ایکنا

IQNA

التحقيق السندي في وصيّة الإمام الحسين(ع)

23:10 - July 01, 2025
رمز الخبر: 3500774
إن من النصوص المحورية التي تمثّل ميثاقًا علنيًّا لنهضة الإمام الحسين بن علي عليه السلام، هي الرواية المنسوبة إليه في وصيّته إلى أخيه محمد بن الحنفية، التي قال فيها: "إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب."

هذه الرواية، على قصرها، تتضمن المنطلق العقدي والشرعي والاجتماعي والسياسي لنهضته، وتعبّر عن عمق مشروعه الإلهي الذي تمازج فيه الإصلاح بالثورة، والجهاد بالوعي.
 
ويهدف هذا البحث إلى التحقيق السندي لهذه الرواية في مصادر الشيعة الإمامية وأهل السنة والجماعة، مع تحليل دلالي  لمضمونها، وتوضيح مدى تواترها المعنوي واعتمادها في التراث الإسلامي.
 
 المحور الأول: التحقيق السندي للرواية في مصادر الشيعة الإمامية

 1.1 - الرواية في كتاب "الفتوح" لابن أعثم الكوفي (ت. 314 هـ)

 نص الرواية: ذكر ابن أعثم هذه الرواية في معرض حديثه عن خروج الإمام الحسين(ع) من المدينة، حيث قال: «حدثنا إبراهيم بن محمد بن بكر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مبرور، عن هشام بن محمد، عن أبي مخنف، عن محمد بن قيس، عن عقبة بن سمعان، قال: سمعت الحسين بن علي يقول لأخيه محمد بن الحنفية...» راجع كتاب الفتوح : ج 5 ص 21

 التحقيق السندي: ابن أعثم الكوفي: شيعي النزعة، مؤرخ معتبر لدى الإمامية، وكتابه يُعتمد في تواريخ النهضة الحسينية.

إقرأ أيضاً:

هشام بن محمد الكلبي (ت. 204 هـ): هو أبو مخنف، من أوثق روّاة مقتل الحسين في الكوفة، ورغم تشيّعه إلا أن الطبري وابن كثير اعتمدوا عليه.

عقبة بن سمعان: من أصحاب الحسين عليه السلام، وكان معه في كربلاء، وهو من الناجين منها، وقد نقل شهادته المباشرة.

جاء في حاشية كتاب تنقيح المقال في علم الرجال ، ج ٥/٣٣٥ الشيخ عبد الله المامقاني ( العلامة الثاني ) أحمد بن أعثم الكوفي أبو محمّد
قال في معجم الأدباء 2 / 230 برقم 29 : أحمد بن أعثم الكوفي أبو محمّد الأخباري المؤرّخ ، كان شيعيا ، وهو عند أصحاب الحديث ضعيف ، وله كتاب التاريخ إلى آخر أيام المقتدر ، ابتداءه بأيام المأمون ، ويشكّ أن يكون ذيلا على الأوّل ، رأيت الكتابين.

وقد ذكره شيخنا الطهراني في الذريعة 3 / 220 برقم 811 ، - بعد العنوان - قال : المتوفّى حدود 314 . . إلى أن قال : أقول : أمّا كتابه الأوّل المعبّر عنه ب : الفتوح ، فهو من مآخذ كتاب البحار ، وعدّه العلّامة المجلسي في آخر الفصل الأوّل المنعقد لذكر المآخذ من كتب تواريخ العامّة .  ثمّ ذكر تحقيقا في اسم المؤلّف وما يخصّه.

وذكره في الأعلام 1 / 96 واقتصر على عبارة معجم الأدباء ، وذكره في تنقيح المقال في علم الرجال، ج ٥، الشيخ عبد الله المامقاني (العلامة الثاني)، ص ٣٣٥ الوافي بالوفيات 6 / 256 برقم 2740 وغيرهم.

حصيلة البحث

يظهر من كتاب الفتوح أنّ المؤلّف من العامّة البعيد عن النصب ، وتضعيفه ربّما هو ناش من ذكره لبعض الحوادث الّتي لا تروق العامّة.

وعلى كلّ حال ، فالرجل ممّن يحتجّ بقوله عليهم ، ويظهر أنّه متثبّت فيما ينقله.

 النتيجة: السند جيّد وقوي في بابه، لأن فيه شاهد عيان (عقبة بن سمعان) ورواة معتمدين في كتب التاريخ الإمامية.
 
 1.2 - الرواية في "بحار الأنوار" للعلامة المجلسي (ت. 1111 هـ)

 يذكرها المجلسي في المجلد 44 عن "الفتوح"، ولا يضيف سندًا مستقلًا، لكنه يُظهر اعتماد علماء الإمامية على هذه الرواية.
 
 1.3 - الرواية في "الإرشاد" للشيخ المفيد (ت. 413 هـ)

 يورد المفيد مضمون الرواية بصيغة: «وقال عليه السلام لمحمد بن الحنفية...» دون تفصيل السند.

 تحليل: اعتماد الشيخ المفيد، وهو من أعلام الحديث والعقيدة، على الرواية، يدل على شهرتها وركون العلماء إليها رغم عدم وجود سندٍ تفصيلي أحيانًا، مما يشير إلى التواتر المعنوي.

4. 1 الرواية في كتاب مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي . ج 1 ص 24 

فقد روى الامام القاسم بن ابراهيم الرسي من ائمة الزيدية المتوفى سنة 246 هـ هذه الرواية في كتابه قال : قال الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب : واللّه لم أخرج أشرا ولا بطرا ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي . ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه . 

1.4  ذكرها  أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني المتوفي عام 424 في كتابه تيسير المطالب في أمالى أبى طالب ص 9 . 

 المحور الثاني: التحقيق السندي للرواية في مصادر أهل السنة والجماعة
 
2.1 - الرواية في "تاريخ الطبري" (أبو جعفر الطبري، ت. 310 هـ) تاريخ الطبري ، ج ٤/٣٠٥
 
لم يورد الطبري الرواية بلفظها الكامل كوصيّة، لكنه يذكر خطبًا وكلمات للإمام الحسين عليه السلام تحمل المعنى نفسه.

 من ذلك قوله عليه السلام: "ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه..."

 الطبري ينقل عن أبي مخنف، نفس الراوي الذي نقل عنه ابن أعثم.

 التحليل: الرواية وإن لم ترد بلفظها في الصحاح، إلا أن مضمونها محفوظ في كلمات الإمام في الطريق إلى كربلاء، مما يعزز التواتر المعنوي في المصادر السنية.

 2.2 - الرواية في "البداية والنهاية" لابن كثير (ت. 774 هـ)
 
 يعتمد ابن كثير على الطبري في أخبار كربلاء، ويكرر المضمون القريب من الرواية.
 
 2.3 - الرواية في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (ت. 748 هـ)
 
 لا يورد الذهبي الرواية بنصّها، لكنه يذكر أهداف الإمام الإصلاحية في سياقات متعددة.

ملاحظة: 
 
هناك كتب اخرى وردت فيها هذه الرواية من كتب السنة لكنها متأخرة او غير او لم تشتمل على كل فقرات الوصية فلم نوردها , مضافا الى أنها في الغالب قد اخذتها من الكتب والمصادر التي سبقتها. 

كذلك هناك مصادر جيدة قد ذكرت هذه الوصية امثال :  الخوارزمي (وفاة: 567هـ)، مقتل الحسين عليه السلام، 1381ش، ج1، ص273. والحسيني الحائري (وفاة: المنتصف الثاني من القرن العاشر الهجري) في تسلية المجالس ج2، ص160-161. وذكر كل من الطبري المامطيري[١٥] (وفاة: 360هـ) نزهة الأبصار ومحاسن الآثار، ص40. وابن شهر آشوب،[١٦] (وفاة: 588هـ) مناقب آل أبي طالب عليه السلام، ج4، ص89.بعض فقرات الوصية باعتباره كلام الإمام الحسين لـابن عباس (مشافهة وليس بالكتابة).

 المحور الثالث: دراسة نقدية مقارنة
 
 الشيعة: يتعاملون مع الرواية باعتبارها ميثاقًا أصليًا لنهضة الحسين، ويستندون في ذلك إلى تواتر معناها، وشهادات شاهد عيان كعقبة بن سمعان.
 
 السنة: رغم عدم ورود الرواية بلفظها في الصحاح، إلا أن المعنى محفوظ في خطب الحسين عليه السلام التي وثقها الطبري وغيره، وهذا تواتر معنوي فعلي.
 
 خاتمة واستنتاجات:

 الرواية محل الدراسة صحيحة من حيث السند في كتب الشيعة، وقريبة المعنى في مصادر السنة.

 الاعتماد على أبي مخنف وعقبة بن سمعان في كلا المدرستين يعزّز من حجية الرواية تاريخيًا.

 مضمون الرواية يشكل وثيقة إصلاحية عقائدية، تؤسس لشرعية النهضة الحسينية، وتُسقِط دعاوى التمرد أو الخروج على السلطان.

 التواتر المعنوي، في كلمات الحسين عليه السلام، يجعلها أصلًا عقائديًا مشتركًا في الوجدان الإسلامي، رغم اختلاف المناهج.

ملاحظة مهمة: 

لقد اعتبر بعض الباحثين في التاريخ من الشيعة المعاصرين امثال الشيخ رسول جعفريان هذا الحديث غير موثّق، وضعّفه بسبب ذكره في كتاب الفتوح بدون سند. الا ان ما ذهب اليه ليس تاما فإننا لا نحتاج في الروايات التاريخية الى توثيق سندي كالذي نحتاجه في روايات الحلال والحرام . 
 
توضيح ذلك:  "لا يصح  التعامل مع روايات التاريخ كما هو الحال في التعامل مع روايات الأحكام، فإن الروايات التاريخية ليس فيها نسبة الحكم إلى الله وبالتالي فإن الإمكان بوقوع حادثة ما يعطي الصلاحية لقبولها على أن تجمع لها الشواهد والمؤيدات وتدرس الملابسات والوقائع ويتم الحكم بعد المقارنة وهذا ما يفعله الباحث التاريخي سواء في السيرة أو في تاريخ المسلمين أو التاريخ العام".
 
ومن هنا يكون جل اهتمام الباحث في التأريخ هو جمع الشواهد والمقارنات, وما الحكم على سند الرواية الإّ أحد العوامل التي تدخل في المرجحات كما هو الحال في ضبط المؤرخ وحياديته ودقته في ضبط المعلومة والتفاصيل, وسرد الأحداث التاريخية يحتاج أول ما يحتاج إلى الترتيب المنطقي للأحداث, ثم لا يخفى أن مصدر المعلومة التاريخية هو ما كتبه المؤرخون فيكون قولهم في كتبهم حجّة بمقدار ما شبيه بحجيّة ما كتبه أهل اللغة في كتبهم مثلاً مع قبول الأمر للمناقشة والرد لا قبول كل ما يقولون.

وعلى كل حال فإنّ متانة الدليل والشواهد هي المعيار في قبولنا للواقعة التاريخية أو ردّها.

وأمّا ما يطرحه البعض من معاملة روايات التاريخ كمعاملة روايات الأحكام أو الشريعة بالعموم فهذا خطأ في لمنهج ولا يجب للباحث والمحقق أن يستغرق في المنهج الخاطئ، فأول ما عليك أن تأصل المنهج معهم لا أن تنساق وراء ما يزعمون. فلاحظ ودقّق في هذه النقطة (المنهج) كثيراً) . 

بقلم الأستاذ في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري 
captcha