ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بِالْأَيّامِ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْمَلامِ

22:51 - July 15, 2025
رمز الخبر: 3500945
بيروت ـ إکنا: إن الحياة الإنسانية مدرسة مفتوحة، لكل من يريد أن يتعلَّم من أحداثها، والأيام لا تُعلِّم إلا من يُصغي إليها بعقل منفتح، وقلب واعٍ، وبصيرة نافذة، والوعي لا يولد مِمّا يسمعه المَرء من كلام أو يقرؤه وحسب، بل أكثر ما يولَد من التجارب والمعاناة.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بِالْأَيّامِ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْمَلامِ".
 
معادلة تربوية وأخلاقية ونفسية يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع) تجمع بين البعدين السلوكي والتربوي، وتقدم لنا معياراً مهماً لتقييم تجاربنا وتجارب الآخرين والإفادة منها، وتقوم على الربط بين الاعتبار والاتعاظ بحوادث الزمان، من أحداث وسُنَنٍ ومصائر، وتجارب الإنسان، وبين الإنزجار عمّا يجب أن ينزجر المرء عنه، وتنبَّه إلى أنه من لم يتعلَّم من دروس الحياة -وما أكثر دروسها- فلا ينفع معه اللوم والتأنيب، ولا يُصلحاه.
 
الإمام علي (ع) يرسم فارقاً مهماً بين صنفين من الناس:

صنف: يعتبر بأحداث الأيام، وتقلباتها، وسُنَنِها، وتجارب الناس، فيراجع نفسه، ويقيس سلوكياته، ويصحّح ما يجب تصحيحه، ويطوِّر ما يجب تطويره، فهذا الصنف يتطوَّر ذاتياً، ويستفيد من أي تنبيه أو وعظٍ يتوجَّه إليه.

إقرأ أيضاً:

وصنف: يمُرُّ على الأحداث مُرور الغافل الجاهل، لا يعتبر من مجرياتها، ولا يستفيد من دروسها، فهذا الصنف يبقى على حاله، لا يتعظ، ولا يصحح، ولا يتطوَّر، ومن يكن هذا حاله لن يغيره الزجر واللوم والتنبيه.
 
مما لا شك فيه قارئي الكريم، أن الاعتبار من تجارب الآخرين هو أحد أهم مفاتيح الحكمة والنُّضج العقلي والفكري، والرُّشد السلوكي في حياة الإنسان، فالعاقل لا يختبر كل شيء بنفسه ليتعلَّم، بل يتأمَّل في أحداث الحياة وتجارب الآخرين، فيأخذ منها العِظَة والعِبرة، ويستلهم منها الدروس. 
 
وهذا ما يؤكِّد عليه القرآن الكريم ويعتمده في تربية الإنسان، ولذا نراه حافلا بقصص وتجارب الأمم والجماعات والأفراد، وبعد سردها يقول: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿يوسف: 111﴾ فالهدف من القصص القرآني ليس الترفيه أو السرد التاريخي، بل إيقاظ العقل وتحفيز البصيرة، والاعتبار هو عمل "أولي الألباب" الذين لا يمرّون على الأحداث مرور الغافلين، بل يغوصون في معانيها ويستلهمون منها دروس الحياة.
 
كذلك ورد في القرآن الأمر بالسير في الأرض، والوقوف على آثار الأمم السالفة، والنظر في أحوالها، وما انتهت إليه أمورها، قال تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴿فاطر:44 والدعوة إلى السير في الأرض ليست مادية فقط، بل فكرية وتأمُّلية، هدفها فهم سُنَن الله في المجتمعات والتاريخ، وكيف أن مصير الظالمين والمفسدين كان الزوال والهلاك، بينما انتصر الحق وأهله بالصبر والثبات.

ثم إن الاعتبار بالأيام يتجلّى في: الاستفادة من التجارب الشخصية التي يمرُّ بها الشخص، وعدم تكرار ما أخطأ فيه، وتأمُّل حال الآخرين، والتعلُّم منها، والتغيير الإيجابي المنبثق من فهم التجارب السالفة. 

فأما عدم الاعتبار بالأيام فيتجلّى بتكرار نفس الأخطاء، وعدم الاعتراف بها، وعدم التعلُّم من الفشل، والعناد، والتبرير، ولَوم الآخرين على ما حدث له، والاستهتار بالعواقب، والعيش في اللحظة الراهنة دون تفكير في المدى المنظور، ودون التدبُّر في العواقب.
 
إن الحياة الإنسانية مدرسة مفتوحة، لكل من يريد أن يتعلَّم من أحداثها، والأيام لا تُعلِّم إلا من يُصغي إليها بعقل منفتح، وقلب واعٍ، وبصيرة نافذة، والوعي لا يولد مِمّا يسمعه المَرء من كلام أو يقرؤه وحسب، بل أكثر ما يولَد من التجارب والمعاناة.

أما ذاك الذي لا تُعَلِّمه تجاربه الشخصية أو تجارب الآخرين فلن ينفع معه أي أسلوب آخر، كاللوم والتوبيخ والتقريع، لأنه يفتقر إلى القلب الواعي، والبصيرة النافذة. 

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha