ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ نَكَبَ عَنِ الْحَقِّ ذُمَّتْ عاقِبَتُهُ

19:36 - July 14, 2025
رمز الخبر: 3500920
بيروت ـ إکنا: إن الحق هو ميزان الله في الكون كله، وميزانه في الدنيا والآخرة، والحق هو الشرط الأهم لاستقامة الحياة الإنسانية واستقرار مجتمعاتها، والإنسانية اليوم أحوج ما تكون إليه في زمن التزييف والتحريف ولبس الحق بالباطل.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ نَكَبَ عَنِ الْحَقِّ ذُمَّتْ عاقِبَتُهُ"
 
في هذه الجوهرة الكريمة يكشف لنا الإمام أمير المؤمنين (ع) عن وخامة عاقبة من يبتعد عن الحق وينحرف عنه، أو يرفضه عمداً أو جهلاً، أو يتخذ منه موقفاً محايداً، ويصوغ ذلك كمعادلة قائمة على الشرط وهو النكوب عن الحق، والمشروط وهو سوء العاقبة. 
 

الحق العقائدي: وهو الإيمان بالعقائد الحقَّة التي أثبتتها البراهين، وأقرَّها العقل وانسجمت مع الفطرة الإنسانية الصافية، ويقابله الباطل العقائدي، وهو العقائد التي لم تثبت بالبراهين، ولم يقرِّها العقل، ولم تنسجم مع الفطرة، وإنما جاءت متأثِّرة بما عليه الأسلاف والآباء، أو ما عليه البيئة الظالمة.

الحقُّ الأخلاقي: وهو الالتزام بالقِيَم الأخلاقية السامية التي فُطِرَ الإنسان عليها، وأقرَّها العقل الذي وهبه الله القدرة على التمييز بين الحَسَنِ من الأمور وبين القبيح منها، مثل التزام العدل، والصدق، والوفاء، وحفظ الأمانة، وصون العِرض والكرامة، والشجاعة، والكَرَم وسوى ذلك من القِيَم السامية، يقابل ذلك الباطل الأخلاقي والقِيَمي، ويتجلَّى في ابتداع قِيَمٍ لا تنسجم مع الفطرة الإنسانية الصافية، ولا يُقرُّها العقل السليم.

الحقُّ الاجتماعي: وهو نشر الحق في المجتمع وإعلانه، وحمله، والجهر به، والدفاع عنه، وإقامة الحياة الاجتماعية عليه، ودحض الباطل وإماتته، ويتجلَّى في إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه، وإعانته على ذلك، والشهادة له وبه، يقابل ذلك الدعوة إلى الباطل، والانتصار له، وظلم الآخرين والتعدِّي عليهم، ومنعهم من حقوقهم، أو اتخاذ موقف حيادي حيال حقوقهم المغتصبة.

الحق الكوني: وهو الإيمان بأن السماوات والأرض، بل الكون كله مخلوق بالحق، وكما يجب أن يكون، وقائم عليه، قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿يونس:5﴾. 
 
ومِمّا لا جدال فيه أن الفطرة والعقل السليمَين، والإيمان الحقيقي بالله الحق، جميع ذلك يدعو الإنسان إلى طلب الحق من جهة، والتمسَّك به، والإقرار به لأهله، وإعانتهم على تحقيقه، وعدم كتمانه، وبهذا يمتاز العاقل المؤمن عن الجاهل الكافر الظالم، فالأول: يقيم حياته كلها عقيدة وأخلاقا وسلوكاً على قاعدة الحق، وتكون غايته الحق دائماً، والثاني يقيم حياته كلها عقيدة وأخلاقاً وسلوكاً على قاعدة الباطل، وتكون غايته الباطل دون سواه، قال تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴿1﴾ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴿2﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴿محمد:3﴾. فالباطل ليست له جذور ضاربة في كيان هذا الوجود، ومن ثم فهو ذاهب هالك، وكل من يتبعه وكل ما يصدر عنه ذاهب هالك كذلك، ولَمّا كان الذين كفروا يتبعون فإن أعمالهم محكومة بالضلال، والذهاب، كرماد تشتد به الريح في يوم عاصف. 

والحق ثابت تقوم عليه السماوات والأرض كما ذكرنا آنفاً، وتضرب جذوره في أعماق هذا الكون، ومن ثم يبقى كل ما يتصل به و يقوم عليه، ولما كان الذين آمنوا يتبعون الحق من ربهم، فلا شك في أنه يكفِّر عنهم سيّئاتهم ويُصلِح بالهم.
 
إن ضلال أعمال أتباع أهل الباطل المتنكبين عن الحق هو العاقبة الوخيمة، والعاقبة هنا لا تقتصر على الدنيا، بل تمتد إلى الآخرة وهناك يكون المنحرفون عن الحق أسوأ حالاً منهم في الدنيا.

والذي ينحرف عن الحق أو يتخذ منه موقفاً حيادياً فهو مع الباطل بالضرورة، لأن الحياة إما أن تقوم على الحق، أو تقوم على الباطل، ولا منطقة وسطى بينهما، والمجتمعات التي لا يُنادى فيها بالحق، وتُقام علاقاتها على الباطل والمصالح الشخصية والأهواء والظلم، تنتهي إلى الفساد والانهيار، والقادة الذين يكونون الباطل تلاحقهم لعنة الله ولعنة شعوبهم، وينتهي بهم الأمر إلى حال بئيس مُخزٍ، والقُضاة الذين لا يحكمون بالحق ويحيدون عنه في أحكامهم هم قضاة جائرون، وعاقبتهم وخيمة، والإعلاميون الذين يروِّجون للكذب والإفك والباطل، وينكبون عن الحق والحقيقة سيلعنهم التاريخ والناس والله.

إن الحق هو ميزان الله في الكون كله، وميزانه في الدنيا والآخرة، والحق هو الشرط الأهم لاستقامة الحياة الإنسانية واستقرار مجتمعاتها، والإنسانية اليوم أحوج ما تكون إليه في زمن التزييف والتحريف ولبس الحق بالباطل.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha