ایکنا

IQNA

 جواهر عَلَويَّة...

مَنْ خَبُثَ عُنْصُرُهُ ساءَ مَحْضَرُهُ

23:41 - July 30, 2025
رمز الخبر: 3501135
بيروت ـ إکنا: إن الإمام أمير المؤمنين (ع) يغوص إلى عمق الإنسان، ويجعل العلاقة بين داخله، بين طبعه، وقيمه، وعقيدته وبين سلوكه وعلاقاته وتواصله مع الآخرين يجعلها علاقة سببية لا تنقطع، إذا خَبُثَ الأصل، ساء المحضر، ساء السلوك، ساء التعامل.

و رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ خَبُثَ عُنْصُرُهُ ساءَ مَحْضَرُهُ".
 
يولد الإنسان صفحة بيضاء، يولد ولديه الاستعداد لقبول الخير وقبول الشر، ثم هو في الحياة يختار هذا أو ذاك من النجدين، نتيجة تربية تلقاها، أو تعليم، أو بيئة عاش في كنفها، أو صداقات أقامها، وسوى ذلك من العوامل التي تساهم في صناعة شخصية الإنسان وعقائده وأفكاره وتصوراته وقيمه وعاداته وأعرافه.
 
لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فهناك عنصر آخر يساهم بفعالية في تكوين شخصية الإنسان وطبيعته، وهو العنصر الوراثي، وهو ما يرثه من والديه أو أسلافه، إذ لا شك في أنهم كما يورِّثونه جيناتهم البدنية، كذلك يورثونه الكثير من جيناتهم النفسية والأخلاقية، وهذا لا يختلف فيه اثنان في عالمنا المعاصر.

وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بما نقله لنا من قول النبي نوح (ع): وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴿26﴾ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴿نوح:27﴾. فالآيتان تفيدان أن العامل الوراثي له تأثير كبير، -وإن لم يكن حاسماً-في طبع الإنسان وتكوينه النفسي والأخلاقي.
 
وهذا ما نبَّه إليه الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: "مَنْ خَبُثَ عُنْصُرُهُ ساءَ مَحْضَرُهُ" حيث يكشف عن العلاقة بين المضمون القيمي والأخلاقي والعقائدي للإنسان وبين سلوكياته وتعاملاته مع الآخرين، أي تربط بين الجوهر الحقيقي له وما يعكس ذلك الجوهر خارج الإنسان من سلوك وتعامل وتواصل مع الناس.

فالنفوس إما أن تكون طِيِّبة نقية صافية طاهرة، ودودة، رحيمة، رؤوفة، أو تكون خبيثة، مكَدَّرة، نجسة، حقودة، حسودة، سيِّئة الطبع، قاسية، فظَّة، قبيحة، فما "خُبُث عُنْصُرُهُ" أي ساء معدنه وطبعه وخلقه، وخبُثَت سريرته، فصار منبعاً للسوء، ومصدراً للقبح.
 
والمعنى العام للعبارة: أن من يكن عنصره وأصله خبيثاً فإن سلوكه سيكون خبيثاً، لأن باطن الإنسان ينعكس في تعامله وسلوكه، وإذا تمكن من أن يخفي أمره لبرهة من الزمن لكن في إمكان الآخرين أن يعرفوا حقيقته من فلتات لسانه، أو ما يبدو عليه من ملامح النفاق والكذب، أو تكشفه الأيام فيما بعد.
 
الإمام أمير المؤمنين (ع) يغوص إلى عمق الإنسان، ويجعل العلاقة بين داخله، بين طبعه، وقيمه، وعقيدته وبين سلوكه وعلاقاته وتواصله مع الآخرين يجعلها علاقة سببية لا تنقطع، إذا خَبُثَ الأصل، ساء المحضر، ساء السلوك، ساء التعامل.
 
نحن اليوم نعايش مجتمعات إنسانية كثيرة، ونتواصل مع شعوب مختلفة، معظمها طيِّب الأصل، معظمها إنساني في تعامله مع الآخرين، لكن هناك بعض الشعوب معظم أفرادها نفوسهم خبيثة، عنصرهم خبيث، وبأسف أقول ذلك لكنها الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها، بل تجب الإضاءة عليها، إن شعباً يرى عنصره القومي والديني أفضل العناصر وأرقاها، ويرى أنه الأحبُّ إلى الله، وأن الله اختاره لنفسه دون سواه، وميّزه عن غيره بميزات كثيرة، وأن سواه من البشر ليسوا بشراً في حقيقة أمرهم، ولكن الله خلقهم على صورة البشر ليأنس هو وجنسه بهم، إن شعباً يرى أنه ليس عليه إثم إن أباد شعوباً بأكملها، وليس عليه عقوبة إن أهلك حرث غيره ونسله، هذا الشعب عنصره خبيث بلا شك، ومحضره خبيث، طبعه خبيث وتعامله خبيث.
 
وقد تتساءل قارئي الكريم: هل خُبث العنصر أمر جبري لا يمكن تغييره؟

الجواب: الأمر ليس جبرياً بالطبع، والإنسان قادر على تغيير طبعه، وتطهير عنصره بلا شك، حتى ولو كان موروثاً، والمعادلة التي بين أيدينا لا تنكر ذلك، ولا تنفي إمكانية التغيير، لكنها تحذِّر من تأصُّل الطبع الخبيث في النفس، تحذِّر من صيرورته مَلَكَة نفسية، وتنبّه من أنه إذا صار الخبث طبعاً للنفس لا بد وان ينعكس في سلوك الإنسان وتعامله مع الآخرين.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha