ایکنا

IQNA

السويداء على حافة الهاوية: بين هدنة هشة وحياة متعبة وأمل بتعددية أفضل

9:36 - July 22, 2025
رمز الخبر: 3501018
بيروت ـ إکنا: إن سقوط السويداء، سواء كان عسكرياً تحت وقع نيران المهاجمين، أو سياسياً تحت شروط هدنة مجحفة، هو في حقيقته سقوط للنموذج الأخير للتنوع في سوريا.

ويهبط على السويداء هدوءٌ خادع، ليس هدوء الطمأنينة، بل سكون الترقب الذي يسبق العاصفة أو يعقبها. يتحدثون اليوم عن "وقف لإطلاق النار" وعن "دخول قوات الأمن"، وكأن هذه الكلمات السحرية قادرة على محو مشاهد الموت التي طبعت ذاكرة الجبل، أو ردم الهوة التي حُفرت بالدم والنار بين جيران الأمس.

لكن من شهد على انهيار أربع اتفاقات سابقة، ومن يرى الخرائط التي لا تكذب، يدرك أن ما يجري ليس حلاً، بل قد يكون مجرد تأجيل للسقوط، أو ربما شكلاً آخر له.

لقد دخلت الدولة السورية، أو ما تبقى من هيبتها، إلى أطراف المدينة. جاءت ليس كمنقذ منتصر، بل كوسيط مُلزم بضمانات دولية وإقليمية، بعد أن تُرك الجبل وحيداً يواجه مصيره. هذه الهدنة التي يُحتفى بها لم تُصنع في دمشق، بل نُسجت خيوطها في عواصم أبعد، حيث تُدار الصراعات وتُوزَّع الأدوار. فهل عودة الأمن هي عودة للسيادة، أم أنها مجرد حراسة مفروضة على سجن كبير، ريثما يُحسم مصير ساكنيه؟
 
إن جوهر الصراع لم يتغير. فالمعركة التي خاضها أهل السويداء لم تكن مجرد اشتباك على قطعة أرض أو حادثة خطف، بل كانت، في عمقها، دفاعاً عن فكرة. فكرة أن تكون مواطناً لا رعية، وأن تكون سوريا وطناً للتعددية لا ساحة للغلبة الطائفية. قاتل الدروز ليس كأقلية دينية تسعى للانعزال، بل كحامل لمشروع مدني أراد أن يحافظ على آخر ما تبقى من سوريا الحلم: وطن يتسع للجميع. لقد واجهوا جيوشاً من الفكر الأحادي، تلك التي لا ترى في الآخر إلا "كافراً" أو "تابعاً".
 
واليوم، حتى لو صمت الرصاص مؤقتاً، فإن السؤال الأكبر يبقى معلقاً في الهواء: ما هو ثمن هذا "السلام"؟ هل هو التنازل عن الكرامة التي قاتلوا من أجلها؟ هل هو القبول بأن تُفرض عليهم حلول لا تعكس إرادتهم، وأن يعودوا درجة ثانية أو ثالثة في وطنٍ كانت دماؤهم حبر استقلاله؟ لقد اختاروا الصمود حين كان خياراً مستحيلاً، مدركين أن موازين القوى لم تكن يوماً في صالحهم، وأن الكثرة العددية، في هذا الشرق، غالباً ما تتغلب على الحق.
 
إن سقوط السويداء، سواء كان عسكرياً تحت وقع نيران المهاجمين، أو سياسياً تحت شروط هدنة مجحفة، هو في حقيقته سقوط للنموذج الأخير للتنوع في سوريا. هو إعلان صريح بأن هذا الشرق لم يعد يتسع إلا لصوت واحد، ولون واحد، وفكر واحد. وما نشهده ليس نهاية معركة في محافظة جنوبية، بل قد يكون الفصل الأخير في قصة وطن اسمه سوريا، يتحول بسرعة إلى جغرافيا للموت، وديموغرافيا للغربة الداخلية.
 
السؤال اليوم، ليس من يوقف الاقتتال، بل من يعيد الامل والتوازن ويحمي التعددية ليصبح زعيما في صدر التاريخ.

بقلم الكاتب والمحلل السياسي اللبناني "الدكتور ناجي علي أمّهز
captcha