبناء من قال بقسمه الشهير الخميني العظيم:"والله ما عرفت الخوف في حياتي…".
إن إيران تمتاز بهذه المفخرة العظمى أنها لا تؤخذ على حين غرّةٍ، ولا تمنع من حقها، ولا من سلاحها النووي، الذي هو حق لها،وقد عتبنا كثيراً على مفاوضات اللحظات الآخيرة، لكونها تفاوض على حق مشروع لشعب عظيم، حقق ما حققه بعقول أبنائه، الذين هم مفخرة العالم بالبحوث العلمية والنووية.
وأخيرًا وليس آخرًا،فليكن الشعب الإيراني على أهبة الاستعداد لخوض حرب الإسلام والمسلمين ضد فرعون هذا العصر،ولا يحق لأحد،سواء من داخل إيران،أو من خارجها،أن يقول،كما قال أصحاب موسى(ع):"إنا لمدركون.".فإيران تمثل ما تمثّل من حق التاريخ والزمان والإسلام العظيم،والله تعالى قادرٌ على أن يكفينا القتال بعلمه وغيبه وملائكته،لكون هذه الثورة المباركة في إيران لم تترك يومًا من الله تعالى،بل كان لها كل أثر من معجزات الإسلام والمسلمين،والسلام على شعب إيران العظيم،"فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين".
بقلم أ.د.فرح موسى؛ رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان