ایکنا

IQNA

الدولة والمقاومة والخفّاش الأزرق

12:23 - November 11, 2025
رمز الخبر: 3502385
بيروت ـ إکنا: لا شك في أن الذاكرة اللبنانية لا تحتمل تاريخها وخصوصاً تلك الذاكرة التي أكلها النسيان أو شوّهتها التبعية، أو اعتورتها مثالب الطائفية المقيتة، فاختارت خفافيش الليل على سطوع النور، فمثل أهل هذه الذاكرة، كمثل الذي استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولهُ ذهب الله بنورهم، وتركهم في ظلمات لا يبصرون.

صُمٌ، بُكمٌ، عُمىٌ، فهم لا يرجعون. هكذا وصّف القرآن الكريم حالة مَن اختاروا الظلمات على النور، وتخبطوا في الضلالة، فعميت أبصارهم، وانطفأت أنوارهم لما استبّد بهم من نفاق، وغرب عنهم من حقائق لا تزال ماثلة أمامهم، إذ لم يمر على ذاكرتهم زمنًا ليأخذ بهم النسيان إلى مساوىء التاريخ! ومجاهيل المستقبل!

فهل نسي هؤلاء عملية المارينز الأمريكية في سنة ١٩٥٨م، والتي سميّت" الخفّاش الأزرق"، لحماية المصالح الأمريكية في لبنان؟، فهؤلاء يجهلون أن شاه إيران كان يدعم المارينز في بيروت، ويناصر قوى التبعية للغرب ضد الرئيس عبد الناصر، ولم تتفتّق ذاكرةُ هؤلاء عن شيء من العمالة لإيران!


إقرأ أيضاً:


ثم جاءت موجة المارينز الثانية في سنة ١٩٨٣م، لتنصر دعاة الوطنية والحرية الغربية بعد حرب أهلية سجّر الغربُ نارها لحماية مصالحه على أنقاض لبنانية اكتوت بنار الطائفية المتأكلة لدرجة الموت عن كل حق ووطنية! فهل كان يتصوّر هؤلاء بعد غزوات المارينز، واحتلال الصهاينة لبيروت، أن تكون نتيجة ذلك تحرير الجنوب اللبناني في عام ألفين"٢٠٠٠"؟ 

فماذا بعد الحق إلا الضلال أيها الناس؟ فإذا كان عندكم ألباب فاعتبروا، وإن كانت لكم أبصار وبصائر فاتَّعظوا، فأحداث التاريخ وسننه لا تخدع أهل البصائر، ولا ينخدعون عنها، وقد قالها الإمام الصدر يوم كانت إيران على ضفاف غزوات المارينز:"نحن قومٌ لا نترك وطننا من دون دفاع"، قالها منذ ستين سنة، يوم كنتم تأكلون على موائد الضعف والهوان، وتلبسون ثياب الذلة والمسكنة، وتفرحون بغزوات الأعداء،! قالها للدولة الثكلى، والحكومة الغائبة إلا عن دعوة المارينز في حينه، قال الإمام:"على الحكومة أن تعلم، أن الوقت ليس للتضليل وتمييع القضايا، فإما أن تدافعوا عن لبنان، وإما أن تجلسوا في بيوتكم، لتكونوا مثار لعنة الضمير والتاريخ". 

فالمقاومة اليوم، هي امتداد لهذه الرؤية الوطنية التي عبّر عنها الإمام في مواجهة كل عمالة وخيانة! فلم يكن الإمام الصدر في حينه متسلحًا بالطائفية، ولا بالإيرانية، بل كان يدعو العرب إلى أن يكونوا على ساحة الجنوب للدفاع عن دينهم، وعروبتهم، واستقلال بلادهم! فيا له من عجب لا ينقضي، أن تكون حكومة اليوم، شبيهةً بتلك الحكومة التي خاطبها الإمام الصدر قبل نصف قرن من الزمن، حكومة الخوف من المارينز، والاستجابة لكل دعوة موت في ظل ما تتعرّض له الدولة كلها من مهانة غربية!

والغريب الذي لا يصدّق في عالم السيادية والكيانية الحرة، هو أن تؤخذ مزاعم الغرب وتهديداته وكأنها قدرٌ وأجلٌ لموت اللبنانيين!؟ إنه الخفّاش الأزرق من جديد، ولن يفلح، لا في ما يُبدء، ولا في ما يُعيد، وعلى اللبنانيين أن يعتبروا بما سلف من أحداث وتدخلات واحتلالات، فكل ذلك عايشته المقاومة، وأفلحت في صنع الملاحم، فأُزلفت الجنةُ للمتقين ،بما اعتمرت به من شهداء وكواكب مجاهدين ، وبما باشرتهُ من روح ويقين في جنوب الشهادة، وعلى أطراف الوطن الجريح! ...

ولو أن الأمر خليَّ لمن خانتهم الذاكرة، لما كان بقي للبنان ما يحتفل به في محافل الأمم، وعلى منابر القمم. إنها المقاومة التي منعت خفافيش الليل والظلام من أن تعبث بلبنان، ومهما حاول بعض المتعيّشين، والمتملقين، سواء في الدولة، أو في الطوائف والمذاهب والإحزاب، إنعاش ذاكرة الخلو عن القيمة والكرامة والحرية، فإنهم لن يستطيعوا إماتة حق المقاومة والدفاع، لأن الأرض والكرامة الوطنية لها حق العشق في نفوس الأحرار، وها هم اليوم يرون بأم أعينهم، كيف تتجسّد مقولة الإمام الصدر، أننا لن نقبل أن تبقى أرض وطننا من دون مقاومة، أو دفاع! فليصبر القوم على مقاومتنا، كما نصبر على جلافةقلوبهم، وغشية ثيابهم عن أن يروا الحق لبلادة وطنيتهم،! وضلالة تاريخهم!، وموت ذاكرتهم!

بقلم أ. د فرح موسى: رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان

captcha