ایکنا

IQNA

تأملات في آيات الذكر الحكيم...

"بين مائدة الرحمن وخطوات الشيطان"

9:38 - August 13, 2025
رمز الخبر: 3501289
النجف الأشرف ـ إکنا: منذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها قدما الإنسان هذه الأرض، أكرمه الله بمنحة الرزق، وبسط له خيرات البرّ والبحر، ثم أرسل إليه نداءً عامًا يطرق آذان البشرية كلّها: "﴿يا أيها الناس كُلوا مما في الأرض حلالًا طيبًا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين". 

قال الله تعالى في الآيتين الـ168 و169 من سورة البقرة المباركة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)".

المقدمة: 

منذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها قدما الإنسان هذه الأرض، أكرمه الله بمنحة الرزق، وبسط له خيرات البرّ والبحر، ثم أرسل إليه نداءً عامًا يطرق آذان البشرية كلّها: "﴿يا أيها الناس كُلوا مما في الأرض حلالًا طيبًا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين". 

فهذا نداء يزاوج بين الرحمة والتحذير؛ إذ يبدأ بفتح باب النعمة، ويختم بإغلاق باب العدو.
 
النعمة المزدوجة الحلال والطيب:
 
لم يقل سبحانه "كلوا مما في الأرض" ثم سكت، بل قيّد العطاء بشرطين:

حلال: أي مأذون فيه شرعًا، خالٍ من ظلمٍ أو اغتصابٍ أو خيانة.

طيب: أي نافع نقي، سالم من الضرر والخبث.

فهناك ما هو حلال في أصله لكنه غير طيب (كالمتعفن أو المضر)، وهناك ما هو طيب في مظهره لكنه غير حلال (كالمغصوب أو المحرّم شرعًا). وتمام النعمة لا يتحقق إلا إذا اجتمع الحلال والطيب معًا.
 
التحذير من العدو الأزلي: بعد أن يذكّرك بالرزق، يأتيك التحذير: ﴿ولا تتبعوا خطوات الشيطان﴾.

والتعبير بـ "خطوات" يشير  بأن الشيطان لا يدفعك مباشرةً إلى جرف الهلاك، بل يقودك في ممرات ملتوية، خطوة تلو أخرى، حتى إذا اطمأن قلبك لصحبته، أسقطك في قاع المعصية.
 
خريطة خطوات الشيطان:
 
لكي لا تقع في شراك الشيطان ، يكشف القرآن طبيعة مسيره الخفي وهو مكون من مستويات:
 
1. التزيين وتغيير الأسماء: حيث يلبس القبيح ثوب الحسن، فيسمّي الربا "فائدة"، والتبرج "حرية"، والظلم "قوة".
 
2. فتح باب الصغائر: حيث تراه يهمس لك أن المعصية صغيرة، "لا بأس بها"، حتى ينهار أول جدار بينك وبين الحرام.
 
3. التبرير والتسويغ: فنجده يضع على لسانك ألف عذر، فيقول لك "الله غفور رحيم" وهو يريدك أن تتمادى.
 
4. الإلف والإدمان: حيث نجده يجعل الذنوب عندك  عادة مألوفة، لا تنكرها نفسك.
 
5. النقلة إلى الكبائر: فحين يضعف الحياء، تصبح القلوب مستعدة للجرائم العظام.
 
6. القول على الله بغير علم: وهو ذروة المخطط، حين تتحول أنت إلى أداة تُشرّع الباطل وتحجب الحق.

ولهذا قال الله تعالى بعدها: ﴿إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾، فهذه هي نهاية السقوط في خطواته.
 
الوقاية قبل السقوط: 

القرآن لا يحذّر من الشيطان فحسب، بل يضع استراتيجية حصينة لاجل الحفاظ على الانسان من السقوط في شباك الشيطان:
 
1- الامتنان للنعمة: من خلال استخدام الرزق في الحلال الطيب.
 
2- المعرفة بالعدو: فيجب على كل إنسان استحضار عداوته الدائمة، فلا يركن له ولو لحظة.
 
3- سدّ الذرائع: و ذلك من خلال قطع الطريق عند الخطوة الأولى، قبل أن تتحول إلى عادة، ثم إلى هلاك.
 
وأخيراً أقول: 

أيها الإنسان إنها معادلة جلية: إمّا أن تجلس على مائدة الرحمن، فتأكل من رزقه حلالًا طيبًا شاكرًا، وإمّا أن تمشي وراء خطوات الشيطان حتى يقودك إلى هاوية السوء والفحشاء. والخيار لك، لكن الطريقين واضحان، والعدو مكشوف، والنداء الإلهي لا يزال يصدح عبر العصور: ﴿إنه لكم عدو مبين﴾.

بقلم الأستاذ في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري 

captcha