ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ نامَ عَنْ عَدُوِّه أَنْبَهَتْهُ الْمَكائِدُ

22:54 - July 18, 2025
رمز الخبر: 3500977
بيروت ـ إکنا: إنّ الإمام أمير المؤمنين (ع) لا يدعونا إلى الحذر وحسب، بل إلى نمط حياة قوامه المراقبة والفطنة واليَقَظة والانتباه إلى حركة الزمن والناس والأحداث، واليقظة التي يدعونا إليها لا تعني التَّوَتُّر ولا القَلَق، بل حيوية عقلية وفكرية ونفسية ومعنوية.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ نامَ عَنْ عَدُوِّه أَنْبَهَتْهُ الْمَكائِدُ".

معادلة أخرى توقظ اللبيب، وتنبِّه الغافل من غفلته، وتدعوه إلى اليقظة الدائمة، والحذر المستمر، فإنَّ "مَنْ نامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ" كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع)، العدو لا يغفل عنّا، هو أرِقٌ دائماً مِنّا، ننام ولا ينام عنّا، ونغفل وهو صاحٍ يراقبنا، يتتبع كل شاردة وواردة من أمورنا، ويهتم لكل تفصيل من حياتنا، ويتابع أنماط سلوكياتنا، وإذا ما أظهر لنا سكوناً أو هدوءاً، أو لا مبالاة، أو عجزاً، فإنه كالبحر الذي لا نعرف متى تعصف عواصفه، ومتى تعنُف أمواجه، يسكن ليثور، ويهدأ ليعنُف، ينتظر الفرصة ليبادر، ويجمع المعلومات ليحيط، ويتراجع لينقضَّ ويلدغ، والتجارب لا سيما الأخيرة منها شاهد صدق على ذلك.
   
"مَنْ نامَ عَنْ عَدُوِّه أَنْبَهَتْهُ الْمَكائِدُ" تختزل هذه الكلمات أعماقاً من البصيرة السياسية، والأمنية، والعسكرية، والاقتصادية، والنفسية، والاجتماعية، وليست تحذيراً عابراً، ولا نصيحة تُسدى إن شئنا أخذنا بها، وإن شئنا أعرضنا عنها، بل هي خريطة ذهنية تبيّن لنا موقعنا بين الغفلة والانتباه، وبين العدو والمكيدة، وبين النوم عنه والاستيقاظ له، والحذر الدائم منه.

إقرأ أيضاً:

النوم هنا لا يراد منه النوم الطبيعي الضروري الذي لا يمكن للإنسان أن يعيش من دونه، بل هو رمزٌ للغفلة عن العدو، رمزٌ للكسل والتواني، والثقة الزائدة، والطمأنينة المُخدّرة، والغرور بالقوة، وترك الأمور للمقادير، فحين يقول الإمام (ع) "مَنْ نَامَ عَنْ عَدُوِّهِ"، فإن المقصود هو كل من استسلم للسكينة الكاذبة، والأوضاع الوادعة، ولم يُدرك أن العدو لا ينام، بل يُدبِّرُ، ويخطّط، ويَكيد، ويستعِدّ، ويراكم أسباب القوة، ويجمع المعلومات التي يحتاج إليها.

أما "المكائد"، فهي الخطط الخفِيَّة، والفِخاج التي لا يُعلم أين نصبها العدو، والأزمات التي اختلقها والتي لا تأتي دفعةً واحدة، بل تتسلّل إلى الفرد والجماعة ببطء، كما يتسلّل الصدأ إلى الحديد.

نستنتج مما سبق: أن الوعي واليَقَظة والحَذَر والنَّباهة، والفِطنة، والاحتراز الدائم، جميع ذلك يشكل المنظومة الدفاعية الأهم عن النفس، وعن المجتمع والدولة، وأن الغفلة، والسهو، واللهو، والإهمال، والكسل، والبلادة، وسيادة النمط الواحد، والتخدُّر الفكري، والشرود، والانشغال بالأمور الثانوية، والانغماس في المُلهيات، والانشغال بالدنيا وبهارجها، جميع ذلك هو الثغرة الأهم التي ينفذ منها العدو. 
 
لذلك فإن الإمام أمير المؤمنين (ع) لا يدعونا إلى الحذر وحسب، بل إلى نمط حياة قوامه المراقبة والفطنة واليَقَظة والانتباه إلى حركة الزمن والناس والأحداث، واليقظة التي يدعونا إليها لا تعني التَّوَتُّر ولا القَلَق، بل حيوية عقلية وفكرية ونفسية ومعنوية، هي وعي لا ينام، حتى في أشد ساعات الطمأنينة، هي أن نُدرك أن هدوء الجبهات لا يعني انتهاء المعركة، بل هو فرصة للتفكير، وترميم ما يحتاج إلى ترميم، وتبديل ما يحتاج إلى تبديل، وإعادة هيكلة ما يحتاج إلى هيكلة، واستعداد وإعداد لما قد تأتي به الأيام.

لقد علَّمتنا التجارب القريبة بل الجارية إلى لحظتنا الراهنة هذه، أن المكائد صارت أكثر خفاءً من ذي قبل، وأن العدو أصبح أكثر قدرة على التمويه والمكر، يوهمك بالتفاوض ليطمئنك وهو يخطط لحرب تقصم ظهرك، ويوهمك بالضعف ليستجلبك إلى ساحته والزمان المناسب له.

وفي أيامنا هذه قارئي الكريم لم تعد الحروب تُخاض بالنار والحديد وحسب، بل تخاض بالمكائد والمصائد، وتخاض بالمعلومات، وتخاض بالتضليل، وتُخاض بالرأي والفتاوى، وتخاض بالإعلام والكَتَبة المأجورين، والذباب الإليكتروني، والتضليل، وشراء الذِّمم والضمائر، ومعه لا يمكن النجاة إلا باليَقَظَة والحذر الدائمَين، كي لا نستفيق على مكائد لا قدرة لنا جبهها.

والله تعالى يأمرنا بذلك، أمراً لا لبس فيه، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴿النساء:71﴾ والحَذَر هنا لا يقتصر على العدو الخارجي المُشخَّص المعروف، بل يجب الحذر من المندسّين في الصفوف، النافذين في المجتمع، الذين يعملون لصالح العدو عن قصد أو عن قصد.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha