ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ قَعَدَ عَنْ حِيْلَتِهِ أَقَامَتْهُ الشَّدائِدُ

23:33 - July 17, 2025
رمز الخبر: 3500972
إن قول الإمام (ع): "مَنْ قَعَدَ عَنْ حِيْلَتِهِ أَقَامَتْهُ الشَّدائِدُ" يدعونا إلى اعتماده منهج حياة لنا، وذلك بأن لاننتظر أن تجبرنا الظروف على الحركة، أو تجبرنا الشدائد على اتخاذ الإجراءات الواجبة لدفع المزيد منها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ قَعَدَ عَنْ حِيْلَتِهِ أَقَامَتْهُ الشَّدائِدُ".
 
معادلة مُلهِمة موحية موقظة يذكرها لنا الإمام أمير المؤمنين (ع)، ومفادها: أن من يترك الحيلة، أي من لا يستخدم فكره، ولا يتحرك بجهدٍ، ولا يسعى لتحسين وضعه أو درء الأزمات والمخاطر عن نفسه، فإن المصاعب والشدائد ستجبره يوماً على الوقوف والنهوض لإعمال الحيلة من جديد وتدبير أموره بوعي وبصيرة مستفيداً من تجربته وإخفاقاته السابقة.

وعليه: فالمعادلة تضع الإنسان أمام مسؤوليته الذاتية في تدبير شؤونه، وتبعث إليه برسالة تحذِّره فيها من الركون إلى التواكل، أو الاتكال على الظروف، أو الآخرين، ففي زحام الحياة، كثيراً ما يُفتَنُ الإنسان بالركون إلى الراحة، يُغريه السكون حتى يظن أن الأيام ستجري كما يشتهي دون جُهد، وأن التراخي لا يجرّ وراءه خسائر وإخفاقات وأزمات أعمق، لكنّ الحقيقة أكثر وضوحاً من هذا الوهم. 
 
هنا تبرز المعادلة التي ذكرها الإمام (ع): "مَنْ قَعَدَ عَنْ حِيْلَتِهِ أَقَامَتْهُ الشَّدائِدُ" حيث تتجلّى في هذه المعادلة الثنائية الواضحة بين "الحيلة" و "الشدائد" فالحيلة هي القُدرة على التصرّف في الأمور وبُعد النظر، وذكاء التصرف، وغالباً ما تُستخدم للدلالة على الذكاء والفطنة في تدبير الشؤون، وهي تلك القدرة الفطرية التي أودعها الله في الإنسان ليجعل منها وسيلته في دفع المخاطر، والتأقلم مع الأزمات، وتخطّي المعوقات.

إقرأ أيضاً:

وأما الشدائد، فهي جمع شِّدَّة: نقيض الرَّخاء، وهي كلّ أمرٍ صعبٍ أو مكروه يُصيب الإنسان، ومنها النوازل والمِحَن والمصائب العظيمة، وكلُّ ما يُضيّق على الإنسان حاله، فهي الوجه القاسي للحياة، لا تطرق الباب بل تقتحمه، ولا تستأذن أحداً قبل أن تنزل بثقلها عليه، هي المِحنَة حين تستحيل إلى ضرورة، والاختبار حين يراد الفهم، والابتلاء حين يراد منها الكشف عن مكنون الإنسان، والمستنهض حين يُراد استنهاض طاقات الإنسان وإرادته، فإذا ترك الإنسان "الحيلة"، أي عطّل عقله، وارتضى أن يكون متلقياً لا مبادراً، عاجزاً لا مدبراً، فإن الشدائد تتولّى المهمة، وتُقيمه من مكانه، شاء أو أبى.
 
قارئي الكريم: إن قول الإمام (ع): "مَنْ قَعَدَ عَنْ حِيْلَتِهِ أَقَامَتْهُ الشَّدائِدُ" يدعونا إلى اعتماده منهج حياة لنا، وذلك بأن لا ننتظر أن تجبرنا الظروف على الحركة، أو تجبرنا الشدائد على اتخاذ الإجراءات الواجبة لدفع المزيد منها، أو يجبرنا العدو بما يناله منا على ألّا نغفل عنه وعن مكائده، بل نبادر إلى التحرّك لدفع الشدائد قبل وقوعها، والتحوِّط من الأزمات قبل حدوثها، وإلا أقامتنا الشدائد، وأيقظنا العدو بما ينال منا.

إن الركون إلى الكسل لا يصنع راحة بل يؤجل الأزمة، ومن يترك الأمور تتدحرج دون أن يضع لها مساراً، سيجدها ذات يوم تدهسه تحت وطأتها، والشدائد لا ترحم، لكنها تُعلّم، إنها القوّة التي تدفع الكسالى للنهوض، وتوقظ الغافلين من غفلتهم، وتختبر صدق من ادّعوا القدرة دون أن يمارسوها، إنها تقول: "ها أنتم لم تحرّكوا ساكناً، فدعوني أحرّككم أنا" لكنها حين تفعل، تفعلها بقوة، لا تُبقي معها ولا تذر.
 
ومن يتأمّل هذه الجوهرة العلوية الكريمة بعمق، يدرك أن العاقل لا ينتظر حتى تسوقه الشدائد كما يُساق العاجز، بل يبادر، ويدبّر، ويتحرّك، ويُعمِل حيلته قبل أن يصبح الوقت ضيقاً، والخيارات محدودة.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha